الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا للتسرع بالحُكم على الشعوب من زاويه ضيقه

فادي آدمز

2014 / 5 / 11
سيرة ذاتية


في السابع والعشرين من كانون الأول ( ديسمبر ) سنة 2010 كانت زيارتي الأولى إلى تركيا ذهبت حينها بالطريق البري من محافظة دهوك عبر المخرج الحدودي فيشخابور ، ومن هناك أتممت معاملة خروجي وبعد ذلك إتجهت إلى السيارات التركيه التي تنقل المسافرين من هناك الى مدينة ديار بكر التركيه وكانت هذه السيارات رباعية الدفع وتستوعب أربع مسافرين فقط من ضمنهم السائق فجلست في المقعد الأمامي والى جانبي السائق وجلس في الخلف مسافرين أتراك إثنين ، وعند الإنطلاق رحبوا بي ولكن باللغه التركيه فقلت لهم بأني لا أعرف اللغه التركيه وأنما فقط العربية والإنكليزيه فسألني أحدهم عن اللغه الكرديه ظناً منه أني كردي فقلت له للأسف لا أجيدها أيضاً ، كنت أرد عليه باللغه الإنكليزيه على الرغم أنه لا يفهمها ولكني كنت أشعر بأني لو حدثته بالعربية سيكون أصعب وفي الحقيقه منطقياً لا يوجد فرق كونه لا يفهم اللغتين .. إنطلقت السياره وعند الوصول إلى الحدود التركيه وإتمام تفتيش السيارات دخلت للأسواق الحره ودخل معي أحد المسافرين الذين كانوا يجلسون في الخلف وكان كثير التحدث إليّ وهذا ما كان يسبب لي الإحراج كوني لا أفهم ماذا يقول لذا كنت مضطر للإصغاء له والإبتسامه وهو أيضاً كان كذلك كل ما فهمته منه هو أنه يرحب بي وبعد إنهاء التفتيش وختم الدخول للأراضي التركيه إنطلقت السياره وبعد ساعتين توقفت في إستراحه ومطعم في مدينة ماردين التركيه وهناك دخلت الى أحد المطاعم وطلبت وجبة عشاء وكانت وجبه شهيه من الكباب المشوي ومعه قطع لحم مشويه ايضاً وبعد الإنتهاء ذهبت كي أدفع الحساب فقال لي رجل في الخمسينات من عمره وباللغه العربية أن الحساب وصل ! فقلت له كيف ومن دفعه ؟ فأجاب رمضان هو من دفع الحساب ولو لم يدفعه لدفعته أنا بدلاً منه لأنك ضيفنا ! رمضان هو المسافر الذي كان يجلس في الخلف وكان يتحدث معي ولم افهم منه شيء ، قال لي هذا الرجل الخمسيني الذي يتحدث العربية بأنه تركي عربي اسمه أبو فكرت وصديقه رمضان تركي كردي وقال لي بأن رمضان كان يسألني إذا كانت هذه زيارتي الأولى وكان يسألني أيضاً اذا كنت بحاجه للمساعدة فقلت له شكراً لك وله وأنا حقاً بحاجه للمساعدة حول معرفة مكاتب الحجز لأني أريد أن أحجز إلى إسطنبول بالطائره فقال لي هذا يعني أنك بحاجه للذهاب اولا الى فندق وثانياً إنتظار الصباح لأن الوقت في حينها كان التاسعه مساءً فقال عليك الذهاب لفندق ومن ثم الخروج صباحاً لشركات الطيران وقد لا تلقى طيران بنفس اليوم إلى إسطنبول وقد تلقى أنت وحظك فالطائره من ديار بكر إلى إسطنبول تنطلق كلّ يوم طائره واحده في الساعه العاشره صباحاً ولكنني سأُساعدك وأحجز لك الآن ، فإتصل بشخص آخر وحجز لي وقال بأن سعر التذكره خمس وثمانين دولار فما كان مني سوى الموافقه وقال بأن الرحله ستكون في العاشره صباحاً ولم يعطيني أي وصل يثبت حجزي سألته فكتب لي بورقه بيضاء إسمي وإسم الشركه التي عليّ الذهاب لها لإستلام التذكره ، في تلك الأثناء راودني الشك أنه قد يكون نصب عليّ لأنه لا يوجد ما يثبت حجزي وقلت لنفسي ليأتي الصباح وأرى ، وبعد ذلك تحدث رمضان الى ابو فكرت وقال لي ابو فكرت أن رمضان يعرض عليّ المبيت عنده في بيته وهو من يوصلني صباحاً إلى المطار ، فشكرته وقلت له لا أرجوك دعني أذهب إلى الفندق ومن هناك سأذهب إلى المطار لا أحب أن أسبب له ولنفسي الإحراج وفي حقيقة الأمر كنت خائف لأني كنت أحمل معي مبلغ كثير من المال ولا أعرف من هو هذا الشخص ، لست من المشككين ولكني عشت في مجتمع مهترئ ومليئ بالفوضى والحوادث ولم يكن خوفي إعتباطاً ولكنه رفض وقال لا لايجوز أن نتركك وإذا لا تذهب لبيته ستأتي لبيتي أنا فقلت له لا أرجوك وهو قال بلى وبعد ذلك إنطلق السائق الى مدينة ديار بكر وكانت تبعد ساعتين عن مدينة ماردين وعند وصولنا كانت الساعه الحاديه عشر منتص الليل وكان الشتاء قارص والأمطار غزيره ولم أكن أعرف كيف سأتصرف وقلت لنفسي أنني وصلت بتوقيت خاطئ وكان عليّ الوصول بوقت مبكر أما الآن لا أعرف ماذا سيحصل .. فأوصلنا السائق قرب مجمع سكني كبير وجميل وكانت هذه آخر محطه وبعدها يرحل السائق فما كان بيدي سوى النزول والذهاب مع رمضان لبيته مع قلقي وعدم إرتياحي لما كان يحصل فمشينا قليل ودخلنا بوابة أحد العمارات وفور دخولنا إنفتحت الإناره ووصل رمضان الى أحد الأبواب فطرقها وفتحتها زوجته فإستقبلته وعانقته بشده وبعد ذلك رحبت بي بلغه لا أفهمها ولكني شعرت بها وبحرارتها وطيبتها فدخلت وبدأت مخاوفي تزول وبلغنا الصاله وكانت جميله وأنيقه وكذلك دافئه وقال لي بلغته بأن أبنائه نائمين وظل يتحدث على الرغم أني لم أكن أفهم ماذا يقول وبعد قليل جائت زوجته وقد حضرت لنا وجبة عشاء ، لم نكن جائعين ولكننا أضطررنا للجلوس وتناول بعض الطعام وبعد العشاء بقليل جلبت زوجته الشاي وبعد الشاي بقليل جلبت صحن مليئ بالمكسرات وبعد ذلك جلسنا معاً وكانا يتحدثان اليّ على الرغم أني لا أفهم ماذا يقولون وكانت الإبتسامه لا تفارقهما ولا تفارقني أيضاً ليس للسخريه وأنما كوننا لا نفهم بعضنا البعض ومع ذلك كنا نتحدث أنا بلغتي وهم بلغتهم .. وبعد ذلك جلب لي رمضان إلى الصاله فراش وغطاء ومخده كي أنام وذهب وزوجته لغرفتهم وعند الصباح صحوت وكانت الشمس مشرقه واليوم كان يبدو جميل فجاء إلى الصاله وقال لي گونايدن فعرفت أنها تعني صباح الخير فدونتها لأتأكد منها فيما بعد وفعلاً كانت تعني صباح الخير فأجبته في حينها بنفس الكلمه ودخلت زوجته وايضاً قالت لي نفس الترحيب مع إبتسامه مشرقه وحضّرت الفطور وجاء أبنائهم ولد وبنت رحبوا بي والخجل واضح على وجوههم وبعد ذلك كنت مستعد للخروج فذهبت قرب الباب الى المكان المخصص الذي وضعت به حذائي فوجدته ولكني لم لم أجد معه زوج الجوارب وفي تلك اللحظه جائت زوجته وأعطتني إياها مغسوله ، فما كان مني سوى أن أحمر خجلاً لكل ما يحصل والمشكله لا يفهمون لغتي كي أشكرهم ومع ذلك كنت أشكرهم وكانوا حتماً يفهمون لغة الروح التي يفهمها حتى الأطفال فعندما نلاعب الأطفال حتى وإن قلنا لهم مازحين بأننا لا نحبهم فسيضحكون ، فخرجنا بعد ذلك وودعتني زوجته وأبنائه أما رمضان فذهب معي الى المطار وقبل أن نصل الى السياره إتصل به أبو فكرت الذي يتحدث اللغه العربيّة وبعد أن تحدث اليه أعطاني جهازه النقال فتحدثت مع أبو فكرت وقال لي كيف حالك أرجو أن تكون بخير ؟ فقلت له : أنا بخير ولكن أرجوك أشكره كثيراً لأني لا أعرف التحدث اليه وقل له أني لن أنسى أبداً ما فعلتموه معي وإن حصل وجئتم لبغداد سوف لن أدعكم تقيمون سوى ببيتي ، فقال لي شكراً ونتمنى أن تكون بغداد بخير وفي أسرع وقت أما الآن فنحن لا نذهب أبعد من دهوك وأربيل أقصى حد فقلت له نعم أتفهم ذلك وقلت له أيضاً أن يعطيني رقمه كي نبقى على تواصل وفعلاً طلب من رمضان أن يعطيني رقمه وأوصلني رمضان بسيارته إلى المطار ، في البدء ذهبنا لشركة الطيران كي أأخذ منهم التذكرة وبعد ذلك ذهبنا إلى المطار وودعني من هناك ودخلت إلى المطار وأنهيت شحن حقيبتي وبعد ذلك جلست في صالة الإنتظار أتذكر ما حصل . قد يبدو كل هذا الكلام طبيعي جداً لممن يعيشون في دول مستقره وظروفها طبيعية فأنا أيضاً أتذكر نهاية الثمانينات كان الجنود يطرقون أبواب المنازل ويطلبون الغداء او أي مساعده ممكنه وكان الكثير من العوائل يستجيبون لهم ولكن لما حصل من حروب وحصار وفوضى وإنحدار بالمجتمع أصبح الكثير ممن يتمنون العمل الإنساني وعمل الخير يتجنبون فعله لما حصلت من حوادث ممن يستغلون مثل هذه الحالات وكذلك حُجبت الثقه بين الكثيرين وبدأت تخرج مصطلحات (من لا يعرفك يجهلك) ، و (حسب تسلم) وغيرها بينما في السابق كان الكثير مطمئنين بالتعامل وكانت العفويه والطيبه موجوده ، بعد ذلك جاء موعد الصعود الى الطائره وصعدت وصَعَدَتْ معي هذه الأفكار وأهمها هو أن هذا الرجل لم يسألني ماهو أصلك وفصلك أو ماهي قوميتك أو مذهبك أو معتقدك كل ما يعرفه عني هو أنني عراقي فقط لا غير وأنا على يقين أنه فعل معي ما فعل لأني إنسان وليس لأني عراقي ولو كنت غير ذلك أي من بلد آخر لفعل نفس ما فعل أيضاً .. فرحت وحزنت لهذا الموقف بنفس الوقت ، فرحت لأنه مازال هناك طيبين ويتعاملون بعفويه وطيبه وإنسانيه وحزنت لأن في بلدي لا مكان لمثل هذه الطيبه والعفويه ليس لعدم وجود طيبين لأنهم موجودين بالتأكيد ولكن المجتمع في بلدي مهترئ و يقف على شفير الهاويه هذا إن لم نقل أنه مجتمع منهار والسبب هو الحروب والحصار والفوضى وما حصل بعد 2003 من وصول أحزاب كنا نأمل أنهم سيعالجون الأخطاء والمشاكل التي تركها النظام السابق ولكنهم بدلاً من ذلك جلبوا معهم الطائفيه والعنصريه بكل أشكالها وكي أكون منصف فهي كانت موجوده قبل مجيئهم ولكن ليس بهذا الشكل وكان عليهم علاج المجتمع مما حل به لقاء الحروب والحصار والعنف في زمن صدام ولكنهم بدلاً من ذلك وضعوا المزيد من الزيت على الحطب وشعلوا العنصريه والفوضى بكل ما يملكون من خساسه ونذاله وأصبحنا مجبورين أن نتجنب بعضنا البعض ليس لأننا إنطوائيين أو عدوانيين ولكن لأن الكثير تأثروا بالظروف التي حلت بمجتمعنا وفقدوا قيمهم وفعلوا ما فعلوا من مشاكل وغدر مع من أمن بهم وبذلك صرنا مجبورين على تجنب الوقوع بمثل هذه الحالات ومع ذلك مازالت موجوده إلى هذه اللحظه ولكن بشكل أقل مما كانت عليه في السابق ، وبالنسبه لرمضان لم أسمع صوته بعد ذلك اليوم ولكني بقيت على إتصال مع أبو فكرت وعندما أتصل به أو يتصل بي أطلب منه أن يوصل سلامي إلى رمضان .
، ما جعلني أكتب هذه السطور هو أنني قرأت قبل يومين تعليق لأحد الأصدقاء يصف كل الأتراك بالأشرار والمحتالين وعندما سألته عن السبب قال لي أنه صعد في تكسي ونصب عليه صاحب التكسي لأنه بقي يسير به بشوارع إسطنبول الى أن وصلت الأجره مره ونصف عن تلك التي دفعها في اليوم الذي سبقه وقال أنه شعر بأن صاحب التكسي ذهب به في شوارع كثيره ليس لها داعي فقط لأنه أراد أن يزداد العداد ، فقلت له : هل من الحكمه أن تأخذ شعب كامل بجريرة نصاب قابلته في تكسي لماذا إذن لم تقّيم الشعب على أول سائق تكسي الذي أوصلك دون أن يغشك ؟ هل من الحكمة أن يقّيم أحدنا دوله كامله وشعب كامل لأنه سكن في شارع أو منطقه أو صعد في تكسي أو دخل لأسواق ووجد منهم ما لا يعجبه ؟ أو يكره شعب لأن حكومتهم سيئه مع دولته ؟ هل نحن شعب ملائكي بالكامل حتى نطالب أن يكون الآخرين ملائكه ؟ هل نحن مسؤولين عن عمل حكوماتنا مع الآخرين كي نحاسب الآخرين على ما تفعله حكوماتهم تجاه بلدنا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة