الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مات ميكافيلي وبقيٌ الأميرخالداً

صباح راهي العبود

2014 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الميكافيلية أصلاً هي مفهوم أو تفكير سياسي يقوم على أساس تحقيق أهداف نبيلة من خلال إتباع سلوكيات وأساليب وبغض النظر عما تحمله من أخلاقيات متدنية تبلغ حد القذارة أحياناً ,وما يرافقها من قساوة وظلم في أثناء التطبيق,وما ينتج عنها من تفكك إجتماعي .وبالنتيجة فإن هذا المفهوم يشيع ثقافة الإقصاء للآخرين وإنتهاك حقوقهم المشروعة ,فعند هؤلاءيمكن تحقيق الغاية بأية وسيلة أو أسلوب إذ أن الغاية تبرر الوسيلة.ولقد إنسحب تطبيق هذا المبدأ على مجالات كثيرة في الحياة. فالمومس مثلاً تمارس العهر وتبيح جسدها للآخرين لقاء مبلغ من المال كي تصرفه على الجياع,واللص يسرق مال الناس ليتبرع به للجمعيات الخيرية ,والولايات المتحدة الأميركي تمسح مدينتي هيروشيما وناغازاكي وسكانهما من الوجود بحجة إيقاف الحرب بأسرع ما يمكن وحقن الدماء مبكراً,ويدفن آلاف الناس الأبرياء وهم أحياء وبضمنهم أطفال وشيوخ بدوافع طائفية وبحجة أنهم عملاء لدولة مجاورة.... وهكذا...
ولقد برزت القسوة والوحشية واضحة عند الحكام لغرض السيطرة على الحكم بعيداً عن المثل الإنسانية والقيم الأخلاقية التي أوصت بها الأديان ونادى بها المصلحون الإجتماعيون على مر الدهور, فهم يتحججون ويتذرعون بمختلف الذرائع ويعدون الأعذار لتبرير سلوكياهم إذ لابد من وجود مبررلكل عمل أو تصرف.
بداية إنطلاق الفكر الميكافيلي تعود الى عام 1513 بعد ما إنتهى نيكولا ميكافيلي من تأليف كتابه الشهير(الأمير) والذي أهداه الى الأميرلورينزو حاكم فلورنسا في إيطاليا إذ سرد فيه أفكاره وتجاربه السياسية وضمنه مجموعة نصائح له تساعده وتمكنه من إدارة دفة الحكم .ولعل أبرزها تلك التي تخص التملص من الأخلاق والتقاليد والبدع والقيم المدنية وترك التواضع وعدم الرضوخ للآخرين مهما علت مكانتهم وارتفع مقامهم ,لا بل عدم السماح لأي فرد منهم بتوجيه النصح والإرشاد له.كما أوصاه باستغلال الدين كوسيلة لكسب ود الناس وبالأخص سذجهم وتوجيه هذا الكسب لخدمة الحكومة وبقاءها بغية تمكينها من السيطرة التامة على المواطنين وليس لإعلاء قيم الفضيلة .وعلى الأمير أو الحاكم إختيارالطرق الواجب إتباعها للتخلص من عهوده ووعوده سواء أكانت مع أشخاص أو مجاميع أو دول خاصة عندما تشكل هذه العهود والوعود عبئاً ثقيلاً عليه, فلا داعي للإلتزام والتقيد بتنفيذها أو إحترامها إلا إذا كان ذلك يعود بالنفع والفائدة عليه.وإذا كان الوعد الذي أعطي يمثل ضرورة في الماضي فإن الوعد المنتهك هو ضرورة في الوقت الحاضرإذ لا يفتقر الأمير الى أسباب مشروعة لينكث بوعده. كما أوصى ميكافيلي في كتابه أن يكون الحاكم مخادعاً مرائياً بالقدر الذي يكفي لجر السذج من الرعية الى تصديقه في كل ما يقوم به أو يزمع القيام به لتحقيق أهداف معينة وإن الحاكم سيجد متعة مزدوجة إذا قام بخدع مخادع,وعليه إمتلاك مكر الثعالب ليعرف الفخاخ وغدرالذئاب وضراوة الأسود لتخويف وردع من يتعامل معهم ,وبهذه السلوكيات يتمكن الحاكم من تبرير كل أنواع القسوة والوحشية للبقاء في الحكم.
ومن خلال معرفتنا بما يفترض أن يكون عليه رجل الدين خاصة( والمتدينين عامة ) من إيمان بقيم واضحة يحرص على إحترامها والعمل بها وعدم تجاوزها ويناضل من أجل إشاعة ما جاءت به من تعاليم ومثل , ويسعى جاهداً من أجل نشرها وإيصالها الى كل من يتبعه ويقلده في رسالته و أن يكون قدوة حسنة لكل هؤلاء التابعين ولغيرهم بما يمارسه من صدق في القول والممارسة ومن أمان وصراحة,فهو لايخادع ولا يراوغ ولا يتحايل على أحد. يعطي كل ذي حق حقه ويكون أول من يضحي وآخر المستفيدين,وهو لايكذب ولا يخون ولا يغدر أحداً .لا يرضى لسرقة مال أوحقوق ويرفض شهادة الزور و تزوير الشهادات الدراسية ولا يتستر على مطلوب للعدالة,لا يسكت على باطل ,يقول الحق ولا يغض الطرف عن موبقة ولا يعطل أمراً فيه خدمة للناس ,يعمل من أجل الخير ويرعى الفقراء والمساكين ويسعى لتخفيف آلامهم وجوعهم ,ينشر المعرفة والعلم ولا يقدم جاهلاً على عالم ,ولا يعيق عمل الخير وإن الغاية عنده سامية نبيلة دوماً يصلها ويحققها بإتباع السبل والوسائل النظيفة الشريفة والتي يجسد من خلالها الصدق في الممارسة وسمو المباديء والمثل التي يؤمن بها. ولكي يبقى رجل الدين محترماً عليه عدم الخوض في وحل السياسة التي لا علاقة لها بالمثل والأخلاق ويجب أن يترك السياسة لأهلها ويتجنب إهانة الذات الى جانب مايسببه هذا الخوض من إثارة للنعرات والتصارع غير النظيف لسيطرة طائفة على أخرى لمسك زمام الأمور.وقد حصل هذا بالفعل.
فبعد الإحتلال الأجنبي للعراق فُتحت الأبواب مشرعة أمام الأحزاب الدينية ومن مختلف الملل لتمسك زمام الحكم في البلاد ,وبدلاً من أن نجد حكاماً متدينون يحملون قيم أديانهم التي ناضلوا من أجلها فوجئنا بنماذج منهم تمارس الكذب والدجل والمراوغة مبررين ممارساتهم تلك بمختلف المبررات,فهم لا يوفون بوعد ولا يلتزمون بعهد, يكرسون وجودهم في السلطة لأغراض الثراء غير المشروع ,وغدت مصالحهم فوق كل مصلحة ,يخططون للبقاء السرمدي في السلطة ما دام هذا البقاء يوفر لهم ولعوائلهم التي تسكن في فلل وقصورخارج الوطن كل وسائل الرفاه والرخاء. ولقد سعى هؤلاء الحكام لتهيئة المناخات لبقائهم في سدة الحكم من خلال العمل على توسيع الممارسات والطقوس الدينية السادية منها والمازوشية البعيدة عن الإيمان الحقيقي لمبادئ الدين فحولوا الناس البسطاء الى تابعين مستسلمين وأشاعوا الإرهاب الديني والمذهبي من خلال إفتراض خطرسيطرة طائفة أخرى بعد أن روضوا البسطاء والسذج من القوم سايكولوجياً لتقبل كل ذلك من خلال تثقيف مقنن في جو مغلق لايتيح لهم فرصة للتفكيرخارجه .ونتيجة لما يحصل من تراكمات تثقيفية لمثل هذه الأفكار تحول الولاء للوطن الى ولاء للدين والطائفة أدى الى إنصياع وخضوع لدول الجوارالتي تدين بذلك المذهب(إيران, سعودية,تركيا...) , وتطورت الأحداث لجر بعض المخدوعين الى الإحتراب وحشدهم طائفياً.ولحل المشكلة لجأوا الى مبدأ المحاصصة الإثنية و الطائفية المقيتتين التي دقت إسفين الفرقة بين المواطنين ليتحول الصراع الى صراع على كراسي الحكم وللإستحواذ على المغانم والتسابق على نهب أموال الشعب وتطمين المصالح شخصية.فأين الدين ومثله من ممارسات مدعيه ؟ إنهم فقط يفكرون بالبقاء في السلطة مهما كانت الوسيلة المتبعة لتحقيق الغايات والأهداف, وهذا تطبيق وقح وصفيق للميكافيلية. والأنكى من كل هذا ماجرى قبيل الإنتخابات البرلمانية من توزيع لسندات تمليك أراضي(وهي مال عام) من قبل أحد قيادي كتلة رشحت للإنتخابات البرلمانية على مجاميع من البسطاء بشرط ضمان الحصول على أصوات الناس المساكين ومحاسبتهم إن نكثوا بالوعد وبذلك فقد صح القول (وهب الأمير ما لا يملك ...),وقائد أخرلكتلة برلمانية أخرى منح 200-$- أمريكي لكل من أقسم أمامه بكتاب الله ( بعد الوضوء طبعاً) ليمنح صوته في الإنتخابات لهذه الكتلة.أما قائد( بطل) ثالث فإتخذ منطقة اليرموك في بغداد مكاناً لتوزيع الثلاجات والطباخات وغيرها على من يتعهد بإنتخاب قائمته...وهكذا.فيا ترى من أين جاءوا بتلك الأموال الضخمة ؟ وما مصدر المليارات التي صرفت على الدعايات ناهيك عما يصرف من مبالغ كبيرة (بأرقام فلكية) على قنواتهم الفضائية في الوقت الذي لا تجد فيه إحدى القوائم الوطنية الشريفة المرشحة نقوداً تكفي حتى لطبع بعض الملصقات لغرض الدعاية. إن تلك التصرفات وما شاكلها تدخل ضمن مفاهيم الرشوة والإبتزازوالإنتهازية وسرقة المال العام والعمالة للأجنبي, وإن ممارسة الإنتخابات بسلوك مثل هذه الطرق غير الشرعية هو سلوك لاينسجم مع ما يدعونه من قيم دينية وجرائم ترتكب بحق المواطنين. كما وإنهم بهذا كله يكونون قد نفذوا وصايا ميكافيلي التي أوردها في كتابه( الأمير) والتي تتعارض مع القيم الدينية التي يدٌعونها زوراً وبهتاناً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء