الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية -لزوم ما لا يلزم-

عامر راشد

2005 / 7 / 21
القضية الفلسطينية


إعلان القاهرة الصادر عن الجولة الثالثة من الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي استضافته ورعته القاهرة في آذار/ مارس الماضي أعطى انطباعاً وكأن ثمة انقلاباً جذرياً قد وقع، في مواقف كل القوى الرئيسية الفلسطينية حيال منظمة التحرير الفلسطينية، تجلى في موافقة حركتي حماس والجهاد على "الانضواء في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لشعب فلسطين" وموافقة فتح على التخفيف من هيمنتها على مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وقبولها لمبدأ المشاركة، وتوافق وطني على وقف التدهور المستمر منذ العام 1991 في المكانة القيادية والتمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وكان يمكن لإعلان القاهرة أن يمثل بالفعل تحولاً إستراتيجياً في العلاقات البينية الفلسطينية ـ الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويؤسس لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس ديمقراطي تعددي، ويؤمن الشرط الذاتي الفلسطيني في الضغط من أجل إعادة بناء العملية السياسية التي انهارت في كامب ديفيد 2، على أسس جديدة تضمن الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني . لكن مجريات الأمور والوقائع على الأرض تدل على أن الطريق أمام إعلان القاهرة ليست سالكة، وهذا ما أكدته وقائع الشهور الاربعة الماضية، حيث أن ما جرى الالتزام به فعلياً من إعلان القاهرة هو استمرار التهدئة من الجانب الفلسطيني دون التزامات إسرائيلية مقابلة، ولا يغير من الحقيقة السابقة الإقرار بانخفاض وتيرة الاعتداءات والاجتياحات الإسرائيلية خلال الفترة المذكورة .
إن سبب تعطيل إعلان القاهرة مبعثه طريقة التعاطي مع هذا الإعلان من قبل بعض الأطراف الموقعة عليه، حيث لم يتم التعاطي معه كرزمة واحدة، فالسلطة الفلسطينية ركزت فقط على قرار التهدئة، وراحت تناور في القضايا الأخرى التي اشتمل عليه الإعلان، مما أدى إلى تعطيل الدعوة للجنة العليا التي نص على تشكيلها في الإعلان، والتي عليها أن تبحث في إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وجرت مماطلة في تعديل قانون الانتخابات التشريعية الجديد وفق المناصفة 50% تمثيل نسبي، 50% دوائر، ونتيجة لذلك تم تأجيل الانتخابات التشريعية إلى أجل غير مسمى، وأكثر من ذلك عادت الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية لممارسة الاعتقالات بحق قيادات حركة الجهاد الإسلامي، كما فعلت مع قادة من الجبهة الديمقراطية بعد عملية كتائب المقاومة في "حاجز أبو هولي/ قطاع غزة"، وتأججت صراعات أجنحة السلطة الفلسطينية بما بات يهدد بانفجارات لا تحمد عقباها أشد من تلك التي سبقتها، وفي خط متداخل مع هذا الصراع يستمر الصراع الفتحاوي الداخلي . وبالمقابل فشلت أطراف الإعلان الأخرى في توحيد قواها بموقف ضاغط على فتح والسلطة الفلسطينية للالتزام بما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة، لأن بعضها يرى في قوانين الانتخابات الانقسامية القديمة ما يحقق مصالحه الفئوية والخاصة .
المشهد السياسي الفلسطيني الراهن ربطاً بالوقائع السابقة يطرح سؤالين مهمين، الأول: مدى جدية السلطة الفلسطينية في الالتزام بما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة، ومدى تطابق ما ورد في الإعلان مع مصالح قيادة السلطة، وبالتحديد فيما يخص إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والشراكة السياسية .
والسؤال الثاني: هل باتت تتوفر لدى كل قوى المعارضة الفلسطينية إرادة سياسية كي تمارس دورها وترسمه في العلاقات الداخلية الفلسطينية بما هي معارضة لها حقوق وعليها التزامات، تطبيقاً لمبدأ الشراكة السياسية .
في الإجابة على السؤال الأول نلاحظ بأن السياسات التي تنتهجها السلطة الفلسطينية مازالت تراوح في حدود محاولة إعادة الروح إلى العملية السياسية والتفاوضية ، باللهاث وراء سد الذرائع الإسرائيلية والأمريكية التي تبدأ ولا تنتهي، على حساب إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وبناء استراتيجية فلسطينية موحدة . هذه السياسة جعلت من بنود إعلان القاهرة رهينة بالمواقف الإسرائيلية الأمريكية، فالانتخابات التشريعية القادمة يجب أن تكون مضمونة النتائج مسبقا لصالح تيار معين ومهيمن في السلطة الفلسطينيةً، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن لا يكون على حساب الدور الذي كرس وحُدِّد للسلطة الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة على حساب منظمة التحرير الفلسطينية، ومكافحة ما يسمى بـ "الإرهاب" يجب أن يكون على رأس أولويات السلطة … الخ .
وفي الإجابة على السؤال الثاني فإن الإرادة السياسية لدى بعض أطراف المعارضة ما زالت غير متوفرة بعد لجهة حسم خياراتها حيال منظمة التحرير الفلسطينية، ولجهة التعامل في العلاقات الداخلية الفلسطينية من موقع المعارضة. وبالنتيجة فإن موقف السلطة ومواقف بعض أطراف المعارضة سيؤدي حكماً إلى استمرار تراجع المكانة القيادية والتمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي ينظر إليها تيار نافذ في قيادة السلطة الفلسطينية كـ "لزوم ما لا يلزم"، وبأن التخلص منها مستقبلاً في أحد المراحل القادمة من العملية السياسية التسووية يمثل شرطاً لازماً لتتويج هذه العملية بحل متفق عليه بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل .
إن الشطب التدريجي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو أحد الأهداف والشروط الأمريكية ـ الإسرائيلية منذ انطلاق مؤتمر مدريد في تشرين أول/ أكتوبر 1991. وتجلى هذا في إصرار الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على رفض التمثيل الفلسطيني المستقل في المؤتمر، وحصره بحضور شخصيات من الضفة والقطاع بدون القدس واللاجئين، مدرجة في عداد الوفد الأردني، وهو ما أشر بوضوح إلى أن شطب المكانة القيادية والتمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية أعتبر شرطاً مسبقاً للقبول بمشاركة الفلسطينيين في المؤتمر، وأشر في الوقت ذاته إلى المسار الذي يجب أن يتخذه الحل المقبول إسرائيلياً وأمريكياً، كيان فلسطيني منقوص السيادة في الضفة وغزة، مع احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى ومعظم أراضي القدس، وعلى أن يتم إحلال سلطة هذا الكيان الفلسطيني محل منظمة التحرير الفلسطينية بشكل تدريجي، على طريق إنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية، وشطب برنامجها الذي يضمن الحدود الدنيا من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وترابط القضية الوطنية الفلسطينية بين الداخل والشتات .
الشرط الأمريكي ـ الإسرائيلي السابق لاقى قبولاً ضمنياً من القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية، التي استأثرت فيما بعد بقيادة السلطة الفلسطينية، وصارت تقدم صفتها القيادية السلطوية على قيادتها لمنظمة التحرير . ولا يغير من هذا الحكم استقلال التمثيل الفلسطيني في مفاوضات واشنطن، ولا الحضور الرمزي والعابر لمنظمة التحرير الفلسطينية في التوقيع على اتفاق " إعلان المبادئ" أيلول/ سبتمبر 1993 الذي توج القناة الخلفية الأوسلوية، فإعلان المبادئ هذا الذي ولدت من رحمه السلطة الفلسطينية كان إيذاناً ببداية فرض وقائع جديدة على الأرض، تطال بنية النظام السياسي الفلسطيني، غايتها تكريس السلطة الفلسطينية بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية. وهذا تم عملياً في انتخابات 1996 التي جرى فيها انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والعديد من الدول العربية "إضفاء الشرعية على الأهداف الوطنية الفلسطينية، وتكليف قيادة منتخبة متابعتها"، وكان هذا بمثابة أول إعلان رسمي لتجاوز الدور القيادي والتمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية .
وما كان من الممكن تمرير خطة إحلال السلطة الفلسطينية مكان منظمة التحرير الفلسطينية إلا بخلق تداخل واسع في الهياكل القيادية لكل من السلطة الوليدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، لتبدأ بعد ذلك عملية إزاحة تدريجية لصالح السلطة الفلسطينية. فرئيس السلطة الفلسطينية هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومعظم وزرائها هم من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو من أعضاء المجلس المركزي الفلسطيني، بذلك نجحت التغطية على عملية سحب البساط من تحت منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الائتلافية.
مما سبق يتضح لنا بأن إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يتطلب أولاً وقبل كل شيء إزالة التداخل، الذي يصل إلى حد التطابق، بين مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وبين مؤسسات السلطة الفلسطينية، وسحب الصلاحيات القيادية والتمثيلية التي أعطيت لمؤسسات السلطة على حساب صلاحيات مؤسسات منظمة التحرير، وهذا جوهر ما نادى به إعلان القاهرة. لكن ما يجري عملياً وعلى أرض الواقع هو المزيد من تكريس دور مؤسسات السلطة الفلسطينية على حساب دور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية شبه المتلاشي، ولا أدل على ذلك من المعركة الجارية بين محمود عباس وفاروق القدومي حول صلاحيات كل من الدائرة السياسية في منظمة التحرير ووزارة الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية ، وغني عن الذكر أن محمود عباس قد استطاع تحصيل مكاسب كبيرة في هذه المعركة، بدعم دولي مسنود بدعم العديد من العواصم العربية الرئيسية والمقررة.
إن المأزق الداخلي الفلسطيني الراهن يبقي الباب مفتوحاً أمام استمرار الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، واستغلال إسرائيل للتناقضات الداخلية الفلسطينية إلى أبعد الحدود. فخطة الفصل الأحادي الشارونية التي تدفع بها واشنطن لتكون بديلاً عن خطة خارطة الطريق الدولية تحت يافطة أنها التطبيق العلمي للخطة الدولية، أصبحت بمثابة فرض أمر واقع على سلطة فلسطينية منهكة وضعيفة فاقدة للشرعية القانونية والإرادة السياسية، سلطة تعيش صراعات داخلية دامية باتت تهدد وجودها ، وتتخبط وسط حقول من الألغام الإسرائيلية التي لا تستطيع تجاوزها، من جدران الفصل والضم العنصرية، مروراً بتهويد القدس، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى، ومسخ الدولة الفلسطينية الموعودة إلى دولة بحدود مؤقتة غير متواصلة جغرافياً، وصولاً إلى شطب قضية اللاجئين وهذه وحدها كافية لتفجير أي حل يستثنيها .
مع وقت يضيق ويقلص مساحة المناورة، ومشروع شاروني مدمر يطبق على الأرض، فإن قبول الفلسطينيين بأنصاف الحلول لمأزقهم الداخلي لم يعد ذا جدوى، والكرة في ملعب المعارضة، فهي إن أحسنت إدارة المعركة بسياسة ومواقف موحّدة ستستطيع أن تفرض كرزمة واحدة كل ما تم الاتفاق عليه بإعلان القاهرة، وعليها أن لا تنتظر أن تُقدم السلطة الفلسطينية من تلقاء نفسها على تنفيذ إصلاحات جذرية في مؤسساتها، وتصويب خطها السياسي، فهذا الأمر يحتاج إلى إرادة تفتقدها السلطة، بل وأكثر من ذلك فإن مصالح التيار المهيمن عليها تتعارض مع مبادئ الإصلاح الديمقراطي والتغيير في النهج السياسي. وعلى كل أطراف المعارضة أن تحسم خياراتها، وأن تتوحد على إرادة سياسية، لتبدأ في مسيرة إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تجعل من ذلك معركتها الرئيسية، تُقدمُ على كل المعارك الفرعية، فأي نصر في الانتخابات التشريعية والبلدية لا يمكن له أن يرقى إلى مصاف هذا الهدف المركزي، بما هو ركيزة لبناء استراتيجية فلسطينية موحدة، تعيد التلاحم لعناصر القضية الفلسطينية، وتعيد توحيد نضال الفلسطينيين في الوطن والشتات. وإلا فإن وجهة النظر التي ستسود هي" التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية كلزوم ما لا يلزم " إلى حين إعلان وفاتها، وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل ومن ورائها واشنطن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس