الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل {ضياع في حفر الباطن}الوثائقية خطوة نحو الدرامية

عالية خليل ابراهيم

2014 / 5 / 17
الادب والفن


للمرة الاولى منذ تأسيسها تنهض شبكة الاعلام العراقي بأنتاج عمل درامي بأهمية وفنية مسلسل {ضياع في حفر الباطن}،المسلسل والذي سأطلق عليه اسم الضياع اختصارا او لان كلمة الضياع تلخص موضوع العمل والرسالة التي اراد ايصالها للمتلقي يعد البداية الناجحة لانتاج شبكة الاعلام العراقي والتي من الممكن ان تكون مؤسسة متخصصة بدعم الفنون ومنها الدراما وذلك لكونها الجهة الاعلامية الوحيدة الممولة برلمانيا وبميزانية كبيرة وعلى عاتقها تقع مسؤولية المساهمة في تطوير الفنون والرقي بها لنقل صورة ايجابية للعالم عن البلد المغدور سياسيا واعلاميا.
المسلسل يعد ناجحا بمواصفات النجاح للدراما العراقية بخبراتها المحدودة ولبنيتها التحتية المتواضعة ،فلا يمكن مقارنة العمل بالدراما المصرية صاحبة الخبرة الواسعة والكوادر المحترفة،والتي قدمت اعمالا في هذا العام تحديدا ذات جودة فنية عالية جدا. العمل كان ناجحا لانه صناعه من الشباب الموهوبين الذين يدفعهم للتميز والمثابرة وعيهم الثقافي وايمانهم في قيمة ومصداقية ما يقدمونه للجمهور.المخرج{طالب مهدي} هو البطل الاول للعمل والذي نفذ واشرف ونظم وادار كادره الفني{تنفيذ الانتاج،مونتاج،ديكور،ازياء،ممثلون،تصوير،الاضاءة،موسيقى تصويرية،مكياج الخ}بمواصفات حرفية جيدة يشعر بها المشاهد العادي قبل ان يعرف تفاصيلها المتابع المتخصص.
السيناريو الذي كتبه احمد السعداوي عن رواية لعبد الكريم العبيدي تميز من ناحية الموضوع المطروح بذكاء الاختيار وجرأة الطرح كونه تطرق لنقطة مركزية في تاريخ العراق المعاصر، وهي انتفاضة 1991،ارهاصاتها وتداعياتها،من الناحية الدرامية ،فالرواية مليئة بالاحداث وتعدد الشخصيات ممايؤهلها للأنتقال بسهولة الى لغة السرد الى الصورة،واذا ما دخل عنصر الحرب في الصورة فأنها ستكون اكثر ثراء بصريا واحتداما دراماتيكيا وقوة في التأثير،سيناريو المسلسل كتب بشكل يوازن بين مستويين هما الحرب والسلم في تلك الحقبة ، بناء الحبكة الدرامية يتحرك بين هذيين المستوين،الحرب في الجبهة او في المدن اثناء الانتفاضة وتقابلها الحياة الاجتماعية للناس ،المشهد الاجتماعي هادئ وبطئ ومنساب يقابله مشهد حرب سريع وصاخب وعنيف ،المشهد الاجتماعي يكون كوميديا/مشهد الحرب يكون تراجيديا،واحيانا عندما تصل التراجيديا الى ذروتها تتحول الى سخرية مريرة يدمج فيها الضحك مع البكاء،مأساة الوطن مع مأساة الانسان،وقد كانت مشاهد مؤثرة تلك التي كان الجنود فيها يرقصون على وقع الهزيمة {هيه يا اهل العمارة هاي اجمل بشارة}،الحوار كان مكثفا وسريعا ومعبرا ولذلك كانت المشاهد قصيرة ،عدم الاطالة في الحوار وقصر المشاهد وتبادلها بين الصخب والهدوء كان اهم شئ نجح فيه كاتب السيناريو والمخرج بذات الوقت في جعل ايقاع المسلسل حيويا وجذابا ومتدفقا،وبذلك تجاوزا اهم العوائق التي تمنع الدراما العراقية من النجاح ،اطالة الحوار ورتابته،وبطئ الايقاع الذي يفتقد لعنصر السرعة والتناوب
واذا كانت ايجابيات العمل متعددة وقد يطول الحديث عنها،فأن اهم نقاط ضعفه هو الدوران من الحلقة الاولى وحتى الاخيرة في دائرة الحدث التاريخي،فالسيناريو سواء اكان في اصل الرواية او في الاعداد التلفزيوني لها لم يستطع ان ينضج قصة اجتماعية مكتملة العناصر بأطار درامي يتميز بالادراك الاجتماعي الجدلي للواقع السياسي العراقي ،هذا الوعي الاجتماعي للطبقات وايضا السايكلوجي للشخصية العراقية ودمجها بتوجهات الانظمة السياسية هو مايطلب من الدراما الحقة ،فكرة الصراع المتعدد الاقطاب والمحاور، فالذي شاهدناه هو ان النظام السياسي البائد كان يظلم شعبا من الملائكة او الطيبين؟فتصوير المظالم ونقلها للمتلقي على اهميتها الفنية لكنها لا توضع في خانة الدراما الا اذا الهبت الجذوة الكامنة في الصراع الملحمي المتعدد البؤروالنتوءات ولذلك فأن تضخم الحدث السياسي التاريخي وتقزم الاطار الاجتماعي المتخيل قد جعل سيناريو المسلسل اقرب الى الوثائقية منه الى الدرامية،فالمشاهد العراقي الذي عايش احداث الانتفاضة وما بعدها لا يجد في احداث المسلسل شيئا جديدا او معلومة جديدة او حدثا يلفت انتباهه او شخصية يتفاعل معها،فالحدث في المسلسل تاريخي بغالبيته بأستثناء حدث ضياع الجنود في حفر الباطن ومن ثم وقوعهم اسرى في ايد الامريكان،وحتى هذا الحدث من الممكن ارجاعه الى حاضنة تاريخية ،فالضياع نتيجة بديهية في حرب غيرمنصفة كتلك التي تعرض لها الشعب العراقي.
شخصيات المسلسل على كثرتها لم تفعل سايكلوجيا ودراميا ،فنلاحظ شخصيات الاباء متشابهة وليس فيها عمق،اداء ممثلين مقتدرين مثل ميمون الخالدي وستارالبصري،هو من اعطى الشخصيتين حضورا ،شخصيات الامهات كذلك فهن نائحات مولولات جميعهن،اراد كاتب السيناريو ان يقول ان حزن الامهات العراقيات لايعادله حزن وهذا الحزن والالم هو الذي خسف بالنظام السابق الارض،او كما قال احد الكتاب{الحرب الحقة ليست على جبهات القتال هناك وانما هنا في قلوب الامهات}،ان توثيق حزن الام العراقية مهم،لكن ان يستوعب جميع الشخصيات النسائية و ان يكون بهذا الشكل الذي صوره المسلسل جاء بتيجة عكسية،فقد بدت المرأة العراقية الجنوبية وكأنه كيان اخرق ضعيف هزيل خائف يدعو للرثاء والسخرية،فالشخصيات الاربعة وهن ام رعد وام حسوني وام علي وام واللواتي ،لم يظهرن الا وهن يبكين ويندبن ويصرخن في جميع المشاهد من دون استثناء,فهل من المعقول ان المراة الجنوبية لاتجيد سوى الندب والنواح؟ ان وقائع الانتفاضة تثبت عكس ذلك ،فقد اسهمت المرأة فيها بشكل فاعل والبعض منهن استشهد او والبعض دخلن المعتقلات وعانين ما يعاني الرجل بصبر وقوة وثبات.
شخصيات البنات الشابات هي الاخرى تكرار لشخصية واحدة ليست لها ابعاد سايكلوجية. شخصية الراقصة نمطية هي الاخرى ولم يعرف ما المغزى من دورها تحديدا ،الاشتغال التشخيصي تركز على الشخصيات الرجالية ،شخصية المثقف اليساري المأزوم السجين السابق،قد لاتبدو شخصيةاستثنائية على المشاهد العراقي فقد قدمت عدة اعمال هذا النموذج خاصة في السنوات الاخيرة بعد التغيير،والمشاهد ايضا مستعدة مسبقا للتعاطف مع شخصية المثقف المطارد سياسيا ،تقديم هذه الشخصية بأحساس وصدق من قبل المؤلف بالاضافة الى الاداء العالي والمميز للممثل جعل منها شخصية ناجحة دراميا،قد تكون شخصية توفيق هي الاهم في المسلسل،المواطن الضعيف الخاوي اخلاقيا وفكريا صنيعة الانظمة وتقلبات الظروف،مواطن يتذبذب بين الصدق والكذب،الانتهازية ونقيضها،النفاق ونقيضه،لكن هذه الشخصية التي بدت جذابة في البداية قد ضيعت بوصلتها المركزية في العمل بوصفها انموذجا شائعا للشخصية العراقية السلبية ،لقد خففت فجأة وضاع وهجها الدرامي بعد فشل الانتفاضة وكان الاجدى سطوعها ونجاحها بعد سيطرة الة القتل والتزييف للنظام ؟
الوثائقية اوقعت المسلسل بالتطويل والاعادة والتكرار، ضعف الجانب المتخييل الاجتماعي وعدم وجود حدث تاريخي مهم بعد الانتفاضة اوقع الاحداث المتبقية للرواية التلفزيونية بدائرة من الرتابة والتمطيط الدرامي، فالعشر حلقات الاخيرة لا مبررلها وكانت مجرد حشو لقطات لاكمال الحلقات حتى نهاية رمضان.
صناع المسلسل اشاروا في النهاية الى ان الغرض من المسلسل هو الثوثيق بسبب ضياع الوثيقة او تضييعها اقليميا ودوليا،واذا كان كل عمل درامي يؤرخ لمعاناة شعب يحمل في بذرته جانبا توثيقا مهما لصراع الشعوب ضد الديكتاتورية ، الا ان الهدف الاسمى للدراما ليس الوقوف على عتبة التوثيق فقط بل تتعداه الى رؤية شاملة لتناقضات الانسان وصراعاته الاجتماعية والفكرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو