الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماء والهواء فى قبضة الإحتكارات العالمية.

خالد الفيشاوى

2014 / 5 / 15
الادارة و الاقتصاد


- الزراعة وقضايا الغذاء -
الماء والهواء فى قبضة الاحتكاراتخصخصة المياه .. كارثة جديدة من كوارث العولمة الرأسماليةربع البشر بلا مياه للشرب ونصفهم بدون صرف صحىابادة 15 مليون سنويا بالماء الملوث
بقلم: خالد الفيشاوى


فى ستينيات القرن الماضى ، كان العالم يتندر بأن الولايات المتحدة الأمريكية تلقى بفائض القمح والحبوب واللبن فى مياه المحيط حفاظاً على أسعار هذه السلع فى الأسواق ، دون اعتبار لعشرات الملايين فى العالم … لم يكن العالم يدرك بعد أن مصالح السوق تسمو على مصالح البشر وحقهم فى البقاء .. لكن بعد أقل من نصف قرن ، ومع بدايات الألفية الجديدة ، أصبح كل شيء فى العالم " سلعة " تحتكرها الرأسمالية العالمية وتبيعها فى الأسواق .. بما فى ذلك الماء والهواء .
فى السنوات الأخيرة ، بعد أن أًصبح الهواء أكثر تلوثاً ، وخلقت حاجة جديدة للبشر للحصول على هواء نقى وكمية كافية من الأوكسجين ، بدأت الصيدليات تبيع ( أوكسجين بودر ) يذاب فى الماء ويشربه المستهلك ، كما بدأت تجارب مقاهى الأكسجين ، حيث يدخل " الزبون " ليجلس على جهاز تلقى الأكسجين ، لازالت التجارب محدودة ، لكن المستهدف أن يتم تعميمها ليحصل القادرون على احتياجاتهم من الهواء النقي ، بعد أن أصبح الهواء ملوث ، ويزداد تلوثه ، وقد لا يجد فيه البشر حاجتهم للبقاء فى يوم قريب .
بل نستطيع اليوم القول بأن الهواء أصبح سلعة بالفعل … فحينما فرضت " اتفاقية كيوتو " الخاصة بالبيئة ، على بلدان العالم حصصا محددة لإطلاق أكاسيد الكربون وغيرها من الملوثات فى الغلاف الجوى ، راحت الدول الصناعية الكبرى الملوثة للهواء ، تشترى حصص البلدان الفقيرة فى التلوث لتحافظ على حقها فى المزيد من التلويث !! .
الجوع والعطش
حينما تتحدث الاحتكارات العالمية ومؤسساتها الدولية كمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولى وصندوق النقد ، عندما يتحدثون عن أزمة المياه أو تلوث الغلاف الجوى ، فلا تبقى من وراء ذلك البحث عن علاجاً لمشكلات ، ولكنها تفتح من خلال الأزمات مجالات جديدة للاستثمار
منذ ما يقرب من عقدين ، شرعت الاحتكارات العالمية للمياه فى السعى للسيطرة على الموارد المائية للعالم ، وإعادة بيعها للمستهلكين ، وإن كانت الشركات الخاصة لا تدير حتى الآن سوى 5 % من خدمات المياه على النطاق العالمى ، إلا أن الحرب دائرة لاستكمال السيطرة ، وخلق سوقاً عالمياً للمياه .
وكما يتم تلويث الهواء ، وخلق حالة ندرة فى الهواء النقي كضرورة للإتجار فى الأكسجين ، شهد نصف القرن الماضى تلويثاً متزايداً لمصادر المياه ، بدأت باستخدام كميات هائلة من الأسمدة والمبيدات الكيماوية فى الزراعة ، تترسب بقاياها فى الأنهار والمياه الجوفية . ففى فرنسا وحدها تصب الأنهار فى مياه البحار 433 ألف طن من النترات و 44 ألف طن من الفوسفات فى السنة الواحدة . وفى الهند ، أصبح " نهر الجانج " المقدس ، أحد أكثر الأنهار تلوثاً فى العالم ، تلقى فى مياهه نفايات تقدر بحوالى 1.6 مليار طن سنوياً .
وبدلاً من السعى لزيادة الموارد المائية الصالحة للاستخدام الآدمي ، مثل الاهتمام بمشروعات تحلية مياه البحر ، وبدلاً من وقف عمليات تلويث مصادر المياه ، راحت الشركات الكبرى للمياه تستثمر حالة الندرة المفتعلة ، ورفع سيطرة الحكومات والمرافق العامة على إدارة المياه والصرف الصحي وتحويلها إلى مجال للاستثمار . وتحلم الشركات الاحتكارية بالحصول على استثمارات فى مشروعات المياه والصرف الصحي تتجاوز مئات المليارات من الدولارات حتى عام 2025 .
الإبادة
فى ظل تراجع دول الدولة فى إدارة شئون الاقتصاد والخدمات عموماً ، وتراجعها عن التوسع فى المرافق العامة للمياه النقية والصرف الصحي ، تعانى ربع البشرية من عدم الحصول على مياه الشرب النقية ، ويفتقر نصفها الآخر إلى الصرف الصحي . وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية ، يموت 15 مليون إنسان سنوياً من جراء شرب مياه غير نقية ، وهو السبب الأول للوفيات فى العالم .
فى هذا الإطار ، فتح الباب على مصراعية لخصخصة المياه فى السنوات الخمس الماضية ، وتنازلت الدولة للقطاع الخاص عن دوره فى تأمين الخدمات المائية فى أكثر من عشر عواصم فى العالم الثالث ومدنه الكبرى ، مكسيكو ، مانيلا ، القاهرة ، جاكرتا ، بيونس أيريس ، لاباز ، داكار ، نيروبى ، الدار البيضاء ، وشنغهاى وكينغداو كبرى المدن الصناعية فى الصين ، وقدر حجم التوظيفات الخاصة فى السوق العالمية للماء بنحو 500 مليار دولار فى السنوات العشر القادمة .
لا ينحصر الأمر فقط فى الاستثمار فى مياه الشرب ، بل يمتد أيضاً إلى مياه الري ، وهو الأمر الأشد خطورة ، فسوف يتم تحميل الفلاحين ثمن مياه الري ، وبدعوى الحد من استهلاك المياه ، سيتم مد شبكات ضخمة تعمل بنظم ري حديثة وعالية التكلفة ( كالري بالتنقيط ) وشبكات أيضا للصرف المغطى ، تنفق استثمارات ضخمة ، تحصل من الفلاحين ، وترفع كثيراً من سعر المنتج الغذائي ، وبالتالي تثقل كاهل صغار المزارعين والملاك ، وتستبعدهم من عملية الإنتاج الزراعى لصالح الشركات الكبرى ، وكبار الملاك والمزارعين . وتلك كارثة أنكى وأشد.
التصدي للكارثة
على آية حال .. إذا كانت تلك هى مخططات الشركات الاحتكارية الكبرى المتعدية الجنسيات ، والمؤسسات الدولية المدافعة عنها مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدولى ، وإذا كانت الحكومات المحلية تتعامل مع هذه المخططات كقدر لا يمكن الفكاك منه .. فأن للشعوب رأى آخر …
هناك تجارب عديدة حول تصدى الشعوب لهيمنة الشركات الكبرى على المياه والصرف الصحي ، وفشل هذه المخططات فى عديد من بلدان العالم …
ففى يوليو 2002 ألفت " شركة سويز " واحداً من أكبر امتيازا مشروعات المياه الخاصة فى العالم ، ألفت عقداً مدته ثلاثين عاماً لتقديم خدمات المياه والصرف الصحي لمدينة " بونيس آيرس " بعد أن تحولت أرباح الشركة إلى خسائر نتيجة للازمة المالية التى عصفت بالأرجنتين . وأيضاً بعد أن واجهت الشركة معارضة واسعة نتيجة لعجز 30 % من سكان العاصمة عن تسديد قيمة فواتير المياه وتخفيض أعداد العاملين ، الذى كانوا يعملون فى مرفق المياه الذى كان مملوكاً فى السابق للدولة ، إلى النصف . وزيادة أسعار فواتير المياه بأكثر من 20 % ، والأدهى ، تلويث نهر " ريو ديل بلاتا " بتحويل 95 % من الصرف الصحي للمدينة ليصب فى النهر !!
انتصار مانيلا وكوتشابمبا
فى ديسمبر 2002 ، ألغت " شركة سويز " أيضا ، عقدها الخاص لتزويد العاصمة " مانيلا " الفلبينية بالمياه ، بعد أن فشلت فى الضغط على الحكومة للموافقة على طلبها بزيادة أسعار المياه للمرة السابعة ، حيث ارتفعت ستة مرات متعاقبة بعد توقيع العقد .
برحيل الشركة ، عادت السيطرة على المياه والصرف الصحي إلى المرفق العام المملوك للدولة ، وتطالبه الشركة بدفع تعويضات قدرها 303 مليون دولار ، فضلاً عن تحمل المرفق لديون الشركة التى تبلغ 530 مليون دولار .
فى إبريل 2000 ، بعد سبعة أيام من المظاهرات الغاضبة فى شوارع كوتشابامبا ضد شركة المياه ، اضطر الرئيس البوليفى إلى إلغاء عقد خصخصة المياه الممنوح لشركة ( أجواس ديل تونارى ) التابعة لشركة بكتل العملاقة ( الموكل لها إعادة أعمار العراق ! ) . بعد أن ارتفعت أسعار المياه بنسب تتراوح بين 100 % و 200 % ، وبعد أن تلقى صغار الفلاحين وأصحاب المهن الحرة ضربة قاسية .
حيث تدفع غالبية الأسر فاتورة مياه تبلغ 20 دولاراً على الأقل ، فى بلد يقل فيه الحد الأدنى للأجور عن 100 دولار شهرياً . مما دفع منظمات العمال وحقوق الإنسان لتنظيم إضراب عام أستمر أربعة أيام فى يناير 2000 وحاصر الجيش البوليفى كوتشابامبا ، وفتكوا بالمتظاهرين . واضطرت الحكومة فى النهاية إلى إلغاء العقد ، فرفعت " شركة بكتل " دعوى ضدها تطالبها بتعويضات قدرها 25 مليون دولار . وإذا قررت محكمة البنك الدولى للفصل فى المنازعات إلزام بوليفيا بالتعويض المطلوب ، من أفقر نصف الكرة الغربي ، وأكثرها مديونية لتمنحها لخزائن شركة بكتل ، سيكون ذلك بمثابة تخدير لحكومات العالم كي لا توقع اتفاقيات مشابهة …
سوهارتو وابنه
فى أوائل تسعينيات القرن الماضى ، قدم البنك الدولى قرضاً قيمته 92 مليون دولار لحكومة سوهارتو لتمويل مشروع خصخصة المياه فى جاكرتا ، وشرعت شركتا " سويز " و "زيمى " الاحتكاريتين فى السيطرة على المرفق العام للمياه .
فى ظل " ديكتاتورية سوهارتو " ، كان النشاط الاقتصادى فى اندونيسيا يستوجب مشاركة الطرف الأجنبي مع الشركات المحلية ، فشكلت شركة " زيمى " تحالفاً مع " مجموعة سيجبت " ، الخاضعة لسيطرة الابن الأكبر لسوهارتو ، أما شركة " سويز " فقد عملت من خلال " أنتونى سالم " ، صديق سوهارتو الحميم . واستولت الشركتان على المرفق العام للمياه ، وأجبروا أصحاب الإعمال والمنازل على إغلاق الآبار الخاصة وشركاء حاجاتهم من المياة من الشركتين ( 70 % من المياه المستخدمة فى جاكرتا تأتى من الآبار الخاصة ) .
فى عام 1998 ، تغيرت الأوضاع السياسية وسقط " سوهارتو " وخرجت المظاهرات ضد شركتي " سويز " و " زيمى " ، وفر كبار المديرين فى الشركتين ، وأمر محافظ جاكرتا الجديد بعودة المرفق العام للسيطرة على المياه ، ولكن بعد ضغوط مكثفة من دبلوماسيين بريطانيين وفرنسيين وتهديد بإعلان عن ضعف الثقة فى اندونيسيا كمكان ملائم للاستثمار ، عادت شركتا " سويز " و " زيمى " لتولى مسئولية المياه فى جاكرتا . وعانى الفقراء وأحياءهم من رداءة الخدمة ، ولا يزال غالبيتهم يقومون بغلي المياه لضمان صلاحيتها للشرب.
مياة البيض أرخص من مياة السود
فى عام 1999 ، حصلت شركة المياه البريطانية المتعددة الجنسيات على امتياز فى " نلسبرويت " فى جنوب أفريقيا . منذ ذلك الحين ، يشكو سكان المدينة من ارتفاع الأسعار وسوء الخدمات . فحينما تنكسر مواسير المياه ، يستغرق إصلاحها أكثر من أربعة أيام ، وفواتير المياه مبالغ فى ارتفاعها ، وتباع المياه لمناطق السكان البيض أرخص من غيرها والمياه لاتصل للمنازل إلا بشكل منقطع ، وغالبا لا تزيد عن 3 ساعات يومياً ، والغريب أن الفترة الزمنية بين فتح الصنبور ووصول المياه تمتد أحياناً إلى ساعة ونصف ، والأغرب أن عدادات المياه تسجل على المستهلك هذه الفترة باعتبارها استهلاك للمياه !!
ونظراً لعدم قدرة غالبية السكان على دفع فواتير المياه ، تقطع عنهم المياه ، كما ابتكروا لهم عدادات تعمل بنظام " الكارت " ، تشتريه وتدفع ثمنه مسبقاً ، وحين تنتهي قيمته تقطع عنك المياه ، بالضبط مثل كارت التليفون .
وخلال اجتماعات قمة جوهانسبرج ، قامت المظاهرات العارمة ضد خصخصة المياه فى جنوب أفريقيا ، وحتى الشهر الماضى ، قبض على سبعة من مناهضة الخصخصة الذين قاموا بتعطيل تركيب عدادات المياه التى تعمل بنظام الكارت فى " سويتو " .
تسميم المياه البريطانية
بالطبع ، لم تكن خصخصة المياه من نصيب بلدان العالم الفقيرة فحسب ، فقد كانت حكومة " تاتشر " البريطانية سباقة فى هذا المجال ، حيث خصخصت المرافق العامة للمياه فى عشرة مناطق فى بريطانيا ، عام 1988 ، وعلى الفور زادت أسعار المياه بأكثر من 50 % فى السنوات الأربعة الأولى ، وفى عام 1994 ، بلغ عدد الأسر التى قطعت عنها المياه نتيجة العجز عن السداد 18636 أسرة . كما زاد استخدام العدادات التى تعمل بنظام الكارت ( أكثر من 16 ألف حتى عام 1996 ) ونتيجة للسخط الشعبي قرر البرلمان إلغاء هذا النظام .
الأدهى ، أن شركات المياه تضخ مياه أكثر تلوثا لتجبر السكان على شراء زجاجات المياه النقية للشرب، بعد ارتفاع معدلات الإصابة بالدوسنتاريا فى أحياء المياه المخصخصة، وفى عام 1988 إحتلت شركات المياه البريطانية المركز الثاني والثالث والرابع فى قائمة أسوأ الشركات ذات الإنتاج الملوث. لكنها دفعت غرامات نتيجة لذلك، وكان ذلك أسهل عليها وأرخص من تقديم مياه نظيفة.
لا نثقل على القارئ بأكثر من ذلك ، رغم كثرة الفظائع.
وإن كنا نريد أن نؤكد فى النهاية ، أن الكارثة أكبر كثيراً من تلويث المياه أو ارتفاع أسعارها ، ولا تتعلق فقط بمياه الشرب ، فالكارثة الأكبر هى بيع مياه الري للفلاحين ، وما يترتب عليه من عدم قدرة على السداد ، وأنتزع أرضهم لصالح الشركات الاحتكارية الكبرى ، وتحميل مستهلك الغذاء قيمة كل ذلك …
وليس أمام البشر إلا تدبر كيفية التصدي للكارثة قبل وقوعها ، وإلا سيكون الجوع والعطش هو المصير المحتوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تعزز أسطولها النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية


.. سيرين عبدالنور عن تعاونها مع قيس الشيخ: أحترمه وأخاف من المن




.. ترحيب حافل بالرئيس الصيني في صربيا والتزام بتعزيز التعاون ال


.. سباق كليبر.. منافسة بين بحارة بولاية واشنطن لجمع تبرعات لمنظ




.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 08 مايو 2024