الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمانة الميزان: كُن معارضًا.

مختار سعد شحاته

2014 / 5 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


رمانة ميزان:

أذكر بعد أيام في وقفة خاصة على هامش فعالية ثقافية ما، التقيت بالروائي صنع الله إبراهيم، وتحدثنا عن الوضع الراهن –لحظتها- في مصر، وربما يتلخص كل ما "نصحني" به عمنا "صنع الله" حين كلمته إذ أمسك بكوعي:
-"اختر الفصيل اللي تحس إنه ينفع يبقى معارض".
وحين سألته لماذا يتوجب على الكُتاب أن يظلوا على الجانب الآخر من السلطة، وأن يُحسبوا على الدوام في حسابات المعارضين والمعارضة، قال بثبات وإيمان –اعتقدته لحظتها-:
- "الكاتب مينفعشي يبقى بتاع السلطة، مينفعشي يبقى مهرج".
ظلت هذه الكلمة -التي ربما نساها صنع الله إبراهيم، وربما نسى اللقاء نفسه ولا يذكره للأبد- ترن في أذني طوال الوقت، وعرفتُ أني بقدر ما على طريق صحيح، وكلما لاح أمامي موقف ما لكاتب ما أو مبدع؛ عرفت كم المهرجين الذين يعجّ بهم الحال المصري، بل لا أخفي سرًا أن الكلمة صارت في كثير من الأشياء "رمانة ميزان" أُهرع إليها لتدلني على الصواب. وبهذه الرمانة غفرت لدكتور محمد البرادعي موقفه الذي خالف موقفي إزاء فض اعتصامي رابعة والنهضة وأسبابه، لكنه أبدا لم يفلح مع آخرين حين رأيتهم يضربون بقاعدتي –التي صارت ذهبية لي- عرض الحائط، ويعلنون –من وجهة نظري- في تبجح مواقفهم المؤيدة للسلطة والسلطان، وكأنهم يعتمدون قاعدة أخرى ذهبية لهم غير التي علمني وصدمني بها عمنا "صنع الله" بتخليه عنها، واستبدلوها بقاعدتهم "اللي يتجوز أمي يبقى عمي"، وهم كثير، فقط تأملهم في الفضائيات وفي جرائد يومية.

ليه يا عمي "صنع الله"؟!:
صدمني موقف عمنا "صنع الله" كما غيره ممن قالوا بأنهم يمارسون المهنة، وظللت أسأل "ليه يا عمي صنع الله؟!! وهنا ربما أغضب قليلا فلا أذكر أسماء هؤلاء الذين ظننتهم كما قال لي عمنا كُتابًا، فاعتقدت –بسذاجة- كونهم من أهل المعارضة.
والمعارضة هنا بمعناها الصحيح لا بمعناها الذي يظنه أو يعتقده أصحاب التيارات المنحرفة فكريا واجتماعيا بتطرفها وإرهابها للشارع، أو بتكفيرها أو شكها في طبيعة خلق الله كالشك في أن تكون المرأة إنسانًا كاملا، بوضوح وشفافية هي معارضة تشبه تلك المعارضة التي دفع رموز الفكر ثمنها على مر العصور لا معارضة هؤلاء الذين روعوا ورهبوا الناس، ولو بالإشارة إليه، أو بالتفتيش الدائم عن مكنون قلوبهم.
لعل الصادم لي بشكل شخصي؛ كيف يمكن للمرء أن يتبدل بتلك السهولة؟! كيف للكاتب بشكل خاص أن يتنازل بتلك السهولة؟! فكيف تخلى "عمنا صنع الله إبراهيم" عما ظل يؤكده لي:
- "خليك دايما معارض، حتى لو اللي معاك كانوا في الحكم"؟!
- من أين استطاع فصيل ما أو مجموعة ما أن تغير في قناعات الرجل؟!!
وهنا لا أقف عند صنع الله إبراهيم –وأكرر الذي ربما لا يذكر اللقاء ولا يذكرني بشكل شخصي بعينه- بل أسأل نفسي قبله:
- "هل يمكن للشخص أن يُبدل قناعاته الفكرية التي دفع ثمنها ربما من حريته وحرية إبداعه في وقت ما؟! هل هكذا يصل الحال بنا معشر الذين نحلم بحمل مشعل الرواية والكتابة بعد جيل تربينا على كتاباته، فنصبح في كنف السلطة بمعنى الكنف الشرقي لا الكنف والفهم الغربي من الحكومات الغربية للمبدعين والمفكرين والكتاب والفنانيين؟!

علي بابا يشبه عرّام:
نعم، على بابا يشبه عرّام، وعرّام يبدو انه يشبه على بابا، وعليه ربما حان الوقت لتسود ثقافة جديدة، ويسود جيل جيد يأتي على قمة هرمه كتابات باولو كويهلي عالميا وعلاء الأسواني محليا، وهشام الجخ وغيرهم ممن لا يمثل سوى ثقافة الرداءة ويؤصل لها بعمق، حتى لا تصدم حين ينبري كثير ممن يصفون أنفسهم باللقب المطاطي "مثقف/ أديب/ كاتب/ ..." وفوضى الألفاظ المطاطة تلك، تسأله فيخبرك بعجرفة زائدة أن "باولو" أعظم من "ماركيز"، دون أن يجتهد في سؤال أمريكي لاتيني او جنوبي واحد عن رأي الوسط الثقافي فيه.
ربما أستحضر في حادثة شخصية هنا، حين كنت في شارع القصر العيني مع صديق برازيلي، أظنه شغوف بالأدب، وطلبت منه التوقف لشراء مجموعة من روايات كويلي في صيف 2010، فاندهش:
- "كويهلي؟!! أنت بتقرا الخراااا ده إزاي؟!!"..
وحين أنهيت قراءاتي له بعدها بعام وبشكل شبه كامل.. أدركت ما أردفه الصديق:
- "دا علاء الأسواني بتاع البرازيل!!".
يتناص مع الحدث حدث آخر، حين ترى البعض يدافع باستماتة عن هشام الجح ويقدمه باعتباره "شاعر المليون"، أي مليون؟! هكذا أعرف أن المعايير تتبدل، وأن ثقافة "السبوبة" كما يحب صديقي الرائع الموهوب "الشاعر/ وليد علاء الدين" أن يصرح لي، ثقافة تسود بشراهة وتستخدم كل الأسباب لضمان الاستمرارية والبقاء.

احذروا.. منطق السبوبة ينتصر:
يبقى السؤال معلقا في ذهني، هل استطاعة تلك الثقافة أن تغير في قواعد المثقف والمتابع الذهبية، فجعلت من الانتماء إلى السلطة والجماعة الأكثر حظوة هاجسًا يسيطر بدلا من الانتساب إلى صفوف المعارضين بحق وصدق؟!
- "هل يمكن لثقافة "السبوبة" أن تنجح في الوصول بفكرها وإعلامها الممنهج وغير الممنهج، ومن جعل رجلا مثل عمنا صنع الله إبراهيم يغير قاعدته الذهبية التي علمنيها ويقبل بسطوة منطق السبوبة"؟!
لم أجتهد للحقيقة، فأنا بشكل أدبي أحب الرجل بقدر، وهو ما دفعني لأُرقِّي السؤال ليصبح:
- "كيف استطاعت تلك السطحية والسلطوية والسبوبة أن تجعل من المعارض الحقيقي يتحول إلى مؤيد ومروج لها؟!! بل تجعله يُثمِّن دورها ويُلح عليه، باعتباره من الحاجات الأساسية في لحظتنا الآنية؟!! وكيف يمكن أن تكون الأسباب الإنسانية والأدبية التي جعلت أمثال عمنا "صنع الله" يتخلى خلال شهور عن قاعدته الذهبيه (كن معارضًا على الدوام؛ تكن حقيقيًا وتضمن الكتابة الحقيقية)"؟!!
عمنا الأديب وغيره ممن أحترمهم، ربما اختلط الحال علي أنا في تقييم الوجهة الصحيحة، لكن أنتم أصحاب التاريخ الأدبي المشرف كيف؟ أين راحت كل خبراتكم تلك؟ وأين أنتم منا لو تذكرتكم مقالتكم لنا "كونوا معارضين تكونوا حقيقين، وتشعرون بإنسانيتكم أكثر".

صوتي في الانتخابات الرئاسية:
ستمر مصر بتجربة الانتخابات الرئاسية، وستختبرنا التجربة جميعنا بكل توجهاتنا وبكل دواخلنا، وسينقسم الشارع من جديد، لكن لن أتخلى عن قاعدتي الذهبية، ولن أقرأ باولو كويلي ولن أناقش روايات علاء الأسواني، ولن يصبح هشام الجخ بفيديوهاته على يوتيوب من قائمة مشاهداتي أبدًا..
عمنا صنع الله وآخرون، أما آن الأوان لنتسلم الراية، وأن يكون لنا الحق في تغيير قماشتها التي يبدو أنها بليت طوال سنيين في عهدتكم، وهو ليس عيبا فيكم بقدر ما هو عيب في القماشة نفسها التي تصنع منها الراية.
عفوا أنا أصوت إلى مرشح احتمالات أن يكون معارضًا أكبر بكثير من احتمال واحد أن يكون رئيسًا لمصر.

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي
مصر/ الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يجني البريطانيون ثمار اختيارهم السياسي بعد فوز حزب العمال


.. البارون واجيد خان: حزب العمال البريطاني حريص على السلام في ا




.. ديفيد لامي من أصغر نواب حزب العمال إلى وزير خارجية بريطانيا


.. بعد اكتساح حزب العمال.. لماذا توجهت بوصلة الناخبين في بريطان




.. كل يوم - شردي :حزب العمال في المملكة المتحدة أقرب إلي المصا