الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة / السور

فكرى عمر

2014 / 5 / 17
الادب والفن


بنظرة ممدودة إلى الأمام تحاشيت النظر إلى السور الشاهق الذى يحيط بالسرايا القديمة مغلقة النوافذ.
الصباح كان مشمسًا، ارتشفت الهواء بمرح بينما يلوك فمى قطعة حلوى بُنية تذوب بسرعة، كنت أفكر طوال الطريق فى حيلة مناسبة أجذب بها أصدقائى نحو هدفى.
هم، بالتأكيد، يحلمون باعتلاء السور والقفز داخله، مثلى تمامًا، أعرف ذلك من اتساع أحداقهم، ولمعة الماء فى عيونهم حينما يتحدث أحدنا عن أسرار السرايا، إنهم يبحثون فى ظلال الكلمات كما أبحث عن سرٍ لا ينطق به الكبار من أهل القرية صراحة.
خطتى للقفز فوق السور أعددتها بحنكة، سنتبادل الشتائم حين أعرضها عليهم، والاتهامات بمخالفة أوامر الوالدين، والتخويف، لكنهم فى النهاية سيسلسون قيادهم لى داخل المتاهة التى أريد الدخول فيها، ولكن ليس وحدى.
قلت لهم أننا سنمتلك سر تلك البناية الصفراء التى تقعى فى وسط البلدة صامتة ككلب عجوز داخل السور، وسنعرف ما يسكن وراء شبابيكها الطويلة التى تشبه عيون عملاق مغلقة لأنه لا يستيقظ أبدًا، حتى أننى حين أبص بين خصصها الخضراء المتآكلة وأدير عينى فى الناحية الأخرى أشعر أن ترسل كائنات خفية حتى باب البيت، ثم تربض حتى أنام فتتسلل من شقوق الخشب بالباب الخارجى إلى الداخلى، وحين أَلُف جسدى فى بطانيتى الصوف الحمراء المقلمة حريصًا ألا يرى الضوء النحيل للوناسة الصغيرة المعلقة على مسمار فى الجدار أظافر قدمى أو رأسى تقتحم تلك الطيوف رأسى نفسه، وتعبث بأحلامى.
كانت خطوطنا الصغيرة بالأحجار الجيرية فوق المناطق الأسمنتية المستوية من السور مثل تمائم سحرية، لا تذوب، بها كثير من أسرارنا المشاع، كل من يريد الانتقام من رفيق له يبوح بأسراره وسرقاته فى جملة مُعبرة فى المناطق المستوية من السور راسمًا حولها دائرة؛ ليراها الغادى والرائح.
ظللت أدفعهم للموافقة على خوض المغامرة، إلا أن معظمهم لم يمل إليَّ فاتخذت من تحديهم سببًا فى مقابل ربع جنيه ورقى لمن يعتليه، ثم يقفز إلى الداخل قبل الآخرين ذلك المساء، وافق اثنان لم أكن أطمع فى أكثر منهما، وعدنا بعد الخروج من الكُتَّاب من شارع جانبى كى لا يعرف ما ندبره، هذا الصباح أيضًا لم أكن قد حككت راحة يدى فى طوبه البارز وأنا أمشى بجواره، كأننى أستكنه سره، أو أتحداه لأنه ظل يعلو ويتعملق كل يوم فى حكاياتنا، ليس أمامى إلا أن أوقفه عن الصعود إلى السماء؛ بأن أمتطيه وأفرد ذراعي كعصفور قوى الجناحين فى مكان عال شديد الوعورة، وبزهو بطل قصير القامة، وعنيد، وبارع فى امتطائه حتى المنتصف خلال طوبه البارز كاسرًا التحدى بينه وبين كل الرفاق الأقوياء ذات يوم..
ذلك السور كان يحمى سرايا العائلة التى لا تأتى إلى القرية إلا نادرًا لكننى لم أرهم.. عبره لصُّ ذات ليلة ماطرة شديدة السواد واستيقظت القرية على ملابسه الممزقة وأثار أقدامه ولم ير فيما بعد.
فى ذلك المساء الشتوى سكنت القرية كأنما ماتت ميتة جماعية وكُفنت بملاءات وجدران وسواد ليل بلا قمر. كنا قد تأخرنا فى اللعب كما قررنا، حواسنا المتوفزة لالتقاط أضعف الإشارات تمددت كخيوط طحلبية لزجة فوق الحفر التى خلفتها الأمطار بجانبه، واصلنا الصعود باندفاع مدروس بالأيدى والأقدام. قلت لهم لأطمئنهم وأُهدِّأ روع نفسى أنها مجرد لحظات، سنرى خلالها فقط ما يجعل الجميع يصمتون فجأة حين تمتد الحكايات عن السرايا وأهلها، استقرت قدمى فوق طوبه الذى اختبرت قوته من قبل وصعدنا إلى النهاية متعمدين تقليل السرعة.
أخيرًا شهقت فرحًا بعد أن اتكأت على يدى ووقفت فوق قمته مترنحًا فى البداية واندفعت إلى الداخل، سمعت صوت ارتطامٍ أخر لكن قدمي كانت تؤلماننى ورأسى ينزف دما والمزيج الحارق لرائحة البرك الصغيرة والحشائش النابتة كريهٌ فلم ألتفت لأحدهم، وفى التو انفتحت البوابة الخشبية العملاقة التى تنفتح فى السرايا ناحية السور من الداخل وخرجت منها كلاب وقطط هائلة القوة سوداء وصفراء بعيون فسفورية تضىء، وأنياب تلمع فى الظلام لتبدأ مطاردات عنيفة فى كل اتجاه، ناديت بأعلى صوتى لكن نباحهم ومواءهم كان أقوى فيما هم مندفعون باتجاهى، فوق الأرض المبللة لم أستطع الجرى، لكننى أحسست بأظافر حادة تنمو سريعا بأطرافى وعظام ظهرى تتقوس وشعر كثيف يغطى ملامحى، وناديت بفزع هذه المرة فخرج صوتى عواءً تقاطع مع عواء الجوقة المتعاركة، لم أعد ألمح طَرَفًا لإنسان، حينئذ وجدتنى مجبرًا على الدخول فى قلب المطاردة الدامية بكل أسلحتى النامية للتو؛ كى أستطيع الهرب، حتى كلت مخالبى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس