الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُفارَقَة كوزمولوجية!

جواد البشيتي

2014 / 5 / 11
الطب , والعلوم


جواد البشيتي
إنَّها لمُفارَقَة واضحة جليَّة أنْ ترى جسماً يتباطأ، في استمرار، في سقوطه؛ مع أنَّه متسارِع في سقوطه، وأنْ يَظَل هذا الجسم يُرى (وهو في هذه الحال) زمناً "لانهائياً"؛ مع أنَّه "اختفى من الوجود" بعد ثَوانٍ من بَدْئِه السقوط!
هذه "المُفارَقَة" هي بِنْت نظرية "النسبية العامة" لآينشتاين؛ وهي تَحْدُث على مقربة من سطح "الثقب الأسود"، أو من "حدِّه الخارجي"، المسمَّى "أُفْق الحدث" Event Horizon.
الجسم ما أنْ يَقَع في "حُفْرَةٍ" في الفضاء، يتموضع في قعرها "ثقب أسود"، حتى يشرع يسقط (في اتِّجاه سطح هذا "الثقب") سقوطاً حُرَّاً متسارعاً؛ فكلَّما اقترب هذا الجسم، في سقوطه، من سطح "الثقب الأسود"، زادت سرعته، وتعاظَمَت؛ ولو كُنْتَ على مَتْن هذا الجسم، لتبيَّن لكَ، وتأكَّد، أنَّ "رحلة السقوط"، والتي انتهت بدخولكَ في عُمْق "الثقب الأسود"، لم تستغرق، بحسب ساعتكَ أنتَ، إلاَّ بضع ثوانٍ (مثلاً).
وهذا الذي تراه لا يراه أبداً "المراقِب الخارجي"، أيْ الشخص الموجود في خارج هذه "الحُفْرَة"، وبعيداً عنها، كالمراقب الأرضي.
نظرياً، هذا المراقِب (الخارجي، أو الموجود في كوكب الأرض) يرى الجسم، ويراه في حالة حركة؛ لكنَّه يراه يتحرَّك بسرعةٍ متضائلةٍ؛ ولا يرى أبداً ما يتحرَّك إليه، أو يسقط نحوه، هذا الجسم؛ فـ "الثقب الأسود" لا يَصْدر عنه أي ضوء؛ وكلَّما اقترب الجسم من سطح "الثقب الأسود"، تباطأ؛ أمَّا دخول الجسم في عُمْق هذا "الثقب"، فهذا ما لا يراه أبداً "المراقِب الخارجي".
في هذا الجسم، وعلى ما يرى "المراقب الخارجي"، كل شيءٍ يبطؤ؛ كل شيء يحدث في بطء (شديد، ومتزايد). حتى سرعة حركة هذا الجسم في المكان، أو سرعة سقوطه، يراها "المراقِب الخارجي" تتباطأ في استمرار؛ وهذا الذي يراه "المراقب الخارجي" يظل يُرى زمناً "لانهائياً".
وهذه "الرؤية الأبدية" إنَّما تعني أنَّ هذا "المرئي"، والذي "اختفى من الوجود" بعد ثوانٍ من بَدْئِه "رحلة السقوط"، ما زال في حالة البَثِّ الدائم لضوئه؛ وإلاَّ ما معنى أنْ تَنْظُر إلى شجرة (مثلاً) وأنْ تظل تراها مُدَّةً من الزمن (بضع ثوانٍ أو بضع دقائق..)؟!
هذه الشجرة يكفي أنْ "تختفي الآن من الوجود" حتى تختفي معها رؤيتكَ لها. إذا كانت الشجرة على بُعْد أمتار منكَ فإنَّ رؤيتكَ لها تختفي مع اختفائها؛ وإذا كانت تَبْعُد عنكَ 600 ألف كم فإنَّ رؤيتكَ لها تختفي بعد ثانيتين اثنتين من "اختفائها من الوجود".
إنَّ رؤية الشيء تشبه أنْ ترى، في الليل، مصباحاً كهربائياً مضيئاً، وأنْ تظل تراه مضيئاً إلى أنْ يأتي شخص ما ويقطع عن المصباح التَّيَّار الكهربائي، فلا تعود تراه. وذاك الجسم (الساقِط نحو "الثقب الأسود") يظل يُرى زمناً "لانهائياً"، وهو في حالة سقوط ، سرعته متضائلة؛ وكأنَّه مصباح كهربائي مضيء، لا يُقْطَع عنه التَّيَّار الكهربائي أبداً.
لو كان الجسم الساقِط نحو "الثقب الأسود" مركبة فضائية، على متنها بشر، فلن تعود هذه المركبة أبداً إلى كوكب الأرض؛ لأنَّها ما أنْ تَدْخُل في عُمْق هذا "الثقب" حتى تَعْجَز عجزاً مُطْلَقاً عن العودة؛ لكن ألا يَحِلُّ بمركبة فضائية تزايدت سرعتها، في استمرار، حتى قارَبَت سرعة الضوء، وهي في طريقها إلى كوكب يَبْعُد عن الأرض ملايين السنين الضوئية، ما حلَّ بتلك المركبة (الساقِطة سقوطاً حُرَّاً في اتِّجاه "ثقب أسود")؟
المركبة المسافِرة نحو ذاك الكوكب هي أيضاً يتباطأ فيها الزمن، من وجهة نظر "مراقِب خارجي (أرضي مثلاً)"؛ وينبغي لهذا المراقب أنْ يرى سرعتها تتضاءل مع كل اقتراب لسرعتها من سرعة الضوء؛ فهل تصبح رؤيتنا لحال هذه المركبة تشبه رؤيتنا لحال مركبة اقتربت، في سقوطها الحر، من سطح "ثقب أسود"؟
نظرياً، يستطيع المسافِر على مَتْن المركبة الفضائية المتَّجِهة إلى ذاك الكوكب البعيد أنْ يَصِل إليه، وأنْ يغادره عائداً إلى كوكب الأرض، بعد بضع دقائق (مثلاً) من بَدْئِه الرحلة. من وجهة نظره هو (أو بحسب ساعته هو) استغرقت رحلته، ذهاباً وإياباً، 5 دقائق مثلاً؛ ولم يَزِدْ عُمْره إلاَّ 5 دقائق؛ أمَّا من وجهة نظر سكَّان الأرض (أو بحسب ساعتهم) فإنَّ رحلته استغرقت ملايين السنين.
لكن، هل يعود هذا المسافِر إلينا ونحن لم نَزَلْ نرى مر كبته متَّجِهَة في بطء شديد نحو ذاك الكوكب؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رؤية الجسم الهاوى الى الثقب الأسود
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 5 / 11 - 22:10 )
ورد فى المقال قول الكاتب
-وهذه -الرؤية الأبدية- إنَّما تعني أنَّ هذا -المرئي-، والذي -اختفى من الوجود- بعد ثوانٍ من بَدْئِه -رحلة السقوط-، ما زال في حالة البَثِّ الدائم لضوئه؛ .
انتهى

نحن لكى ندرك أن ذلك الجسم موجود لابد لنا من إشعاع يأتينا منه ليدلنا على وجوده .. وسواء كان الجسم نفسه هو مصدر ذلك الإشعاع أو كان منعكسا علي سطحه كما يعكس سطح القمر ضوء الشمس ففى جميع الأحوال سيأتينا (طبقا للكاتب) إشعاعُ ليعلن لنا عن وجود ذلك الجسم المتباطىء بالقرب من سطح الثقب
ويظل السؤال قائما .. كيف استطاع أى صنف من الإشعاع أن يفلت من جاذبية الثقب الأسود ويأتينا منبئا عن وجود ذلك الجسم هناك ؟
وإذا كان الزمن (طبقا للنسبية العامة) يتمدد بهذا الشكل المريع بجوار الثقب الأسود أفلا تتأثر كتلة ذلك الجسم المتهاوى أيضا بذلك الجوار - تماما كما هو الحال فى الحركة الحرة المنتظمة التى تصفها النسبية الخاصة ؟
تساؤلات وددت لو أن المقال قد تضمن أجوبة عنها


2 - رد
جواد البشيتي ( 2014 / 5 / 12 - 06:50 )
أخي حسن
لاحِظْ (وأنتَ قد لاحَظْت) أنني أتحدث عن جسم متباطئ -قرب سطح- الثقب الأسود؛ والضوء لا يستطيع الإفلات إذا ما كان بين النقطة المركزية للثقب وهذا السطح. وبالنسبة إلى الكتلة فإنها تزداد مع اقتراب الجسم من سطح الثقب.


3 - نسبية الزمن مبدأ صعب تقريبه من خبرتنا اليومية
بشارة ( 2014 / 5 / 12 - 13:10 )
لكن هنالك اثباتات امبيرية على حقيقته . حتى الساعة في طابق علوي في ناطحة سحاب هي ابطا من الطوابق اسفلها, لكن لمقدار غاية في الصغر
لو تخيلنا مراقب يمتطي فوتون فان ساعته تكون ثابتة لا تتحرك وبالتالي فهو يرى كل الاحداث منذ بدء الزمن الى نهايته تحدث في نفس اللحظة
ربما هذا التأمل جعل اينشتاين يعتقد بالحتمية - ديترمينزم


4 - حول تغير الكتلة فى المجال الجاذبى
حسن عبد اللطيف ( 2014 / 5 / 19 - 20:59 )
شكرا على هذا الرد الطيب
فقط سأنتظر منك التكرم بإلقاء المزيد من الضوء فى المستقبل على مفهومك لتغير كتلة الجسم فى مجال الجاذبية للأجرام الثقيلة سواء كانت ثقوبا سوداء أو أجراما عادية وفقا للنسبية العامة
وشكرا

اخر الافلام

.. نقاش | الاحتلال الإسرائيلي عاجز عن مواجهة مسيّرات حزب الله..


.. الفضاءات الريفية والطبيعية في تونس تعد المجالات الأنسب للبنا




.. السويد.. الشرطة تفض اعتصام المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوك


.. ناشطة تكشف تلاعب غوغل بمصطلح مجزرة النصيرات




.. أميرة ويلز تظهر رسميا للمرة الأولى بعد -التقدم الجيد- لعلاجه