الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية« والد وما ولد» لأحمد التوفيق تعيد النبوغ المغربي إلى الواجهة

ادريس الواغيش

2014 / 5 / 18
الادب والفن


استضافت "مؤسسة فاس للإرث الأندلسي" بشراكة مع الجماعة الحضرية لفاس، حفل توقيع رواية " والد وما ولد- طفولة في سفح الظل" للمؤرخ والروائي المغربي أحمد التوفيق، وذلك يوم 07 ماي2014 بقصر المؤتمرات.
حين حطت الرواية بفاس، وجدت في انتظارها أبرز النقاد المغاربة، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: د. سعيد يقطين- د.نجيب العوفي- د. جمال بوطيب- د. عبدالإله قايدي وآخرون. جاءوا كلهم كي يشَرِّحوا عملا روائيا، لأديب غابت صفته الرسمية كوزير، وحضرت قيمته وقامته الإبداعية، من خلال رواية أشاد بها الجميع. فماذا قال عنه هؤلاء النقاد في أمسية نقدية باذخة، سيرتها الدكتورة كنزة الغالي باقتدار، أو بسيف ناعم كما وصفها الناقد نجيب العوفي !.
*الهوية السردية في "والد وما ولد- طفولة في سفح الظل":
الدكتور سعيد يقطين وصف العمل بكونه رواية أغنت المجال السردي المغربي عموما، من
خلال طرحه لإشكالية هوية الأنا والآخر. ومن الأجوبة التي تجعل هذا المفهوم مركزيا، وتدفعنا للدخول من خلاله عصرا جديدا، يؤدي إلى خلق إنسان آخر، وبالتالي لم يعد هناك مبرر لاستمرارية أنماط قديمة في عصر جديد. غير أن المبررات التي تعطي أهمية للكتابة
عن الذات، هي نفسها من يعطي للكتاب أهميته. فسعيد يقطين يعتبر أن الرواية التاريخية على الخصوص، لها أصالتها و شروطها الضرورية. ورواية" والد وما ولد" هي رصد لحياة أحمد في فترة ما قبل الاستعمار، وفي نفس الآن رصد لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب الحديث. فالكتابة عن الذات لا يمكن ربطها دائما بالآخر/ الأسرة/ العائلة فردا أو جماعة.
وقد توقف على عتبتين مهمتين في الرواية :
الأولى حول العنوان، والثانية حول النص، وكل منهما له ما يميزه. المشروع حمله الكاتب عدة سنوات، وطفولة في سفح الظل احتفظ بها كعنوان مواز، وذلك من خلال إيحاء واقعي وآخر رمزي. فالطفولة والسفح / الظل يشيران إلى الهامش وما يتصل به، عكس ما توحي به مدن كبرى مثل: فاس والرباط أو مراكش. فالولد كتبه الرجل الذي صار(ه)، والبعد الرمزي هنا في تثمين شخص الولد والوالد معا، إذا استبعدنا القسم الذي ورد في الصيغة القرآنية. قيمة الوالد في أن يلد ذكرا، وأن لا يقف الأمر هنا، بل يتعداه إلى تشكيل أحسن منه، وهذا هو الإيحاء الأقوى. فإن كان الوالد قد ارتضى ب« السي»، فإنه أراد أن يمتلك ولده« السي» مشبوعا بحفظ القرآن الكريم، لذا رباه ليكون رجلا حقيقيا ومختلفا.
في العتبة الثانية من ضمير المتكلم (الكاتب)، يكون السارد قد تجاوز الستين عاما، وقائع علقت في ذهن الحاج، والحكي ليس من مخزون ذكرياته هنا، لكن حكي له به.
الكاتب/ الحاكي يستخلص الشخصي، وما يتذكره من الذكريات/ النص/ الكلام/ البحث عن الخيط الرابط بين الأحداث. والهوية هنا هويات متعددة، من بينها الهوية الشخصية، وكيف تتحقق في العمل السردي، مع محاولة البحث عن الذات والوعي بها. القيمة المتميزة لهذا النص، حاولت أن تعي وتحقق الكاتب/ الراوي/ المؤرخ/ الذات في علاقتها بالمحيط الذي تعيش فيه، مع إضاءة جوانب أخرى من تاريخ المغرب الحديث، في بحث جاد ومعقول أيضا وضروري عن الارتقاء بالرواية المغربية المعاصرة.
*حفريات الولد في : "والد وما ولد":
الدكتور نجيب العوفي ركز في مداخلته على الأفق التاريخي الذي جاء منه أحمد التوفيق، وصولا إلى أفق الرواية ذاتها، لأن هناك قاسم دلالي مشترك بين الروائي والتاريخي. والعمل شاهد على هذا الرُّواء الروائي. الرواية أيضا سيرة بيوغرافية مسرودة بالضمير الغائب من الألف إلى الياء، كتبت بأثر رجعي من شرفة متأخرة. يُشِّيد السرادق والقُدَّاسُ بآل وَحْمان القاطنين بقريته، انطلاقا من بوصلة الذات ومرآتها المقعرة. وللقرآن الكريم حضور جليل وبهي في هذا النص، لأن الولد ارتوى بخيره، حيث حرص الوالد على تربيته تربية قرآنية في بيئة أمازيغية. بهذا الشكل تكون الرواية غوص شفاف وذكي في الذاكرة الجماعية والفردية معا، ولعل موهبة أحمد التوفيق السردية حاضرة هنا بوضوح في "والد وما ولد ..."، وحفر عميق وشاعري في الذاكرة والوجدان، في ماضي الوالد والولد معا، وفي التاريخ والجغرافية، أعطت للعمل حلاوة وطراوة، ومتعة وفائدة. وبديهي أن نصا باذخا بهذا الثراء الحكائي، أعطى للعمل قيمة نوعية في السرد الروائي المغربي.
ويمكن إجمال الرواية في التيمات والمحكيات الآتية:
طقوس ختان الأطفال- وصف الملابس والحلي- حفظ القرآن- علاقة العائلة بالزاوية التيجانية - علاقة المكان باليهود- زيارة الأضرحة- ظاهرة الهداويين- طقوس استقبال رمضان. كل هذه التيمات واردة في النص صعودا في الزمن السردي، أيضا طَرْقُ لبعض البدع على القرية، التي تشكل من منظور آخر، بداية لمخاض مغرب جديد: السيارة- الراديو- الكانتينات- الساعة- السيارة. ولعل الظاهرة هنا هو هذا التحول من الكتاب إلى المدرسة وظهور ألفاظ جديدة. طفل رخو البنية سريع العطب، سيكون له شأن، وسيطرز لنا عملا روائيا باذخا.
*الدكتور سعيدة العلمي: تناولت الرواية من الجانب الذي يخُصُّها كامرأة، كونها قدمت خريطة عامة للمرأة المغربية، كحمولة رمزية بين حقيقة وخيال. الطفل أحمد كان راصدا لكل الذكريات بصدق، وبذلك جاء النص الروائي مفتوحا وقابلا لكل القراءات.
*الدكتور عبد الإله قايدي:
ركز في الرواية على الجانب الموغل في التفاصيل السردية وكثافتها، وتساكن أعراف ولغات وتقاليد وطقوس متنوعة في العمل، معتبرا أن هذا الغنى لا يتوفر لجميع البلدان والأمم، حيث أن المؤلف الفعلي هنا هو من لحم ودم، لكنه يتحدث بصيغة الغائب عن والده. وهو ميثاق تعاقدي بين المؤلف والقارئ، لزرع بذور الثقة بين الطرفين. لكن اللافت هو حضور صورة بالأبيض والأسود، وجغرافية الأطلس بتعاليها وشموخها وتنوع تراثها. وتوافق بين محكي الأفكار ومحكي الأحداث، على خلفية ثقافية تستند إلى الببليوغرافيا.
*الدكتور إسماعيل علوي إسماعيلي: رأى أن الرواية في مجملها سيرة ذاتية في جل أحداثها المشوقة.
*الدكتور محمد أمنصور:
أكد في مقاربته النقدية بأن العمل الروائي المحتفى به، دم جديد ضخ في الرواية المغربية. وفي هذا الباب يرى بأن العمل قدم درسا للأدباء، لأنه لا يمكن الكتابة عن المغرب والمغاربة مع جهل بتاريخهم. فقوة الراوي والرواية هنا، هو انطلاقه من مقومات مغربية محضة: لأن السارد ينتمي إلى أسرة، الأسرة تنتمي إلى عائلة، العائلة تنتمي إلى الأطلس، الأطلس ينتمي إلى المغرب. كل هذه المكونات مزجها السارد، وعرف كيف يبني بها الشخصية المغربية، بمعنى أكثر دقة وقربا. وهو بذلك يضعنا من خلال السياق، في شخص طفل ينطلق من البادية، ويتقدم ببطء إلى عوالم أخرى بعيدة عنها، دون أن ينسى أنه منها. كما أنه لم يكتب بالمواثيق الغربية المتعارف عليها في الرواية، لذلك لا يعلن عن أي ميثاق أوتوبيوغرافي، في الوقت الذي هي جزء من ذكريات الطفل في الثقافة المغربية. فنحن نحتاج فعلا إلى هذا النوع من الأدب، لأنه يكتب عن المغرب العميق، انطلاقا من المعرفة الحقيقة بالتاريخ.
*المداخل إلى عالم "والد وما ولد":
الدكتور جمال بوطيب ركز على المداخل التي يمكن من خلالها الولوج إلى النص، بدءا من عتبة العنوان، الذي هو معادلة للعمل الروائي في حد ذاته (القسم القرآني)، والتأويل الذي يقود إلى الوالد والولد، قد يكون ذكرا وقد يكون أنثى، لتبقى (ما) في هذه الحالة نافية. وقد اختار المؤلف عنوانه على اعتبار أن( الما ولد) تطلق على الفرد والجماعة معا، وهكذا تصبح العلاقة بينهما جدلية. فبداية الرواية توحي بأن المسألة تتعلق بتاريخ الطفولة، وبالتالي تكون الخاتمة هي البداية الحقيقية للرواية، التي تحكي سيرة ولد ورجل، ومدير معهد وأستاذ جامعي ثم وزير.
وقد قسم الدكتور جمال بوطيب أعراف كتابة السيرة العالمة إلى:
- العرف التجنيسي- العرف التواصلي- العرف التواصلي النصي- العرف التنظيري النقدي- العرف الشكلي النقدي.
مؤكدا في الأخير على أن هذه السيرة ليست سيرة جماعية، بقدر ما هي سيرة مجتمع، من خلال سرد وقائع وأحداث بعينها.
* أحمد التوفيق: وجدت في اللجوء إلى ضمير الغائب حرية في الكتابة
في الختام أخذ الكلمة الروائي أحمد التوفيق، مشيرا إلى أن هذه القراءات المتعددة الأبعاد، أثارت لديه له عدة أشياء، منها القرية والمدينة والغنى الحضاري. فعندما نذكر الأندلس مثلا، فإننا نستحضر حضارة خالدة كانت ثمرة التقاء المغرب والمشرق، تكفل المغرب بعد ذلك بتنميتها من كل جوانبها العلمية والدينية والفكرية والمعمارية والأدبية. لا يمكن أن نتحدث عن الثراء مثلا، دون أن يكون موجودا بالفعل والقوة على الأرض. فإذا قرأنا بعض الصفحات التي نبغت من رحلة لسان الدين ابن الخطيب، الذي هو عصارة هذه الحضارة، من خلال شخصه وقلمه. فهذا الشخص- يضيف التوفيق- جاء من غرناطة وهو"ذو الوزارتين"، وتشوق أن يصعد جبل «المصامدة» ليقف قريبا من مهد الدولة المُوَحديّة، التي كانت فيه قبيلة «هنتانة»، فوصف ما يعيشون فيه، في أشهر رحلاته ضمها كتاب ضخم من أربعة أسفار، سماه «نفاضة الجراب في علالة الاغتراب» لم يبق منها سوى الجزء الثاني في نسخة يتيمة، تحتفظ بها مكتبة الأسكوريال.
ويضيف أحمد التوفيق قائلا: وجدت في اللجوء إلى ضمير الغائب حرية في الكتابة، لأن الحديث عن "الهو" أسهل من الحديث عن "الأنا". لم أتدبرها عكس ما قد يعتقد، لكنها جاءت من تلقاء نفسها. أدين في الرواية للتاريخ لأنه صارم، لذلك حاولت أن أكون صارما في الكتابة مثله، وإن كان عيب المؤرخين أن يقولوا شيئا في غير زمانه. فالرواية (يضيف) جزء من صباي، ذكرته بصفة واضحة، أما سِيّاق ما قبل الطفولة فهو حُكِيَ لي.
وقد أكد في نفس السياق، بأن الجزء الثاني من الرواية سيصدر قريبا، وسيساعد على فهم الكثير من أسرار الجزء الأول.
كانت فعلا أمسية روائية رائعة، حضرها نخبة من ألمع النقاد المغاربة، وجمهور غفير من المثقفين والمبدعين والطلبة، ليستمعوا لروائي خبر مسالك الرواية ودروبها، تواضع كثيرا حتى أصبح واحدا من العامة، كتب الكثير من الأعمال الروائية وما زال بئره يفيض.
يحق لنا أن نفتخر كمغاربة بهذا النبوغ المغربي الذي يتجدد، بهذا الأديب الرائع الذي يدلنا في كل مرة على تاريخنا الجميل من خلال أعماله الروائية، وبالتالي دحض نسبية الشكاكين والمتربصين بهويتنا وحضارتنا وتراثنا الغني والمرصع بالجواهر والدرر الثمينة، إذ لم يتبيّن بعد لمثل هؤلاء أوجه الشبه بعد بين القرية والمدينة، بين أوراق كتب التاريخ وأوراق الصّفصاف اليابسة.
سافر بنا أحمد التوفيق من القرية إلى المدينة، من الولد إلى الوزير، ولم يتغير فيه شيء، تغير به السّفر ولم يتغير المُسافر، وبقي مخلصا ل" تمغربيته" حتى في كتاباته، ليظل بذلك استثناء في زمن الأغلبية، وليظل أيضا الابن البار لثقافته المغربية الأصلية. رغم تعدد قراءاته واطلاعه الواسع على الكل الثقافات.
إجمالا يمكن القول بأن الروائيأحمد التوفيق استطاع أن يطوع كل المناهج الغربية في كتابة الرواية، كي تستجيب لخصوصية الرواية المغربية، ولكي تبقى العلاقة بين"والد وما ولد"علاقة تفاعل لا علاقة تقاطع، وبالتالي تُخلِّص الواقع من مرآويته، ومن كونه واقعًا لغويًّا، لكنه احتفظ بمرجعيته الثابتة. لأن الراوي لم يكن ساردا "دكتاتوريا يقتل الكلام في أفواه الشخصيات، ويصوغ العالم الروائي حسب منظوره الخاص". فصاغ لنا عالما روائيا خاصا، انتقائيا وتيماتيا وأسلوبيا، وفق ميثاق سوسيو ثقافي هيمن على الرواية من الألف إلى الياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف