الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفلة أطفال يقلدها الكبار

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2014 / 5 / 14
الادب والفن


حفلة أطفال يقلدها الكبار
سامي البدري

في يوم إعلان نتائج مسابقة البوكر العربية، زراني صديقي الفنان التشكيلي ليسألني عن رأيي بنتائج المسابقة وإذا ما كنت راضيا عن تلك النتيجة فقلت له: للأسف، لم تكن نتيجة بوكر هذا العام أكثر من حفلة أطفال يقلدها الكبار!، ففي الوقت الذي فجعتنا فيه دور النشر العربية في ترشيح أسوأ ما أنتجت دورهم من روايات هذا العام للجائزة، جاء نقاد هذه الدورة ليثبتوا لنا، من خلال نتائج تقييمهم، أن الذائقة العربية، فيما يخص هذا الجنس الأدبي، هي متخلفة فعلا وتخلفها ناتج عن تخلف العقل العربي الذي فطر على النقل وترديد المقولات الجاهزة، وفيما يخص النقد، ونقد السرد بالذات، على وجه الخصوص.
قال صديقي هذا الكلام متسرع ومتجن على الأسماء الأكاديمية الكبيرة التي قادت عملية تحكيم دورة البوكر هذه... فقلت: هي أسماء كبيرة فعلا فيما يخص التنظير وإلقاء دروس المدارس النقدية الأوربية، إلا أن إشكاليتهم إنهم يتكلمون بشيء تفصله هوة ثقافية عن ذائقتهم العربية، وهذه الذائقة هي ما يحكم تقييماتهم وليس ما تعلموه في الجامعات عن مدارس البنيوية والسيميائية...إلخ... للأسف الشديد... وهذه الذائقة هي التي أوصلت الجائزة إلى النتائج التي أعلنت علينا أمس.. وسألته: هل قرأت الروايات الست التي وصلت إلى مرحلة القائمة القصيرة؟ قال نعم، وكان بعضها مخيبا فعلا، كرواية أنعام كجه جي وتاج السر، فهما روايتان ساذجتان تماما، وعجبت بالذات أن يتصدى إستاذان أكاديميان، بحجم صلاح فضل وفيصل دراج لمديح رواية أنعام كجه جي وهي لم تقدم شيئا فنيا أو فكريا يستحق التوقف عنده على الإطلاق... كانت بمنتهى السذاجة فعلا! فسألته: وماذا عن رواية فرانكشتاين في بغداد، التي حصدت الجائزة الأولى؟ هل قرأتها؟ قال: قرأت منها مئة صفحة وقد نجح كاتبها في تقديم صورة ناجحة عن معاناة الشعب العراقي في مرحلة ما بعد الاحتلال... فقاطعته: لم إكتفيت بقراءة مئة صفحة من الرواية ولم تتمها... ثمة أكثر من مئتي صفحة أخرى في الرواية فلم أهملتها؟ قال: ببساطة لأني عرفت نهاية الرواية ولم يعد في نفسي دافع كبير لمعرفة التفاصيل التي تؤدي إلى تلك النهاية!
وهنا تكمن المشكلة فعلا، لأن ليس مهمة الرواية نقل صورة فوتوغرافية عن الواقع المعيش، بل مهمتها ـ والجمالية على وجه الخصوص ـ فيما تقدمه من إدهاش فني في طريقة التعبير عن ذلك الواقع.
فأحمد سعداوي نجح في نقل صورة فوتوغرافية عن معاناة العراقيين اليوم، ولكنه فنيا، خاب في خلق صورة فنية تحقق عوامل الإدهاش والشد في المتلقي، رغم أنه إستعان بفكرة عالمية، كان المفروض به أن يحسن توظيفها من أجل تحقيق الفنية التي تدهشنا، بدل التكرار الأصم لها على صفحات كتابه، بحيث إنه وضع عمله أمام سؤال مشروع، فنيا وتقانيا: ماذا سيتبقى من رواية (فرانكشتاين في بغداد) فيما لو رفعنا منها القصة المستوردة التي بنيت عليها؟ وبالتالي صار من حقنا القول أن أحمد سعداوي لم يقدم شيئا أكثر من تعريقه (نسبة إلى العراق) لفكرة رواية عالمية!
وإستكمالا لتوقفي أمام رواية أحمد سعداوي أقول أن الروائي البارع هو من يفلح بالإمساك بتلابيب قارئه ليجبره على قراءة عمله من الغلاف إلى الغلاف، بتقديمه له عوامل الشد والإدهاش في كل عطفة من عطفات الحدث والبؤر السردية التي يولدها داخل النص ببراعته الفنية، لا أن يقدم له صورة فوتوغرافية، تتضح ملامحها، حتى قبل تحميضها وغسل الأحماض عنها.
الأمر الآخر الذي يجب أن أتوقف أمامه هنا هو قضية إستخدام أغلب الروايات الفائزة للهجات العامية، ويبدو أن لجنة الجائزة النقدية تنطلق من مفهوم ـ ما انزل به لا مفهوم الرواية ولا مفاهيم النقد من سلطان ـ وهو أن اللهجة العامية تمنح العمل جزءا من حميمية التوصيل، وأيضا جزء من هويته، وهذه لعمري خيبة في الرؤية ما بعدها خيبة، ببساطة لأننا كعرب لا نفهم على لهجات بعضنا البعض، ولطالما إحتجت أنا المشرقي لمترجم كي أفهم لهجة المغربي والجزائري... بل إني أعاني مع كثير من المفردات التي يستخدمها أهل الخليج وهم أقرب إلى في لهجتهم... والسؤال الذي أوجهه للسادة محكمي الجائزة وهم أساتذة جامعيين: هل تقبلون من طلبتكم الذين تدرسوهم في الجامعات أن يقدموا لكم بحوثهم مطعمة باللهجات العامية؟، وعليه فلم لا تكون الرواية العربية بأنصع صور اللغة الفنية وأكثرها ابداعا بدل اللغة الصحفية والتقريرة، الملغمة باللهجة العامية، التي كتبت بها أغلب رواياتكم الفائزة لعام 2014 ، وخاصة الرواية التي حصدت المركز الأول؟ هل كتب غابريل غارسيا ماركيز مفردة عامية واحدة في رواياته، وهل إنتقص من فنية رواياته أو جمال لغته أو تخلفها عن إيصال أفكاره، عدم إستخدامه للغة عامية؟!
وأيضا ثمة أمر غريب إستوقفني، بل أدهشني بشدة، ألا وهو كيل إثنان من أعتى نقاد العرب المشهورين (دكتور صلاح فضل ودكتور فيصل دراج) المديح لرواية طشاري، للعراقية أنعام كجه جي، وهي ليست أكثر من حكاية ساذجة وتفتقر لأبسط الشروط الفنية التي تؤهلها لمسمى رواية من الأساس.. فكون عمل ما يعرض لمشكلة كبيرة يعانيها مجتمع من المجتمعات فهذا لا يعني أن هذا العمل صار كبيرا، فنيا وتقانيا وفكريا؛ ولكن، في رأيي المتواضع، سألتمس العذر، للناقدين الكبيرين، بإنحاء اللائمة على ما تربت عليه ذائقتهما المحفوظية (نسبة إلى نجيب محفوظ)، والتي مثلت إرثا لجيل محفوظ وتلاميذه، بل ولأجيال اليوم في مصر، إذ إنحصرت رؤية روائينا الكبير على مضاضات وأمراض ومعاناة الحارة المصرية، في أضيق مدلولاتها (وهذا واضح من عناوين معظم روايات نجيب محفوظ)؛ وعليه فإن الدكتور فضل (مصري الجنسية) والدكتور دراج (فلسطيني من مواليد 1943 ) ـ ويبدو أن أرث محفوظ جزء من ثقافتهما الشخصية والنقدية، بحكم عمريهما ـ بنيا تقييمهما لرواية كجه جي على الحجم الذي خاضت فيه في مستنقع الحارة العراقية، بإعتبارها عاكسة حقيقية لطبيعة ومعاناة المجتمع العراقي، ولعمري لم يكن تقييمها موفقا على الإطلاق، لأنه أهمل العنصر الفني، الذي هو أهم عناصر نجاح الرواية، والذي خابت فيه كجه جي خيبة كبرى، وعلى عكس نجاحها في جانبه، في روايتها (الحفيدة الأمريكية)، التي وصلت قائمة البوكر القصيرة عام 2009 . وفي رأيي فإن وصول رواية طشاري للقائمة القصيرة لم يكن أكثر من إستحقاق (كوتة العنصر النسائي) كي لا تتهم البوكر العربية بالذكورية أو بالتحيز ضد المرأة، في عصر المطالبة بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل، والعالم كله متوجه بهذا الإتهام ضد العرب، مواطنين ومؤسسات!
ومن كل ما تقدم عرضه، أجد نفسي مجبرا أن أخلص إلى تشبيه دورة البوكر لهذا العام بتقليد الكبار لحفلة أطفال، رغم أن الأطفال لم يبقوا شيئا في مكانه من أدوات ومستلزمات الحفل، ورغم أنهم أحالوا أرض قاعة الحفل إلى فوضى حقيقية، ورغم أن صراخ توجعات وغضب مدبرة المنزل يعلو على صوت موسيقى وأغاني الحفلة!
وأخيرا نختم بالقول: بقدر ما كتب لنا خالد خليفة رواية (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) وهو في أشد حالات تعبه، بحيث إنه أنتجها كنسخة سيئة عن روايته (مديح الكراهية)، وبقدر ما كتب لنا تاج السر رواية متعبة، بتكنيك الرسائل، التي لم يفلح في إيصال أي منها للمتلقي، وبقدر ما أتعبنا صاحب الفيل الأزرق وهو يجره في مستنقع الحارة المصرية وعاميتها الممجوجة، نقول إنه آن لإدارة البوكر العربية أن تنتبه لإختيار محكميها وأن تلتفت لأمر بمنتهى الأهمية في هذا الجانب، وهو أن تشرك في لجنة التحكيم عناصر مبدعة من الروائيين والشعراء والفنانين ممن خبروا لوعة الإبداع وموازينه وقيمه ودخلوا مطابخه فعلا، لا أن تقصرها على من يجلسون في غرف الطعام وليس في أيديهم غير سكاكين القطع وشوك النغز واللقم!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز