الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاني متخفية في صور متحركة /ديوان (ناي الغريبة) أنموذجا

وجدان عبدالعزيز

2014 / 5 / 17
الادب والفن


من خلال المتابعة نؤكد، ان تجربة نجاة الزباير الشعرية، باتت تتصاعد وفق وعي الرؤية التي تمتلكها وتتفاعل معها .. ولما تتحلى به الشاعرة من دفق الصور الشعرية المتحركة، لذا اتخذت تجربتها شكلا شعريا خاصا، بات يتعكز بصورة جلية على البناء المقطعي، وذلك لان (القصيدة الجديدة لم تعد شكلا جاهزا يستقبل كل انواع التجارب باختلاف نماذجها وحساسيتها وعمقها ونضجها، بل هي "عالم ذو ابعاد .. عالم متموج متداخل، كثيف بشفافية، عميق بتلألؤ، تعيش فيها وتعجز عن القبض عليها، تقودك في سديم من المشاعر والاحاسيس، سديم يستقل بنظامه الخاص" بعيدا عن أي خارج على النحو الذي يجب معاينته هو بكل ما ينطوي عليه من خصوصية وتفرد، وعبر قراءة حرة لا تذعن لأي مؤثر خارجي)ص33، لذا فـ(نمط البناء المقطعي في القصيدة الجديدة يعتمد في بنيته الاساس على تعدد مراكز الحدث الشعري، او توزع الحدث الرئيسي على محاور عدة، او تجسيد حالات كثيرة تختلف في مضامينها وطبيعة تجربتها لكنها تلتقي بعضعها البعض بخيط واحد يكون عادة غير مرئي، وهذا نمط مهم من الانماط المركزية في الشعر الجديد)ص33 الاداة، وبهذا استطاعات الشاعرة الزباير، لملمت رؤاها عبر هذا الشكل الشعري الذي اتاحته قصيدة النثر اكثر من غيرها في نقل خلجات الشاعر وترجمتها باتجاه اكتشاف المعاني المتخفية في صورها المتحركة، ابتركداءا من عتبة العنوان (ناي الغريبة) دخولا الى المتون التي لحنت اغاني الشاعرة وخلجاتها واعطتها دفق الحركة باتجاه الاخر، رغم ان الاخر (يلبس خف وسامته)، و(يطارد غزلان وعوده)، الا ان الزباير تديم الصلة من خلال مجمل قصائد الديوان عبر العزف على (ناي الغريبة)، فتلك الغربة التي ترافق الروح وتجعلها (تقرع باب الغواية)، عبر (سبع نبؤات لعشق حزين)، مما جعل المتلقي لقصائد الديوان، ان يعيش حالة الصراع الذاتي في الاكتشاف والبناء اعتمادا على الصورة التي صنعتها ، (فـ"الصورة الشعرية هي التي تتخطى حدود الاشياء، وتكمن في عصب النفس محاولة القبض الشعري على حقائق الاشياء المستترة في اعماق النفس"، مستخدمة في ذلك ما اكتسبته من طاقات فنية جديدة تساعد الشاعر في اكتشاف الجوانب الغامضة في العقل البشري المبدع واضاءتها وتنويرها، وهي تشكل بذلك "اهمية كبرى في التجربة ذاتها)ص87المصدر نفسه، تقول الشاعرة :

(أتجرد مني
اتمدد في هوائك
مهاجرة في أرخبيل عينيك
فيلوح لي المجنون مهرولا
بين دهاليز القصيدة
كانت خطاه تزلزل مجازاتي
فأسرع بين الفواصل
لأراك تمرق من نصي
قلقا
ارقا
فيرحل نهارك
ويمسي قلبي سجينا لديك)

هكذا يتصاعد الصراع الذاتي مع الاخر في حصيلة افتراضية بين دهاليز القصيدة، أي ان الشاعرة تعيش حياة الافتراض مع القصيدة ومن خلال هذا الافتراض، تبدأ تخطو باتجاه تكوين رؤية بحث عن حقيقة تتجلى في الوعي ، أي انطلاقا من لحظات الكتابة باتجاه تكوين رؤية، وهنا يبدأ الوجع .. تقول :

(ففي سلم الجمر
ارتقي وجعي
فأين جياد الصبابة
الضالة في ممرات الليل؟!!)

ومع الوجع تتولد الاسئلة، ليكون الشعر، هو تحفيز على المشاكسة والاعتداء على قانون اللغة المتواضع عليه باتجاه تحميل الكلمات دوال اخرى، تؤدي الى تأزيم الفهم العام، ومحاولة خلق منطقة متميزة صالحة للتأمل لمجمل محيط الوجود .. وخاضعة لاراء عديدة في استرداد المعاني .. وجدل ان الشعر مشروع غير مكتمل، تقول الشاعرة :

(انتظرتك ..
سلام .. سلام
حول قلبي حزمة باردة
لمست امرأة كتف عشقي
فوجدتني اشرق قلقا
يا لصخب هذا الصمت!!
يرقصني
أنا الغريبة
المارة من المساءات السرية)

فهذا القلق هو الكفيل بجعل الشاعرة تحاول بناء مشروع من منظومة الافكار، ومن ثم محاولة اكتمال هذا المشروع الذي يكون في نظر المتلقي غير مكتمل ويمثل تيها مستمرا، بعلة ان الشعر كما هو في المعرفة الجمعية يمثل بلاغة لغوية، وقد لايعني بالافكار العلمية الثابتة .. يدلنا قولها : (كانت أوراق الليل تتساقط/وصقيع الآهات يلف صدري/كيف اهرب مني/ وهذه الرؤيا العارية/تطل من تعبي)، فالتساؤل فما المقصود باوراق الليل؟ وما المقصود بالرؤيا العارية؟ وقد يكون الجواب افتراضي يتعكز على المجازات في هذا الامر.. وهو تعميق لعتبة العنوان (ناي الغريبة)، وبهذا فان الزباير توغل في الاسئلة وتعمد الى تجاوز الزمكانية بقولها : (أوغل في الاسئلة/تضيق بي أزمنتي/فلا مكان/يسع احتراقاتي)، لتبقى تعزف على ناي الآهات .. (كان رينوار يقول ان الفن يكتسب في المتحف، أي هو ليس ومضة عبقرية وكفى، ان الشعر العظيم ـ وكل ادب عظيم عموما ـ هو كالسمفونية الهارموني، تضم اكثر من صوت واتجاه، تتعارض وتتداخل وتتآلف بفعل وعي عبقري تمتلكه روح كلية او نهج شمولي في تفسير الاحساس والادراك. وهذه الروح الكلية او النهج الشمولي هي روح فلسفية.)2، أي بمعنى هناك عبقرية في تعدد الاصوات واثارة الاسئلة، فـ(الشعر والوجود، يشكلان بؤرة رؤيوية تأويلية تعددية تدرك الكينونة بوصفها انفتاحا للموجود، ولذا فما فتئ هيدغر باعتباره باحثا أصيلا في العلاقة التواشجية بين الشعر والوجود، يؤكد "على أن الإنسان لا يستطيع معرفة ما لا يمكن حسابه، أي أن يصونه في حقيقته، إلا انطلاقا من مساءلة خلاقة وقوية تستمد من فضيلة تأمل أصيل، فهذا الأخير يحمل إنسان المستقبل إلى مكانه بين الإثنين: الوجود والموجود، حيث يكون من طبيعة الوجود، والحالة هذه، أن يظل غريبا في قلب الموجود، وهذا المكان هو الكينونة هنا أو الوجود في العالم باعتباره مجالا لدنيا لانفتاح الوجود ولانسجامه واحتجابه في آن معا".)، تقول الشاعرة في قصيدة (سبع نبوءات لعشق حزين) :

(كأني لا أرى
مُدَّ أيها القدر
جناحيك كي أطير
فأسقط في هوة التلاشي
حتى لا أتذكرُني.

النبوءة الأولى:
كم كنت أرقص فوق حبل الريح
أحلم بضفائري تطير هنا وهناك
محملة بعطر البراءة
وكم كنت أردد "واحر قلباه ممن قلبه شبم"*
فأخيط كل الجراحات بخيط دمي.
فكيف ألملم شتات هذا العشق
وأنا معلقة فوق جذع القصيد ؟)

وهكذا فان الشاعرة في جدل مستمر داخل القصيدة، محاولة منها البحث عن الذات، فـ(الذات معناها نشاط موحد مركب للإحساس والتذكر والتصور والشعور والتفكير، وتعتبر نواة الشخصية. وتقسم الذات إلى ذات واقعية وذات مثالية. فالذات الواقعية هي ذات حقيقية أو فعلية تمثل مستوى الاقتدار، في حين أن الذات المثالية هي ذات تطلعية يؤمل منها أن تكون -أي تمثل- ما يطمح الفرد أن يكون أو يصبح. إن الذات بناء معرفي يتكون من أفكار الإنسان عن مختلف نواحي شخصيته فمفهومه عن جسده يمثل الذات البدنية ومفهومه عن بنائه العقلي يمثل مفهوم الذات المعرفية أو العقلية ومفهومه عن سلوكه الاجتماعي مثال للذات الاجتماعية. ويركز علماء النفس الإنساني على بناء الذات عن طريق الخبرات التي تنمو من خلال تفاعل الإنسان مع المحيط الاجتماعي، ويطلقون على العملية الإدراكية في شخصية الإنسان (الذات المدركة) والتي من خلالها تتراكم تلك الخبرات، فيتم بناء الذات ويكُون الفرد مفهوماً ًعن ذاته. ولما كانت الذات هي شعور الفرد بكيانه المستمر وهي كما يدركها وهي الهوية الخاصة به وشخصيته، فإن فهم الذات يكون عبارة عن تقييم الفرد لنفسه، أو بتعبير آخر هو مجموعة مدركات ومشاعر لدى كل فرد عن نفسه.)، والشعر والشاعر يبحثان في القضايا المثالية ، وكل شاعر يبحث عن ذات مثالية يتلبسها ويتقنع بها، كون الشعر عالم افتراضي، منفتح يتشكل بلاغيا في ذهن الشاعر .. هكذا كان مسار الشاعرة نجاة الزباير في مجمل انتاجها الشعري الذي تعكز على المثاقفة والتناصات والبحث عن الحقيقة الجمالية للوجود والحياة، ولا يخلو من البحث عن الماهية والذات والاخر، والتزمت في جل شعرها بالنمط المقطعي كشكل لقصائدها ...


مصادر البحث :

1 ـ كتاب (عضوية الأداة الشعرية) أ.د.محمد صابر عبيد سلسلة كتاب جريدة الصباح الثقافي رقم 14 2008م ص33و87

2 ـ كتاب (في الأدب الفلسفي) / الدكتور محمد شفيق شيّا / مؤسسة نوفل ـ بيروت ـ لبنان ط1لسنة 1980 ص106ـ107

3 ـ ديوان (ناي الغريبة) للشاعرة نجاة الزباير/نشر افروديت/الطبعة الاولى 2013م مراكش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها


.. الناقد الفني أسامة ألفا: السوشيال ميديا أظهرت نوع جديد من ال




.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي