الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الزائر الصغير قصة قصيرة
محمد عبد الله دالي
2014 / 5 / 12الادب والفن
الزائر الصغير ــــ قصة قصيرة محمد عبد الله دالي
جَرَبتْ كل أنواع الطب ، في المستشفيات ، حتى العرافات ، كانت تريد ، أن تعطي للحياة ، ولو ثمرة واحدة ، لان الأرض بحاجة إلى نبات كانت تتشبث بكل شباك تزورهُ ، تلتصق به حَدً الاندماج ، تأخذُ شهيقاً عميقاً ، تملأ صدرها بعطر المكان ، وتتمتم بأنواع الادعيه .. كان نبات الحر مل .. هو التعويذة الطاردة للشر ، وكانت كلما تشعر برغبة للبكاء تلجأ إلى صدر زوجها .. فكان يحتضنها بين يديه ، يشمها بشوق وحنان يقول لها :ـ ( تذكري هاجر ، وأم يحيى وصبرهما ) فكانت يداه تداعب شعرها ويطبع قبلة على جبينها . ترفعُ رأسها عن صدرهِ ، تلتقي عيناهما وتقول ، لولاك لن أكتمل .. أنتَ ملح كل خضراء على الأرض ، تطوفُ في البيت وبخور الحر مل يملأ المكان برائحته المميزة .
تقف أمام صورة تذكاريه لزواجهما ، مرت سنون على الصورة ولم تتغير ، فنظرت إلى صورتها من خلال زجاج الصورة فكانت صورتان صورة بلباس أبيض جميل ، وصورتها بشعرٍ توشحه خيوط بيضاء أضافَ لون بني داكن تحت جفنيها مسحة من الحزن .. وقد ذبلت الشفتان .. قد هاجمتها ملامح الكبر ، .. أشاحت بوجهها عن الصورة ، حاولت أن تداري انكسارها النفسي ، وإن تشغل نفسها بأي شيء .. كانت تقول لنفسها ، ما الفائدة .. غيري رَبَتْ وتَعبَتْ ، وأنشأت جيلاً ، وهاهنً ثكلى يندبنً أزواجهنً وأولادهنً .. الفاشيون أخذوا منهنً أعزما يملكنَ ، والإرهابيون جاءوا على الباقين من فلذات الأكباد.. إنهم بلا رحمه ..يُكَبِرونَ باسم الله ويذبحون . وكانت هذه مبرراتها . لِتُداوي انكسارها ، لكنها ترجع بتفكيرها وتسقط هذه المبررات وتسأل نفسها ، إذن من يقف بوجه هؤلاء، إذا عجزت عن الإنجاب ورفد الحياة بحياة جديدة ، ولكن شارفت أرضي على الجفاف وتداري يأسها .( بلا حول ولا قوة إلا بالله ) وهي في زحمة عملها المنزلي وتفكيرها ، يهمس بإذنها صوت هادئ تلتفت إليه ، تستقبله بابتسامتها المعهودة، يضمها إليه بحنان وشوق قائلا ( استعدي غداً ؟.. أخذت موعداً مع الطبيب ) .
أحست بقلبها يطير من مكانه ، وتطوف في أرجاء البيت وتعود لعناقه مرة أخرى .. وهي تطبعُ عدة قبلات على جبهتهِ وخديه ، وأخيرا أجهشت بالبكاء ، أسندت رأسها على صدره،طوقها بيديه وهو يداعب شعرها الكستنائي ، ويمسح على ظهرها قائلا ـ أنت روحي ،ونصفي الأخر ، وقلبي الذي ينبض بالحياة ، لا أريد منك شيء ،سوى إنك أمي وأختي و زوجتي ، ومعينة لي عند الشدائد .
كانت كلماته كالبلسم لروحها .. هدأت وأغمضت عينيها .. ساد بينهما صمتُ فيه شيء من التفكير بما يخبأ لهما المستقبل .. قطع الصمت قوله :ـــ
ــ الطبيب ، قد أجرى عدة تجارب ناجحة ، وقد سبقتنا عدة عوائل وأنجبت تحسست جسدها ، بكلتي يديها ، ذاب تفكيرها بهذا الحلم الجميل . دارت بيديها حول هذا التجويف الصغير تسأل نفسها هل أكون أماً ؟ هل تمنحني الحياة فرصة ، لأضيف شيئاً جديداً لها . كانت قلقة تلك الليلة . تتقلب على كل الاتجاهات ، حتى نال منها التعب وأسلمت جفونها لنوم عميق فيه أمل لصباح يوم. جديد
نهضت من نومها ، في وقت متأخر . ولم تجدهُ بجانبها .. هرولت مسرعة باتجاه فناء الدار .. رأته قد أعد كل شيء لها .. أحس إنها لم تنمْ جيداً ، والقلق أخذَ منها مأخذهُ ، التفت إليها مداعبا ... تفضلي سيدتي ، الفطور جاهز ، تنهدت ، ثم ابتسمت ـــ استعدي للذهاب وحسب الموعد .
ــ أنا على أتم استعداد .
قاما بكل الإجراءات الضرورية ، وفق تعليمات الطبيب المعالج حتى حان موعد زرع الجنين .. ونجحت عملية الزرع ، تابعت بكل جوارحها عملية النمو.. كانت تحسب كل خطوة من خطواتها ، وهي تحسس ما تحملهُ في تجويفها .. تغير كل شيء فيها .. شكلها وزنها .. تصرفاتها .. كانت المعانات جميلة لديها . جاء دور الاستعداد .. فكانت تشغل نفسها بأعداد سرير المنام والملابس وكل مستلزمات استقبال الوليد ، أحلامها لاتسعها الأرض . كيف تستقبله ؟ وماذا تسميه ؟ وكيف تربيه ؟ وكيف ؟ وأحلامها لاتنقطع ، وَلِمَ لا ؟ وقد حُرِمت من طبيعتها ، التي خلقت من اجلها ، حقُ منحته لها الحياة .. كانت تمني نفسها بفتاة ، تحمل عنها أعباء كثيرة ، وتعود قائلة ، لا أريده ولداً يحمل أعباء والده ، ويشد من عضده . وتستسلم أخيراً لما يهبه لها القدر ، يفاجئها يوما قائلاً :ــ
ــ أتريدين الكشف عن الطفل لمعرفته ؟ كانت ترفض..
ــ ليكن مفاجأة ..مايأتي نعمة من الله .
تأخذها نشوة الفرحِ ز كانت تقديراتها تفوق التصور . وحوارية صامته ، تدور بينها وبين جنينها ,, عبر الحبل السر تنقها على بساط الأمل .. تشرق عليها إطلالة شمس يوم جديد .ماذا تحمل هذه السنة محملة بعطر أريج الزهور الندية لسنة هجرية جديدة ،ماذا تحمل هذه السنة لوليدها البكر ، سيكون يوم مجيئه للحياة ،يوم سعد لبيتها ، أطلت من النافذة لترى شريط أملها وهو يدب في الحديقة بين أشجارها بخطى قصيرة ، وقلقة ...تميل معه عند سيره يرتفع صوتها انتبه احذر الشوك ــ تفز لحركة الطفل في بطنها .. آه .. ماهذه الحركة ؟ هل أنت مستعجل ؟ تضحك بصوت مسموع .. ثم تلتفت لترى نفسها أمام شجرة الزيتون ورائحة القداح المنبعثة من شجرة البرتقال التي تعبق في المكان .. وشيء من الفرح والأمل ، إنه حلم يطوف بها في أرجاء مملكتها الصغيرة . تمر الأيام وحلمها يصبح حقيقة وهي في حركتها اليومية ،كأنها فتاة في العشرين . حتى جاءت لحظة الخوف الطبيعية ، من الفرح القادم ليملأ البيت حياة وحركة ،كان خوفاً مشروعاً . تسأل نفسها :ــ
ــ هل تفتحُ عينيها وتراه بجانبها بموسيقاه الجميلة ، أو لا يراها؟ ويعيش وحيداً . تمني النفس أن يرى احدهما الأخر .أن يصبحوا ثلاثة . تمت كل الإجراءات بسرعة تحت إشراف زوجها .. وفي صباح ِ يوم مشرق جديد ، عادوا إلى البيت هي وزوجها وعبد الله ، إنها تحب هذا الاسم تيمناً بأهل البيت عليهم السلام .
أخيراً شعرت إنها امرأة . تعطي للحياة .. إنه بذرة مباركة على طريق الأمل .أحست إنها تشارك هذا الكون في كل شيء ، كانت الأيام تمر مسرعة . حتى أتم الأربعين . وشاءت المصادفة ، أن تكون هذه المناسبة مع إحدى الأعياد الدينية ، استعدوا وهم في غمرة الفرح ، أن يزوروا سيد الشهداء ، ويقدموا بين يدي حضرته الطفل الرضيع عبد الله .
قمر صغير ملفوف بقماش ابيض ، تضوع منه رائحة أجمل العطور وتحيط به ذراعان ترتعشان من لهف وخوف عليه .. وهي تحث الخطى بين الحضرتين الشريفتين وعلى لسانها تتردد كل آيات التهليل والتسبيح والتحميد . وقفت تطلب الأذن بالمثول بين يدي سيد الشهداء .. قطعَ طلبها وتوسلها صوت انفجار كالزلزال ، ارتفعت إلى السماء قبة من نار غطت المنطقة ، وسحابة دخان كثيف ، وبعد دقائق .
أعلنت الفضائيات خبر عاجل ( انفجار قوي لحزام ناسف في باب سيد الشهداء .. قتلى وجرحى بالمئات ) وهي في حالة يرثى لها ،وتستغيث ،وتصرخ بجنون ،وتحتضن بين ذراعيها ، قطعة قماش أبيض ملطخة بالدماء ..وتدور في مكانها .. مرة ترفعه إلى السماء ، ومرة تتجه نحو باب سيد الشهداء ، ورجال الإسعاف يحاولون أن يأخذوا منها الطفل ، ويسعفونهما .. وهي تتشبث به بكلتي يديها .. وهي تندب وتقول يا سيدي ... هذا عبد الله الرضيع ، جاء لزيارتك .. يا سيدي انه وحيدي وأملي ، طالما انتظرته .. يا سيدي إنهم عادوا من جديدِ.. ذبحوهُ من الوريد إلى الوريد .. هامت على وجهها بين الكتل البشرية رافعة طفلها إلى الأعلى ، وهي تصرخ إنهم عادوا من جديد وذبحوا الوليد ياسيدي ياسيد الشهداء
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس