الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حالة الإستقطاب والنزوع للسلطة!

إعتراف الريماوي

2005 / 7 / 20
القضية الفلسطينية


منذ ما بعد توقيع إتفاق أوسلو ، والشعب الفلسطيني يعيش حالة إستقطاب ثنائي مستمرة ، ما بين تيار السلطة الفلسطينية وتيار الإسلام السياسي ، مترافقا مع حالة تشتت وعدم بلورة التيار الديمقراطي الذي من شأنه الحد من هذا الإستقطاب وخلق توازن آخر في الحراك القائم . وقد تباينت تجليات هذا الإستقطاب على مدى السنوات السابقة ، فأحيانا تأخذ الشكل السياسي والإجتماعي ، وبلحظات يأخذ طابع الصدام والعنف ، كما حصل بالأيام السابقة من أحداث مؤسفة في قطاع غزة .

السلطة الفلسطينية قد حسمت خيارها السياسي ، منذ توقيع إتفاق أوسلو بإعتماد التسوية السياسية طريقا لحل الصراع مع الإحتلال ، وبالتالي عملت ، وما زالت ، بكل طاقتها من تنظير وإستقطاب واستخدام النفوذ المحلي والعربي الرسمي والعالمي للحفاظ على هذا "المشروع" ، وكذلك خضعت لإملاء الإتفاقيات الأمنية والتي تجسدت بالإعتقال السياسي للمعارضين في أحيان كثيرة ، وقمع بعض التظاهرات ومحاولات عسكرة المؤسسات المدنية وإقتحامها وإنتهاك حرماتها ، وحدها من حرية التعبير وحق الإختلاف ، وبذلك تكون السلطة قد سلكت طرقا غير سلمية من أجل تبرير وحماية مشروعها السياسي ، هذا عدا عن الفساد والسوء الإداري الذي إستشرى في مختلف أجهزتها وعلى مختلف المستويات فيها . وحتى مع إندلاع الإنتفاضة الحالية ، وبالرغم عن فشل إتفاق أوسلو وتحقق عدم مقدرته على خلق حل عادل للشعب الفلسطيني ، بقيت السلطة الفلسطينية تراهن على حلول على شاكلة أوسلو وما هو أكثر هبوطا منه كالتعاطي مع مشروع "شارون لفك الإرتباط" ، في سبيل بقائها والحفاظ على سلطتها ، فالرئيس أبو مازن في مقابلة حديثة مع تلفزيون المنار قد قال : " لو عاد التاريخ للوراء لوقعت إتفاق أوسلو مرة أخرى " ، متهما " الإسرائيليين" بإفشاله .

الحالة المقابلة للسلطة الفلسطينية ، هي المعارضة السياسية لهذا النهج ، والمتشكلة من القوى الإسلامية واليسارية ، مع الفارق بين المد الإسلامي والإنحسار والتراجع في فعل وتأثير القوى اليسارية على الساحة الفلسطينية ، بمعنى أن المعارضة السياسية أخذت الطابع الإسلامي وخاصة عندما يتعلق الأمر بدور المقاومة بشكل خاص حتى ما قبل الإنتفاضة الحالية ، وبذلك صار التنافس السياسي أكثر بروزا وإستقطابا ما بين السلطة والتيار الإسلامي . ومن منطلق معارضة إتفاق أوسلو ، فلم تدخل قوى المعارضة ، الإسلامية واليسارية ، تشكيلة السلطة الفلسطينية والتي باتت حكرا على حركة "فتح" ، هذا مع وجود القوى الإسلامية أصلا خارج م . ت . ف . وبقيت المعارضة بشقيها ، الإسلامي واليساري ، تعارض كل ما له علاقة بإتفاقات أوسلو وغيره .

بعد إندلاع الإنتفاضة الحالية ، حدثت تحولات في طبيعة العلاقة ما بين السلطة والمعارضة ، وعقدت عدة حلقات من الحوار الوطني داخل الوطن وخارجه ، وحصلت تفاهمات لعل من أبرزها ، التفاهم حول مبدأ إجراء الإنتخابات التشريعية ومشاركة الكل الفلسطيني فيها ، هذا بعد أن جرت الإنتخابات الرئاسية ، حيث قاطعتعا حماس وشارك بها اليسار ، وكذلك بعد إجراء نسبة عالية من الإنتخابات المحلية بمشاركة كل القوى والشرائح السياسية والإجتماعية .

ولعل الإنتخابات المحلية التي جرت أظهرت عمق ومدى الإستقطاب والتنافس ما بين التيارين ، السلطة وحماس ، فرغم الجو الديمقراطي الذي ساد في هذه الإنتخابات إلا أن أجواء الصدام والتشكيك من قبل الطرفين خيمت على بعض الدوائر الإنتخابية في الجولة السابقة في قطاع غزة.

من النتائج الأخرى للإنتخابات المحلية ، والتي رأت فيها "حماس" ذاتها كقوة كبيرة ، فهذا المذاق لربما جعلها تتشوق لتذوق نصرا قادما مستقبلا ، وأعلنت نيتها المشاركة في الإنتخابات التشريعية القادمة ، ون خلال مراقبة الأحداث والتطورات نرى أن "حماس" تتطلع لغد تكون فيه السلطة لا المعارضة.

وهنا تتغير حالة الإستقطاب نوعيا ، "فحماس" هنا لا تتحدث فقط عن معارضة سياسية وأشكال المقاومة ، بل نلمس حلم السلطة فيها ، وبالتالي نشهد إستقطابا حادا في الوصول للسلطة برغم الإختلافات والتقاطعات في مختلف أوجه السياسات العامة لفريقي حالة الإستقطاب . فمؤخرا سمعنا من قيادات بارزة في "حماس" أنها في حال فوزها بالإنتخابات التشريعية القادمة ، ستشكل حكومة وستفاوض الإحتلال ، كما أن اللقاءات الرسمية بين ممثلين للحركة وبين الإتحاد الأوروبي ، وغيرها من اللقاءات غير الرسمية مع أكاديميين أمريكيين ، كلها تشير إلى أن الحركة تنظر الى سلطة مستقبلية .

ولكن لنرى هذا التحول في رؤية الحركة ، وكذلك بنوعية الإستقطاب الجديد والمباشر نحو السلطة ، ما هو الشكل الذي ستتعامل به الحركة لو وصلت فعلا إلى السلطة ، وما هي رؤيتها في السياسة والمجتمع ؟؟!
فكرة اللقاءات مع الأوروبيين والأمريكيين ، وإعلان الحركة إستعدادها لمفاوضة الإحتلال ، يؤشر أن "حماس" قد تكون مستعدة لإسقاط أجندة إستراتيجية من برامجها السياسية والكفاحية ، كما تطرح دوما ، وتنتقل لحالة مقارنة وتشابه مع تيار السلطة الحالي البراغماتي ، ويضحي الفرق بين الفريقين ليس جوهريا بل لربما ينحصر في شكل الإدارة وفن الخطاب.

كما أن أحداث العنف الداخلي التي جرت في غزة مؤخرا ، بين السلطة الحالية و"حماس" ، والتي يتحمل مسؤوليتها ونتائجها الطرفين ، فهي تدلل أيضا في ثناياها على أن "حماس" على إستعداد ، مثل السلطة الحالية ، لإستخدام وسائل غير سلمية في التعامل مع المجتمع والمختلفين سواء سياسيا أو إجتماعيا ، وهذا تشابه آخر ما بين فريقي الإستقطاب والذي يضع حماس في خانة الشوق للوصول إلى السلطة ليس لإختلاف في البرامج والأجندة ، بل لإحساس بالقدرة على السلطة ومتطلبات الحفاظ عليها أولا ومن ثم يأتي البرنامج وشكل العلاقة مع الآخر ، والتي من ضمن أشكالها وسائل غير سلمية .

وبما أن ذهنية التفكير بالسلطة هي واحدة ولا تتجزأ لدى صاحبها ، وتنبع أساسا من منطلق التفكير وكيفية الرؤيا لإدارة السياسة ومختلف القضايا الحياتية ، أود هنا إيراد مثال حي وحديث ، حيث أقدمت بلدية قلقيلية ، برئاسة ممثلين "حماس" ، على منع إجراء فعاليات مهرجان فلسطين الدولي ووصفه ب "الرذيلة"!!؟؟ ، وهذا يعد إنتهاكا صارخا لحرية التعبير ، أليس هذا ينسجم مع ذهنية التسلط والقمع ؟! أليس هذا سلوكا مختلفا عما تطرحه الحركة وهي خارج سلطة صناعة القرار؟! أم أن الوصول إلى السلطة يغير من ذلك؟! فإذا كان هذا أول حدث يصدر عن مجلس بلدي بزعامة "حماس" ، ماذا يمكن أن نتصور من أحداث وقرارات ، قد تصدر مستقبلا عن مجلس تشريعي ذي أغلبية من "حماس" ؟! ماذا يمكننا أن نتوقع علاقة "حماس كسلطة" مع الآخرين المختلفين معها سياسيا أو فكريا ؟! إذا ماذا يمكن أن تصنع حماس عندئذ للحفاظ على "مشروعها" ؟!.

إذاً فحالة الإستقطاب الثنائي تصل ذروتها ، وتغدو صريحة بالنزوع إلى السلطة بذاتها ، وفي سبيل ذلك قد تتغير بعض الأجندة والمواقف ، وكل شيء تتم محاولة تبريره وتمريره على الشعب الذي دوما يدفع الثمن ، وعلى القضية التي تتعرض للمخاطر ، متى يمكن لنا كشعب أولاً وكقوى ثانياً ، تجاوز هذه الحالة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار