الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-متى ستقتلني؟- تسأل الفتاة خطيبها

ناجح شاهين

2014 / 5 / 14
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


"متى ستقتلني؟" تسأل الفتاة خطيبها
إلى م. سلامة، وسلام حمدان ونادية شمروخ وسهى نزال ورشا طزمي ونساء فلسطينيات غاضبات

لست أفكر في تبني قيم الليبرالية التي تجعل مشكلة فلسطين الأولى حقوق المرأة وأسطورة الديمقراطية. لكنني أميز بين الأمرين تمييزاً حقيقياً لا نفاق فيه. ليست الديمقراطية إلا أسطورة. حتى في شمال العالم الرأسمالي البربري الأبيض الغارق منذ ولادته في دماء السود والحمر والسمر لا يوجد إلا أوهام ديمقراطية.
المرأة هي النصف الأول من البشرية. ليست المرأة النصف الثاني أبداً، فالأنثى على حد تعبير المشاكسة نوال السعداوي "هي الأصل". وحتى بعض البيولوجيا لا تضر في هذا السياق: الجنين يبدأ أنثى، كل جنين يبدأ أنثى، وفقط عندما يتلقى جرعات كافية من التستسيرون يتحول إلى ذكر. والأنثى بالنسبة للرجل هي أمه وصديقته ورفيقته وحبيبته ومعنى حياته. وعلى الرغم من أنني لا أنساق هنا إلى سباق أهبل يجعل الفكرة نوعاً من الصراع بين الأنوثة والذكورة، إلا أنني على الرغم من ذلك أود أن أسجل البديهيات بحبر مشدد قدر الإمكان: المرأة هي نصف الإنسانية التي لا ينقصها شيء على الإطلاق لكي تتمتع بكل ما يتمتع به النصف الثاني. وقد أبالغ فأقول إنه بسبب انحياز الطبيعة أو البيولوجيا لها في موضوع إنجاب الحياة، فإنها الشطر البشري الذي يجب أن يتمتع ببعض الامتيازات الإضافية. (ألم يظن العراقيون القدماء بسبب هذه الميزة الأنثوية أن آلهة الخلق بالذات لا يجوز أن تكون مذكرة بأي حال من الأحوال؟).
بعد هذا القول أسجل بوضوح وتبسيط مخل: كل النظم والتقاليد والفلسفات والشعائر التي تنتقص المرأة تعود إلى عصور من الظلم المرافقة لهيمنة الذكور في سياق ولادة المجتمع الطبقي. وقد شهد ذلك المجتمع في أحد أشكاله (العبودية) هبوطاً بغالبية الرجال والنساء جميعاً إلى مستوى السلعة وإلى مستوى الحيوان. ولذلك فقد بدأ واحد من أذكى بني البشر اسمه أرسطو كتابه في المدنيات بجملة تلخص ذلك الوضع: "بعد أن يفرغ الرجل من بناء المنزل عليه أن يحضر المرأة والعبد وثور الفلاحة." غني عن القول إن العبد هنا ليس إنساناً، وليس رجلاً، والمرأة بالطبع ليست إنساناً ولا رجل كما أن الثور هو كذلك.
سقنا أرسطو في الفقرة السابقة لنبين للقارئة والقارئ أن سوء التقدير والتعصب الأعمى ليس أمراً مرهوناً بالذكاء وإنما بالشروط التاريخية والمصالح المهيمنة في المجتمع. وقد تراجع الكثير من ذلك الظلم نسبياً مع ولادة الرأسمالية دون أن نصل إلى مستوى مساواة البشر بعضهم ببعض، وخصوصاً وصول نصف البشرية الأول، النساء، إلى مرتبة الإنسانية ذاتها التي يحتلها الرجال.
طبعاً يتوهم البعض أن الشمال الأبيض قد أنجز هذا المشروع الحقوقي البدهي فيما يخص المرأة. والصحيح أن ذلك ما زال موضوع أخذ ورد. أما في بلادنا فما زالت المرأة عورة، وما زال "دلعها بخزيك، ودلع الولد بغنيك" حسب تعبير جدتي لأمي، وما زالت المرأة عاراً على أخيها وأبيها يوم الزواج. الحق أقول لكم، لقد قمت وصحبي بمقاطعة صديقنا عندما كنا في التوجيهي لأنه "دبك" في زفاف شقيقته. اعتبرنا أن عليه أن يخجل من نفسه: "مش مكفي أخته...كمان فرحان وبدبك." معظم الرجال في بلدي مثلي عانوا في الماضي، أو أنهم ما زالوا يعانون من حالة عصابية فصامية في النظرة للمرأة التي يجب أن نبعد عنها شبح الجنس المشين عندما تكون هي الأم أو الأخت، لكننا لا نراها إلا موضوعاً جنسياً خالصاً عندما تكون المرأة "الغريبة" العاملة أو الموظفة أو الطالبة أو الماشية في الطريق أو حتى في المظاهرة. ألم يحس السيد أحمد عبد الجواد في رواية نجيب محفوظ بالاختناق لأن الله الذي طالبنا بصيانة المرأة هو نفسه يطلب منا أن ندفعها عبر مؤسسة الزواج إلى فعل الجنس القبيح؟ ومع ذلك كان الرجال يلهو كما ينبغي له في عالم العوالم وبائعات الهوى.
الكثير الكثير يلزم في السياق الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لتغيير التشوهات التي نعاني منها. لكن ذلك يجب أن لا يلهينا عن السياق السياسي والاقتصادي الفلسطيني: هناك حالة من اتساع دائرة العنف والجريمة تجتاح المجتمع (وماذا نسمي الجنون الذي يصل بدار ألعاب ميغا لاند إلى ضرب زبائنها؟ أول أمس صرخ في وجهي موظف في أحد البنوك لأنني "تعديت" حدودي واعترضت على أحد أخذ دوري) وفي هذا المنحى فإن علينا أن نقدر في هذه العجالة أن الإنسان (وخصوصاً الرجل) الذي يفقد القيمة والمعنى ولا يرى في الأفق إلا أفقاً آخر يتحول إلى وحش في صورة آدمية، تنفلت الغرائز من عقالها، وينعدم دور العقل والقلب على السواء فيغدو كائناً أنانياً ضيق الأفق والاهتمام قادر على قتل جاره من أجل بضعة سنيتمترات من التراب في نزاع على الحد، لكنه يصمت ولا يحرك ساكناً إذا قضم وحش الاستيطان آلاف الدونمات حتى من أرضه بالذات. انهيار القيم بسبب تراجع الهم القومي-الوطني التحرري وفقدان بوصلة الصراع المتجهة نحو التقدم الاجتماعي والإنساني أتى على كل شيء. فما عاد هناك ما يميز الإنسان عن الحيوان لأن الأشياء الأولية للحياة غدت هي المحرك الأول والأخير، وهذه أشياء لا تتجاوز قيمة الحصول على الطعام والجنس وما يلزم من مال لتحقيقهما. لعل نظرة مقارنة لأداء المواطن/ة تجاه أخيه/أخته المواطن/ة أيام الانتفاضة العظيمة يمكن أن تضيء الفرق. إن مكمن الداء بالطبع هو أساساً في حالة السياسة والاقتصاد والاقتصاد السياسي الراهن، وما يرافق ذلك من هيمنة لثقافة فردية أنانية ما قبل رأسمالية لكي لا يتوهم أحدنا أنني أتحدث عن الفردية في سياق الحداثة الرأسمالية التي لها اشتراطات بيننا وبينها بعد المشرقين. في هذا السياق لا بد من تجنيد القوى الحية –أو ما تبقى منها- من أجل الدفاع عن القيم الخيرة في مستوى الهم الوطني المسمى فلسطين، والهم الاجتماعي المسمى حق المواطنين جميعاً في الحصول على أساسيات الحياة على أقل تقدير، ثم الهم الإنساني الاجتماعي الثقافي بعناصره كافة بما فيها تعميق القناعة في الفن والسلوك والقانون والثقافة الشعبية أن الإنسان مهما كان عمره أو جنسه أو مكان سكنه أو وظيفته أو مقدار تعليمه هو قيمة مطلقة لا يجوز لأحد أن يمس بها. وغني عن القول إن قضية المرأة يجب أن تتصدر برنامج النضال في هذا الميدان ليس عن طريق التجمعات الشكلية المبعثرة التي تلتف هنا وهناك حول قطعة كعك دفع ثمنها الممول الغربي، وإنما قطاعات شعبنا الواسعة في القرية والمدينة والمخيم خصوصاً من الفئات التي لا تعرف اللغة الإنجليزية، ولا حتى حروفها الأبجدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحلي القضايا الفرعية
عماد عبد الملك بولس ( 2014 / 5 / 15 - 10:29 )
سيدي

تحياتي و احترامي

أظن، أن الصراع الأنثوي الذكوري سيظل قائما ما دام هناك الجنسان، و هو صراع ثانوي أو فرعي إلي جانب الصراع الاقتصادي و العلمي الذي هو جوهر الصراع و التنافسية الآن، و لأن الجنسين كلاهما بشر قادر علي الإنتاج و التفكير، فلابد من الحفاظ عليهما كثروة بشرية منتجة، هذا هو منظور المجتمعات المنتجة، إضافة إلي أن المرأة تنتج - بحكم البيولوجيا - البشر أيضا، فالحفاظ عليها و دعمها و الانتصار لها انتصار للإنتاج و التفوق العلمي في كل الأحوال

أما المجتمعات الغير منتجة فلا تفقه و لا تأبه إلا للغرائز التي تسوقها (و هنا أنا لا أنفي الغرائز عن المجتمعات المنتجة و لكن وجود قيمة العمل و العلم فيها إلي جانب الغريزة يعطيها رقيا و إنسانية) فلا تنظر للمرأة إلا غريزيا، و هذا المنظور لخصته سيادتك في مقالك و أضفت إليه السؤال العبقري (عنوان المقال) و الذي إجابته بسيطة: كلانا مقتولان معنويا طالما نحيا دون مستوي الإنسان

تحياتي و شكري و احترامي

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء: سنعمل على تعزيز دور الشباب والمرأة في كافة الم


.. لبنان.. دراسة لمؤسسة سمير قصير تؤكد تعرض 37% من الصحفيات للت




.. حراك مدني في المغرب لتحقيق المساواة في الأجور بين النساء وال


.. انعقاد الاجتماع العام الأول لمجلس المرأة السورية في مقاطعة ا




.. اراء النساء عن صياغة العقد الاجتماعي