الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنكشتاين ماري شيلي خارج حدود الزمن والمكان

محمد الذهبي

2014 / 5 / 16
الادب والفن



ماري شيلي الكاتبة الانكليزية وزوجة الشاعر بيرسي بيش شيلي، ولدت في لندن لاب كاتب وام كاتبة، وكانت اولى رواياتها فرنكشتاين او بروميثيوس الحديث، وهنا بالضبط نلحظ فكرة التمرد على الآلهة، وفي تصريحات عديدة، لم تكن الرواية تمثل فنتازيا محددة بقدر ماتعني التمرد والانعتاق من تبعية المخلوق للخالق، مايعني ان الخيال العلمي يختفي لتحل محله الرمزية، والتي ارادت من خلالها ماري شيلي ان تقول ان ثمة شيء ناقص في هذا الوجود ، ولذا ثارت ثورة المسخ ضد خالقه وهدده بعقوبات متعددة، لتنتقل بعدها الى غربة الانسان العادي واغترابه عن ابناء جيله في متوالية رائعة ارادت من خلالها ان تناقش الوجود الانساني برمته، سانتقم منك ياخالقي لانك خلقتني وحيدا، هذا ما صرح به مخلوق فرنكشتاين المسخ، والذي طالب خالقه ان يخرجه من وحدته، وسيأمن عقابه، وسيرحل بعيدا عنه بلا طاعات او فروض اخرى، هل لاحظ احد الثيمة التي لم ترد ان تطرحها ماري شيلي، ان المخلوق بدأ يهدد الخالق، وهذا الطرح لم يكن مجانيا، جاء نتيجة للابحاث العلمية المتسارعة التي بلغت ذروتها في بحوث الفضاء والتلسكوبات، والاحاطة بالكواكب، وسواها من علوم وصلت اوج عظمتها في عصر نهضة اوربا، كانت تريد ان تقول ان المخلوق قادم ليكشف غياهب الوجود التي ظلت الغازا لعصورطويلة.
وهذا مايتحقق فعلا الآن على ايدي علماء متعددين، لم تعد قضية الخلق تخضع للسحر والمعابد والتكهنات، لقد فسر الانسان كثيرا من الظواهر الحياتية، واستطاع ان يسبر غور الكثير من المجاهيل في هذا العالم، وهذا يعني ان ماري شيلي وضعت العربة على السكة حين توقعت ان يكون المسخ اقوى من فرنكشتاين بالرغم من ملاحقة الاخير له، اما بكاؤه المر لموت خالقه، فهو لم يكن ينبع من عاطفة رقيقة، فقد كان يردد : ايه ياخالقي المسكين، لقد حزن مخلوق فرنكشتاين على موت الخالق لانه فقد املا كان يعيش عليه،و ذهب حلم ان يحضى بحواء اخرى يصنعها فرنكشتاين، وهذا ما رأيناه يفعله حين استكمل فرنكشتاين المسخ الانثى، لكنه تراجع في آخر لحظة عن بث الروح فيها، وكان المسخ يراقبه فصرخ فيه، وقال له: سآتيك ليلة زفافك، وهكذا انتقم المخلوق من الخالق، حتى انه كان اكثر قوة منه وحركة، كان يستطيع الصمود امام البرد القارس، فاستدرج فرنكشتاين الى القطب الشمالي، وكان يشدد على انه يمتلك معدة تهضم اي شيء فقد اعتاد على تناول الحشائش.
ان شمولية طرح المخلوق المسخ للطالب فرنكشتاين كانت تتعدى حدود الزمن والمكان، فمن الممكن ان يكون هذا المخلوق باي مكان وتحت وطأة اي زمن، لكنه كان يعاني من الوحدة، لم يكن شريرا بطبعه وانما صار كذلك لانه حرم نوعه الذي توسل من اجل خلقه، ولكنه اصطدم بخوف خالقه وهلعه، لم يكن محبوبا، ولم يكن ذا هيئة جميلة، ولذا كان وحيدا يملأ الجبال والغابات ويستطيع الظهور متى شاء فهو يشم رائحة خالقه اينما كان، في حين نلتقي بمخلوق آخر وجد لزمن معين ولمكان معين ايضا ووجد للانتقام ليس من خالقه وانما من اشخاص عاديين، لينتقم لقطعة غرزها هادي العتاك بدون اية دراسة او دراية علمية، فكان فرنكشتاين احمد سعداوي الذي يمثل ضيقا في الرؤية وتطفلا على الرواية الام التي وضعتها ماري شيلي، لم تكن الاهداف متشابهة، ولم يكن فرنكشتاين او مسخ سعداوي سوى خليط من اصناف متنازعة يحاول الانتقام دائما من هذا الخليط غير المتجانس فيوزع جرائمه على ابي غريب والدورة والباب الشرقي والبتاويين والثورة، مخلوق يمثل مرحلة زمنية بعينها، ومفهوما واحدا انتعش بعد 2003، ولذا كان هزيلا تسيل جراحه دائما ويستطيع استبدال اي جزء تالف من هيكله اللحمي المستعار من جثث ضحايا التفجيرات، لقد حصرت شيلي مخلوقها القوي وسط حبه للناس وتمنيه الانتماء الى عائلة، وركزت على امر مهم هو الشعور بالدفء، في حين كان الشسمة ينطط ويغادر الامكنة للثأر والانتقام لقطعة في جسده توجهه على موضع قاتلها، روح الحارس البريئة تمتلك كل هذه الشرور، ام اللعنة التي القتها والدة دانيال لفقدانها ابنها الوحيد، لايمكن للاشياء ان تكون بهذا الحجم من الغباء، لاوجود لتفسيرات كبيرة من نوع فرنكشتاين ماري شيلي، هناك انغلاق فكري وهدف دنيوي لايرقى الى محاسبة الوجود او التطهر من مآسيه وذنوبه، يشترك عمل ماري شيلي الكبير مع عمل احمد سعداوي كنسخة مكررة لمعاناة الوجود في ثيمة واحدة، او حبكة واحدة، ولكنهما يختلفان في رسم صورة الوجود، الوجود الذي رسمته ماري شيلي كان وجودا مهددا بالتفسير وانتصار المخلوق في النهاية، اما مارسمه سعداوي فقد كان عالما لايتجاوز حدود خارطته، لتكون جغرافيا العمل تدور بين البتاويين والدورة والوزيرية، ليعرج من خلالها على صورة الاتباع والمريدين الذين يفتدون المسخ بارواحهم ويزودونه قطع غيار من اجسادهم يحتاج اليها في استبدال مايتلف لديه، كل هذا يجري وسط خوف هادي العتاك وانزوائه، وهذه ليست من صفات الخالق في شيء حيث نراه في فرنكشتاين الاصلية يطارد المخلوق للاقتصاص منه، لم يكن المسخ في رواية ماري شيلي قد خلق على اساس نكسة مجتمعية او على انقاض حرب اهلية، او حالات من القتل المتعمد الارهاب، وانما جاء كفكرة علمية خالصة وكدليل على تطور المخلوق الذي ظل يراقب الكون لعصور كثيرة، لكنه في النهاية استطاع ان يمسك ناصية العلم ليدخل من خلالها الى الغاز الوجود فيفسرها تفسيرا علميا محظا، مايعني ان احمد سعداوي اطر الفكرة بمفهوم آخر مختلف يخضع لظروف الحرب والانفجارات في العراق، في حين تركت شيلي الباب مفتوحا امام رؤانا وتكهناتنا وخيالنا الواسع، هذا مع ملاحظة الاختلاف الزمني في الكتابة ، فقد كتبت شيلي روايتها في زمن امتاز بنهضة علمية كبيرة، حيث كان الوجود اول شيء يرميه الكتاب والمثقفون، فقد اعلن نيتشه قبلها عن موت الله، وجاءت شيلي لتتبع اثر الثورة العلمية وتجعل الانسان سيد الموقف في قضية الخلق، هناك الكثير الذي شجع شيلي على هذا وهناك نظريات طرقت قضية النشوء واصل الانسان، هذا كله يجعل فرنكشتاين شيلي اكثر تحررا وانفتاحا واكثر ملاءمة للذوق والفكر معا ، فهو غير محاط بسور الزمن القاهر وانما كان متحررا ولم يهاجم الا الذين يحبهم خالقه في صورة للضغط عليه من اجل اكمال نوعه فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج