الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب الحضاري وتحديات الثقافة

رجاء غانم دنف

2005 / 7 / 19
الادب والفن


رداً على مقال "الشعب البكائي والسوبر ستار"

طالعت المقال الذي نشره الحوار المتمدن بعنوان" الشعب البكائي والسوبر ستار" ودهشت للمعاني والمفاهيم المغلوطة التي جاءت فيه ،خاصة أن كاتبة المقال تبنت موقفاً شخصياً مهاجماً ،وتركت هذا الموقف يحكم ويتحكم بكل المضامين التي جاء بها المقال ،متناسيةً أن قدراً قليلاً من الموضوعية يضفي الكثير من المصداقية.
أعادني ذلك المقال إلى حقبة الثورة الفلسطينية في لبنان، في فترة طغت فيها الشعارات الحماسية والحزبية على كل المعاني الاخرى ،حتى وإن كانت إنسانية مشروعة كالحب والزواج ،فمثلاًعندما كان أحد الفدائيين يحب فتاة ما فإنه يكابر ويرابط دون الاعتراف بهذا الحب، أو إعطائه الشرعية لأن عملية الحب والاعتراف به ستأخذ الكثير من الصورة التي رسمها في خياله لنفسه كفدائي مستعد للموت مقابل تحرير الوطن، وفي أحسن الاحوال سيسقط عند عتبات الحبيبة ويقول لها كما قال أحد الاصدقاء لزوجته بعد زواج سنوات : بحبك يا سعاد قد الكلاشنكوف .
ومع كل ذلك شهدت تلك الحقبة بروز أصداء ثقافية واجتماعية هامة حاولت أن تخلق شرطها الانساني والحضاري من الظرف التاريخي الذي مرت به فكان غناء وكان شعر وكانت سينما ومسرح،وكانت علاقات اجتماعية جديدة وضعت العادات والتقاليد والصورة النمطية للرجل والمرأة في سلة القمامة،كل ذلك على الرغم من الصعوبات التي كانت متواجدة ولا زالت على ما يبدو .
لست هنا بصدد الدفاع عن عمار حسن أو عن البرنامج الذي أوصله إلى نجوميته ولكنني بصدد ظاهرة تنتشر بقوة وكثافة في المجتمع الفلسطيني، قوامها أننا شعب محتَّل نعاني الامرَّين ونفقد أطفالنا وعائلاتنا أمام جبروت آلة الاحتلال وعقليته الجهنمية وبناء عليه فنتاجنا الفني والثقافي والحضاري يختزل إلى ثقافة شعب محتل ليس إلا، وكل من يخرج عن هذه القاعدة فهو "شاذ" و" متنكر لشعبه" وكما أسمته أخيراً كاتبة المقال المذكور"غراب" لا يجلب إلا الخراب .
وهنا أتساءل عن الشروط التي يتم بها تقييم النتاج الفني أو الثقافي لأي إنسان سواء أكان فلسطينياً أو من أية جنسية أخرى ؟ ما هي شروط التقييم ؟ وما هي مصداقيته ؟هل يمكن أن نصفق لعشرات الفرق ذات المستوى السيء الاداء والتقديم لمجرد أن أغانيها تمتلئ بكلمات فلسطين والانتفاضة والحجارة ؟ وأن نبصق على الفرق التي تقدم رقصاً حديثاً تعبيرياً ينقل هموم وهواجس السجن والحواجز العسكرية والجدار العنصري والحب في ظل الاحتلال إلى خشبة المسرح دونما كلمة ؟
ومن الذي يحكم ويحدد أن من يغني للثورة والتحرر والانعتاق من كل أشكال العبودية لا يغني للحب والجسد والسهر ؟ كل فن جميل بمحتواه وبالمستوى الفني المبذول فيه وعليه لا يكون هناك تعارض بين أغنية وطنية لفيروز أو خالد الهبر أو مارسيل خليفة وبين أغنية للحبيب لعبد الوهاب أو اسمهان .
في حفل عمار حسن في نابلس اقتحم مسلحون قيل أنهم إسلاميون مكان الحفل وأجبروا الحضور والقائمين على التنظيم على إلغائه والبعض قال أن إطلاق النار طال المغني الشاب .
الشاعر الفلسطيني محمود دوريش رحب بعمار في رام الله وشكره على أدائه الرائع والمشرف في البرنامج الذي شارك به والذي قد نتفق أو نختلف حول طبيعته ،وأكد محمود درويش على أهمية حماية الفن ومبدعيه وأن على السلطة الفلسطينية أن تنتبه لقوى الظلام والرجعية التي تعمل وتستشري بقوة في المجتمع الفلسطيني، وتفرض قيمها ورجعيتها على الناس وأذواقهم، وطالب بضرورة العمل على وضع آلية لمكافحة مثل هذه الظاهرة التي تهدد مجتمعنا وثقافتنا وإرثنا الحضاري ،بقدر لا يقلُّ عن تهديد الاحتلال وآلته المجرمة.
عمار حسن ابن قرية سلفيت كبر ودرس في فلسطين، وعرف عنه زملاؤه التواضع والاجتهاد، وعمل بدأب حتى نال فرصته في برنامج سوبر ستار، وعندما شارك نفض الغبار عن عشرات من روائع الكلاسيكيات الغنائية التي اشتقنا أن نسمعها في ظل القمامة التي تبث وتفرض على الجميع يومياً ، شخصياً سمعته قليلاً وأعجبني صوته وشموخه الذي ذكرني بشموخ جبال نابلس ،وأذكر أنه أثناء اضراب الاسرى الفلسطينيين عن الطعام اتصل بلجنة أهالي الاسرى وسأل صراحة إن كانت مشاركته ستعطل على الاهتمام الشعبي والاعلامي لاضراب المعتقلين لأن الاخبار التي وصلته من فلسطين والتي أشاعها الاسلاميون أيضاً تقول ذلك .
في تلك الحفلة غنى عمار لفلسطين وللحرية وللحب ،ووجه تحيته عبر شاشة يشاهدها الملايين إلى الاسرى ونوه إلى مكابرتهم وصمودهم في سجون الاحتلال وكأنه بصوته وبوجوده الحضاري والانساني يتماهى مع العذاب الكبير الذي يعانيه أبناء هذا الشعب .
لا أعرف تماماً ما هو اللون الغنائي الذي سيختاره هذا الشاب ، وكاتبة المقال المذكور أخذت عليه أنه ابتدع مظهراً جديداً أو لوك جديد يتناسب مع شهرته الآخذة بالازدياد ،وأخذت عليه أنه أصبح يتحدث بلكنة لبنانية بعض الشيء، ومنذ متى كان لبنان ولغته وثقافته غريبة على فلسطين وأبنائها؟ وما الضير أن يطعم كل فنان لهجته بما يحب ويحب أن يسمع منه جمهوره؟
هذه أمور شخصية تترك للفنان الشاب والذي يحكم فيها مستوى ذوقه الشخصي والفني والثقافي ، ولكن يبقى السؤال : الى متى سيبقى كل فنان ومبدع فلسطيني مهدداً لأنه أتى بشيء مختلف أو جديد؟ إلى متى نظل بحجة الالتزام ومقاومة الاحتلال والاحتفاء بالنكبات نقتل كل إبداع ونخنق كل صوت جديد؟ ونسمح فقط لما هو أقل من المستوى بالازدهار والانتشار لأنه يضرب على وتر الشعارات الرنانة فقط؟ المشهد الثقافي الفلسطيني ينم عن كثير من المواهب والابداعات الجديدة التي يجب على الجميع احتضانها ورعايتها حتى وإن لم تتفق بالضرورة مع ما هو سائد ومطلوب ، تقبل الاختلاف والتجديد هو الالية المطلوبة لتحقيق ذلك وكل القوى التي تنادي بالسلفية والعودة إلى حياة ما قبل العصور ستحارب ذلك بكل ما تملك ويبقى التاريخ فاصلاً بين التيارين، وطبعاً الشعب الذي يشكل حطب هذا التاريخ .


فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا