الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباع عن الدولة

احمد مصارع

2005 / 7 / 21
كتابات ساخرة


الجزء الأول
لم تكن الأرض بين البيوت المتباعدة ممهدة , لقد كان يفصل بينها وديان صغيرة , لقد كان أصحاب البيوت يفضلون بناء بيوتهم على المرتفعات خوفا من الأمطار والسيول شتاءا , وبحثا عن النسمة البارة صيفا , وللعزلة وصعوبة الوصول إليهم من غير قصد , وقد كان السير شاقا خلال البرية , وحتى بالنسبة للبغال والحمير , وسائط النقل آنذاك .
خلال الشتاء ترسف المستنقعات الآسنة , رافلة بالأشنيات الخضراء , وفلول من الحشرات الطائرة في الأيام المشمسة , وأجواق من الأركسترا الضفدعية تصفر ليلا نهارا من طرب التكاثر الآمن , والسمنة المفرطة , فقد أصبحت الضفادع سيدة المستنقعات , مثل حيتان المحيطات , بينما تضاءلت حجوم الأسماك النحيلة , وكأنها تعلم بقرب الجفاف , ولأنها ليست برمائية , فقد كيفت نموها مع عمق المستنقعات الآسنة .
وقبل أن يحل الصيف , وتشرع الروائح النتنة العضوية بالهبوب , يشرع صيد السمك بأكياس الخيش , لمرة واحدة لاغير , فيأكل الجميع في يوم واحد السمك الصغير مشويا , وحتى عام آخر, ومع الجفاف تبدأ زوابع الغبار , مثيرة اسوارات من الأ غبرة الدسمة , فالعجاج غالبا , لتلتهب العيون , وتتكحل بالوشل البيض على الجانبين , طيلة موسم الحر الطويل .
جاء يوم , من أحد العقود السابقة , حيث حضرت آلية مهدت الحفر الترابية , وجميع من كان حيا آنذاك , كان قد شعر بالنشوة , بعدما يرش الطريق الترابي الممهد بالماء , كانت رائحة الأرض النفاذة عبقة للغاية , وللشعور بمزيد من النشوى كان السكان يرشون الأرض مرات عديدة , ولكن أروعها تتم ليلا , لتهب أنسام الصبابة , ولتنبعث من هنا وهناك , أصوات موليا وعتابا .
وجاء الزفت , نعم الزفت ( زفت ) , فلا طين بعد اليوم , فعبد الطريق بشكل مزعوم بالزفت , وهو زفت غرائبي , حيث , يذوب من شمس الصيف اللهبية , وتظهر منه فقاعات الغليان , وتلتصق لزوجته بالأحذية والسراويل ,والأقدام العارية , وقد كان النفط صاحب الدم الخفيف قد أصبح رائجا .
على الطريق المعبد , كان يمر الحصان والبغل والجحش , والدراجة , وتطور الأمر بعد العربة والحصان , الى الدراجة , فالطرطور الثلاثي الذي يئن على تحو سواء , فارغا أو ممتلئا , من أول الطريق الى آخره , يزعق بقوة الأنين , يحرم النوم على كل من كان مقيلا , فلم يكن هنا أي صيدلية , في عصر ما قبل الكهرباء , فمن مات من الضجيج والإزعاج , من يدري , كم من الناس ماتوا من شدة الزعيق .
في الهزيع الأخير من الليل الصيفي يبرد المدعو ( زفت ) , وهنا نفضل السير عليه ونحن حفاة , وفي الحق فنحن نهرب من طرق التراب , لأنها تزخر بالعقارب الصفر , التي تفوق لسعتها وقع مسمار المسيح المصلوب , رغم أن العذاب والموت من اصل واحد .
وفجأة وإذ , وضعت أعمدة خشبية مدهونة بالقار , ثم علقت عليها مجموعة من الطيسان , وشعشعت أضواء صفراء للغاية , متباعدة , فكنا نتنقل بينها ليلا من جزيرة لأخرى , وها نحن نسهر تحت تلك الأضواء , وهناك من يتحدث عن أديسون , والظلام والليل والكهرباء , والعصر الجديد , بعيدا عن البيوت , بعيدا عن الأصل , بعيدا عن السكن , والوطن , ومن أنا ومن أنت , ومن هم ومن نحن ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السوبرانو الأردنية زينة برهوم تروي كيف بدأت رحلتها في الغناء


.. بعد استقبال جلالة الملك للفنان عباس الموسوي.. الموسوي: جلالت




.. صباح العربية | بحضور أبطاله ونجوم وإعلاميين ونقاد.. افتتاح ف


.. اشتهر بدور الساحر غاندالف في -سيد الخواتم-.. الممثل البريطان




.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -