الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تكتب العالمة بقلب طفل لا يكبر أبدًا...( قراءة في رواية -أرض الصبر.. المملكة العتيقة- لدكتورة -عصمت حسن-)

مختار سعد شحاته

2014 / 5 / 17
الادب والفن


الأدب مصنع ثقافي:
اعتبر نفسي أحد هؤلاء المؤمنيين بأن الأدب "مصنع ثقافي" يمكن فيه تصنيع مادة من خيال صرف، أو من واقع مرّ تحوله تلك الصناعة إلى واقع سحري يتماهى بسحريته تلك مع تفاصيل عديدة من حياة المجتمع، بل ويتناص مع حالات بعينها ربما تعرفها بشخوصها حين تتلبسك حالة التأويل للنص المكتوب. ولا أنكر بشكل ما انحيازي نحو الخيال الخام الذي تخرجه آلة الإبداع الأدبية في هذا المصنع الثقافي، فأجدني أميل بطبعي إلى هؤلاء الأدباء من خلفيات نظرية في دراستها لا عملية، أي أميل إلى كُتاب الأدب من خريجي المدارس الأدبية والكليات النظرية أكثر من ميلي لنظراء من الكليات العلمية، ونادرا ما أستمتع بكاتب له خلفية عمليه، تعتد طوال سنوات خبرتها الحياتية على مباديء الجبر والحساب والحامض والقلوي، لكن دومًا يثبت المبدع بأنه أحد هؤلاء الخارجين عن أحكام المنطق والقوانيين، فإذا بطبيب يبهرك حين يكتب، وإذ بمهندس يفعل الأعاجيب حين يبني بناياته الأدبية، وللحقيقة هم نُدرة. فجُل هؤلاء أنتجوا لنا أدبًا يشبه أدب عظام الروائيين والشعراءفي قصصهم وقصائدهم الأدبية وكتاباتهم الأدبية، والتي عليها ملاحظات أدبية وتنظيرية كثيرة، لكنها لا تقدح في تذوقه الأدبي أو ذائقته الأدبية من طريق آخر.

كتابة بطعم خاص:
شرفت بقراءة رواية "بيت صغير من شبرا" للدكتورة عصمت حسن أستاذة النبات، وانفعلت بحكيها المطرد والسهل البسيط، بساطة عرفتها عنها حين قابلتها بشكل شخصي، وعرفت كتابتها للخواطر الشعرية قبل امتهانها البحث العلمي بجدارة ونبوغ عالمي يعرف المتخصصون في المركز القومي للأبحاث الكائن في جوار جامعة القاهرة، وهو ما أيّد نظرية شخصية أُلزم بها نفسي، مفادها أن الكاتب الذي مارس الشعر بأية درجة هو أهل للكتابة وخبرتها و"حرفنتها" عن آخر تعامل مع الأمر بمحض كونه موهبة وفقط، ويجب تدعيمها بالقراءة والورش العلمية، وهو يناقض كل المحاولات التي تحاول –في نظري- قسرًا وضع الخطوط العريضة لكتابة الرواية وتوصيف مدارس لكتابتها، إذ أرى الرواية بحق مهما كانت جنسًا ادبيًا متمايزًا وماتعًا وشكل ثقافي اشتمالي شبه موسوعي، وهو ما يوجب آليات ما يجب أن يتمكن منها الروائي الموهوب، وفي النهاية وبعد أن تدخل "مصنعه الثقافي"، له الحق وآلته ومصنعه أن يخرج العمل كيفما يرى.

رواية "أرض الصبر.. المملكة العتيقة":
وهنا وفي رواية "أرض الصبر.. المملكة العتيقة" لكاتبتها الأستاذة الدكتورة عصمت حسن، ستجد منهجًا مقاربًا من منهج الكتابة في روايتها "بيت صغير من شبرا"، يجعل من الحكاية المباشرة البسيطة والقدرة على الحكي المسترسل ببساطة تصل في بعض الأحيان حين تمتزج في مصنع عصمت حسن الثقافي، أن تصل بها إلى منتج قريب الشبه من "حواديت الجدة قبل النوم"، بكل ما تعنيه الكلمة واللفظة من حدوته، بها ما يحتمله المنطق لطفل صغير، ولا ينكره الكبير بل يستمتع بخيالها البريء، والمباشر بنصحه ونصيحته في مواضع كثير، والذي يجيء بتعابيره وتعبيراته وكأنه على لسان خيال طفلة تتذكر حكايات قبل النوم، وتمزجها بواقع تعليمها العالي، وأحلامهما العلمية المشروعية كباحثة لها ثقل وشأن.
"أرض الصبر" كما أسمتها لي صاحبتها، والصادرة عن دار كلمة للنشر والتوزيع في 2013، تحكي حياة بسيطة عن باحثة لها سجال ما في الرواية لن أحرقه هنا، لكنها ترصد بقلب الطفلة البريء ووعي العالمة الدقيقة وتحاول لمصنعها أن يغلفها بغلاف الفانتازيا، لترمي في قلبك خلسة نوطة ما ناحية هذه "المملكة العتيقة"، وتأصل حزنها فيك، فتضبط نفسك متلبسًا بالانفعال مع تلك البساطة والبراءة التي قاربت سذاجة الطفل حين يحكي بلا معقوليه ويربط بين الخيال والواقع الصادم. ولفظة "الساذج"، ربما هي في البداية تصلح للهجوم القاتل على العمل الأدبي، لكن ريثما تهدأ، وتدخل إلى المملكة من مُدخلها الحقيقي وهو الحكي البريء المجرد، ستدرك على الفور أن تلك السذاجة/ البراءة هي ميزة الكاتبة التي تجعل الحكم الأدبي بقواعد الرواية صعبا للغاية متى أردت أن تحكم تلك القوانيين فيها، وستتأكد بأن الاجحاف كل الاجحاف أن نحكم على قلب الطفل الذي ينبض بالخيال والمحبة والوطنية داخل قلب عصمت حسن، ويرفض ان يكبر، ستراه حكما شديد القسوة غير عادل بالمرة، وما يؤهل للحكم عليها هو تدريب النفس على أن تصغي إلى تلك الطفلة التي لم تنمح في أروقة البحث العلمي طيلة حياة عصمت حسن العلمية الحافلة بالبحث العلمي بين المعامل والأحماض والقلويات وجينات النباتات.

تأتي الرواية في 171 صفحة من القطع الصغير، وغلاف صممه محمد حفاجي، وهو ما جعلني أميل إلى كونه –ربما- واحد من إنتاجها الفني، فالكاتبة والباحثة وجدتها واحدة من هؤلاء المولعين بفن الألوان والرسم، وقد لا تكون من اسكتشات رسوماتها. في صفحة الإهداء تهدي روايتها إلى أبنائها الثلاثة، وهو ما جعلني أراه أنسب الإهداءات، وكانها في روايتها هنا تحكي لأطفالها لا أولادها البالغين "حدوتة قبل النوم"، تعويضا لهم عما قد يكون أخذه بحثها العلمي بين أنابيب الاختبار من خصوصية وقتها معهم.

قبل قراءة المملكة العتيقة يلزمك براءة ما:
الرواية كما قلت تحكي سيرة وسجال بين عالمة وبين الدولة بأجهزتها، وتعرج ما بين الخيال والمأمول بمباشرة وطبيعية وبين الواقع المعكوس بمباشرة، لكنها لم تعف الكاتبة في النهاية بأن تطلق نبوءتها فتبشر بأمر ما، وتُصر عليه بين ثنايا زياراتها لممالك مجاورة لمملكتها العتيقة، وكما أنف لا أود حرق الأحداث، وأنصح بقراءتها بقلب الطفل لا عين الناقد. ربما يجد القاريء من الإهداء كما أوضحت مدخلا آخرًا للحكم على "الحدوتة" برمتها، ولك أن تقبلها ببساطتها تلك، ولك أن تتهمها بحذلقة قوانيين الكتابة وتنظيرات المدارس الأدبية وتمارين ورش الكتابة الإبداعية، في النهاية أنت سيد قرارك، لكن فقط انتبه كما انتبهت عصمت حسن إلى الطفل في قلبها، وانتبه إلى الطفل في قلبك، واعلم أنه لا ضير أن يبقى الإنسان –حتى العالم الأستاذ الدكتور- يحيا حياة العلم بقلب هذا الطفل البريء والمتخم بالأحلام والخيال الذي يكبر معه ومع علمه ويحتويه قلبه على الدوام.
سترى في "المملكة العتيقة" صرخة مكتومة لهذه المرأة بعمومها في تاريخنا الإنساني، تلك التي تحمل الكثير من أعباء هذا المجتمع، ومهضومة الحق في كثير من زواياه تحت غبن ذكوريته التي استطاع الكثير أن يجد لها شفيعا من لي عنق النص المقدس أو التأويل الديني أو المجتمعي، والتي لا تخرج عن كونها واحدة من معاركها الأزلية مع المجتمعات الذكورية الأبوية الشمولية، التي ترفض في بعض الأحيان مجرد الاعتراف بواقع فضلها وتميزها، بل وتراه من العار بقدر ما.
في أرض الصبر سترى حلم العالم والباحث في وطن يعرف كيف يكون محفزًا إلى مزيد من النبوغ ومزيد من الإلهام، وكيف يمكن أن يتحقق في داخلنا تجاه أوطاننا تلك المعادلة الصعبة على غير الأمهات والتي يلخصها عبقرية المثل الشعبي حين يحكي عن حال الأمهات مع أولادهن، "أدعي على ابني وأكره اللي يقول آمين"، هكذا ستجد عصمت حسن وبطلتها "أمل"، والتي اختارت لها الاسم بدلالة مباشرة وبسيطة وبعيدة عن عوالم التعقيد السردي التي يضلع فيها البعض ويتحاذقون بها.
ختامـــــًا:
صدقني لن تعدم الخيال، ولا الضحك ولا الاستشراف لمستقبل أمة المملكة العتيقة مع "أمل" بطلة حكايتنا تلك، والتي أظنها شخصا أنتجه مصنع عصمت حسن الثقافي وهي مستندة بظهرها على آلة مصنعها ذاك فطبعت ربما- بعض مفردات واقعها الشخصي والعلمي والأخلاقي والوطني وكل شخصيتها على منتجها الأدبي في شخصية "أمل"، والتي تظل طوال الوقت ترسخ فيك الدرس بحرفة المرأة، وتدعو على ابنها وفي صميم قلبها تكره من سيقول آمين.
للمرة الأخيرة، ليس إنصافًا ان نحكم على مثل هذا الحكي بمعايير الكتابة السردية للرواية الحديثة، إذ تأخذ الحوارات شكلا مسرحيا مرة، وأخرى خطابيًا مباشرًا، أو وصفًا طويلا، لكن ومتى وضعناها في ميزان النقد فلنضعها قبلها في ميزان الحكي البريء بمنطق قلب الطفل الحالم الذي تعدى عمره الستين.

مختار سعد شحاته
Bo Mima
روائي.
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت


.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو




.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??


.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده




.. أون سيت - فيلم عصابة الماكس يحقق 18 مليون جنيه | لقاء مع نجو