الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالتان عن رواية - النبطي - ليوسف زيدان (ترجمة عن الإيطالية)

حذام الودغيري

2014 / 5 / 10
الادب والفن



المقالة الأولى

حين لا تكون "ملاحظة "المترجم وليدة تحذلق لغوي، فإنها غالبا ما تمثّل هزيمة بالنسبة إليه. وعلما أبيض مكتوبا عليه: "هذه لا أعرف أبدا ترجمتها ، وسأضطر لشرحها لكم".
وحتى في روايته الثالثة هذه - الثانية في موضوع تاريخي - يغري يوسف زيدان، عدة مرات، برفع هذه الراية البيضاء. ليس فقط لأن دفع القارئ بثقة إلى عالم في الماضي، قد لا يكون على دراية به، ليس في حد ذاته مهمة سهلة. ولكن لأن كل شيء يتعقّد بنوع من "التداخل" اللغوي داخل صوت الراوي.
في (عزازيل) كان "تمهيد المترجم" (في الواقع، المؤلف) يوضّح أن السّرد عبارة عن ترجمة إلى العربية لمخطوطة سريانية، ولهذا، حتى في خيال الرواية، وجد المترجم الإيطالي نفسه مضطرا أن يترجم ترجمة، كان لا بد من خلالها الأخذ بعين الاعتبارالـ"ركيزة" السريانية -التي، من المؤكّد، كان زيدان يقيس عليها.
بينما بُنِيَتْ رواية "النبطي، الكاتب" وفق مخطَّط الحكي الشفويي التقليدي العربي، ويُذكَر أنها حُكِيت بالعربية مباشرة من قبل بطلة الرواية ، مارية، التي ولدت وترعرعت في ريف مصر، أوائل القرن السابع للميلاد، وكانت تعبّر عن نفسها طوال "حياتها الأولى " باللغة القبطية، بل كان تعلم اللغة العربية بتجلّيات دقّتها يشكّل لحظة مهمة لـ"حَيَواتها" التالية.
" العرب يسمون الناموس الذباب، والذباب الذباب...ويسمّوننا القبط، ويسمّون بلادنا مصر، مع أنها من ألوف السنين اسمها كيمي"
"هنا يسمّون الكاهن "كاهنو" لأنهم يضعون الواو دائما "في نهاية الأسماء."
"كان زوجي يستعد للدخول في دين اجديد، يسمّونه " الإسلام " "
حالات مثل هذه، كثيرة جدا في الرواية، تثير فينا الشك حول مسألة ما ينبغي الحفاظ عليه بشكله الأصلي وإلى أي مدى سوف يضيع في الترجمة إلى غير رجعة.
وهذا ليس مجرد قلق المترجم أو مشكلة لغوية. بل هي في العمق واحدة من رموز ـ شيفرات ـ زيدان (العديدة ) في روايته.
"وجاء العرب من بعيد في يوم حار لم ينبعث منه أدنى بصيص من أشعة الشمس، وخطبوني لأحدهم".

إنها البداية التي تلخص معنى اللحظة التاريخية التي عاشتها مصر - وليس فقط - في تلك السنوات: عندما قامت حضارة عربية، عاشت لقرون على هامش الإمبراطوريات "المتقدمة" ، تنشّطها لَمْفا دينية حملتها النبوءة الجديدة، وجاءت لتتداخل حتما مع زواج من شأنه أن يغير التاريخ. واستعارة الزواج في هذه الحالة مناسب حقا. زواج بطبيعة الحال على الطريقة "الشرقية"، حيث لا تهمّ دائما المشاعر .
وليس من قبيل الصدفة أن يعهد زيدان هذه الاستعارة إلى البطلة النسائية، ، فقد سبق أن بيّن في روايته الأولى "ظل الأفعى" اهتمامه بقضيّة المرأة، وبخاصة من وجهة نظرأنثروبولوجية وثقافية.
حياة مارية اليومية، تصبح في الرواية العين المتميزة للنظر إلى عالم،وثني، هو بلاد العرب قبل الإسلام، لكن تعبره جميع أنواع الخمائر الثقافية والدينية، ومقدّر له أن يختفي فجأة ليتحوّل بحنين إلى "إرث" الأسطوري .

ملاحظة أخيرة تتعلق بالعنوان. لقد اعترف زيدان، أنه بإعطائه لرواياته عناوين تشير إلى شخصيات ثانوية (على الأقل ظاهريا) يريد أن يبدّل اتجاهنا. هنا كان العنوان الأصلي ببساطة "النبطي"، ولكن بما أن عنوانا مماثلا من شأنه أن يوحي للجمهور الإيطالي تصوّرا مغايرا تماما، ، قرر الناشر تخصيصه من جديد ، ليحوّل اتجاه القارئ الجاهل أكثر .
( Daniele Mascitelli دانييلي ماشيتيللي، مترجم الرواية للإيطالية )
http://www.lanotadeltraduttore.it/nabateo_scriba.htm

......................................................

المقالة الثانية


عند اشتراء النبطي، الكاتب (انيري پوزا، 2011) حدث لي خلط مضاعف من قبل مؤلّفه، يوسف زيدان،الذي جعلني أعتقد أن هذا هو اسم بطل الرواية. ومن الناشر الذي أضاف بجانب العنوان تلك الملاحظة، الجذابة جدا، كما يقول الإنجليز، التي من شأنها أن تشدّ عين المشترين المحتملين الشاردة، وهي دائما مُضَللة: "قصة حب ومغامرة".

طيّب، لا تنخدعوا: النبطي، الكاتب ليست قصة حب. إوإذا جاء الحديث فيها،عن الحب، فإنه في الخلفية. النبطي، الكاتب (أكثر من 300 صفحة) أساسا رواية تاريخية قوية، وبعد ذلك تأتي المغامرة: مغامرة مارية، قبطية مصرية شابة، ولدت في القرن السابع الميلادي في قرية صغيرة شرق دلتا النيل، وزُوّجت في الثامنة عشرة من عمرها لتاجر قادم من بلاد العرب. مارية، روح بسيطة، امرأة شابة، جميلة وتحب الاستطلاع بطبعها، ولكن لم تستطع الدراسةاللهم ذلك القليل الذي الذي علّمها إياه كاهن كنيستها. انها فتاة بأحلام وآمال أي امرأة شابة من عمرها: تتزوّج، وتنجب أطفالا تربيهم الى جانب زوجها. لكن قبل كل شيء، مارية من شهود واحدة من أهم صفحات في تاريخ البشرية: ولادة وانتشار الإسلام في منطقة الشرق الأوسط، التي كانت في القرن السابع الميلادي، مسرحا لفصول النهب والتعذيب الناجمة عن صراعات بين الفرس والرومان والبيزنطيين، شاهدها السكان المحليّون العزّل.

تدور وقائع الرواية في ثلاثة أجزاء، أو حيوات مارية الثلاثة: في الأولى، نتعرّف على حياة البطلة و حياة سكّان كفرها البسيطة، قبل زفافها من سلامة النبطي، رجل مهذب، قليل الكلام، لكنه أحول وغير جذّاب. وكان الأنباط شعبا عربيا عريقا (عاصمتهم البتراء في الأردن) تمكّنوا في القرون السالفة من بناء إمبراطورية كبيرة. كما كانوا تجّارا حاذقين تجوب قوافلهم أهم الطرق التجارية المؤدية من مصر إلى اليمن ومن سوريا إلى شبه الجزيرة العربية. مع مجيئ نبي الإسلام، تحول الكثير منهم إلى الدين الجديد، وبفضل معرفتهم العميقة بالمنطقة، لعبوا دور "الفاتح" لإيصال رسالة الإسلام إلى أمم أخرى.

في الحياة الثانية لمارية ، يأخذنا زيدان بيده في الصحراء، تابعين بين التلال القاحلة ذات اللون الضارب الى الحمرة، والأديرة القديمة، واللقاءات مع كبار القادة العرب، رحلة مارية الطويلة المُفضية إلى أرض زوجها، حيث تعيش عائلته في قبيلة تخيّم في مُستَشرف صحراوي مترب. أرض حياة مارية الثالثة: عائلة زوج مارية، التي تسارع حماتها في إعادة تسميتها لتصبح ماوية، عبارة عن فسيفساء حقيقية من الأديان: سلامة، مسيحي، الحماة وثنية، و الأخ الأكبر يلقّب باليهودي لاعتناقه المتأخّر لليهودية ، وأخيرا الشقيق الأصغر، النبطي، الكاتب الذي يعبد إل واللات. وهو رجل متعلم، لطيف متأمّل، يشعر أنه نبي، ويمضي أيامه، حين لا يسافر، في تنوير عقول شباب القبيلة بمناقشات جريئة حول الدين والفلسفة والتقمّص. بالنسبة لمارية الشابة وعديمة الخبرة، أخو الزوج هذا، الفتيّ الحسّاس، اكتشاف متواصل، فهو رجل قادر أن يشرح لها أسرار الكون، وينقلها بالفكر، بعيدا عن وضعها كـ "أجنبية" في القبيلة، بل أكثر من هذا (وإن لم يكن بسببها ) فقد كانت عاجزة أن تنجب ذرية لزوجها.

من وجهة نظر السرد، اذا صح التعبير، لا تُقلع الرواية أبدا. ليست هناك نقطة تحول، توجد آلية في التحاابك ، يليها تغيّر في القصة: نفسية الشخصيات تبدو وكأنها لم تتجاوز طور الرسم التخطيطي، بما في ذلك بطلة الرواية. ومع ذلك، فإن شعور مارية بالوحدة اليائسة ، الذي تفاقم بسبب العديد من الخسائر العاطفية التي انهالت عليها في بضع سنوات وبسبب صعوبات الحياة الجديدة، هو الجانب من شخصيتها، الذي جعلني أشعر بها عاطفيا أكثر قربا وأكثر إنسانية.

على الرغم من كل شيء، فإنه من الصعب عدم متابعة الكلمات التي كتبها يوسف زيدان: وفيما كنت أقرأ الكتاب، كانت تواصل لفّتها أمام عيني دون أن أستطيع منعها، وكل واحدة تجرّ التالية كمثل دوّامة لا نهاية لها. وبالتالي، رغم أنني لا يمكن أن أصرّح أن النبطي فتنتني أكثر من عزازيل، إلا أنني لا أستطيع ألّا أعجب بقدرة يوسف زيدان المذهلة على التخيل وإغواء القارئ بنثره الأخّاذ. على الرغم من بعض العيوب في الرواية، لا أستطيع لوم المؤلّف على شيء: زيدان يعرف كيف يحكي ويقود القارئ كما لو كان مسافرا على ظهر ناقة في اللصحراء، وكلماته، حبات الرمل.

نشرت النبطي عام 2009 بدار الشروق. المصرية ، وظهرت في إيطاليا في عام 2011 عند Neri Pozza، وترجمها دانييلي ماشيتيلّي Daniele Mascitelli، الذي شارك في ترجمة عزازيل مع لورينزو ديكليك Lorenzo Declichل.

وكانن رواية النبطي ضمن باقة الـ 12 كتب النهائية للبوكر العربي هذا العام.
(كيارا كوميتو Chiara Comito )
http://editoriaraba.wordpress.com/2012/07/03/nabateo-lo-scriba-recensione-tardiva-di-una-lettrice/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى