الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عادة ليس هناك مرتدة في السودان... في الوطن العربي. عادة....... ليس هناك امرأة.

فاديا سعد

2014 / 5 / 18
الادب والفن


عادة ليس هناك مرتدة في السودان... في الوطن العربي.
عادة....... ليس هناك امرأة.


فاديا سعد

- يا امرأة.... اخرجي من هذا الوكر!"

دفعني صباح ربيعي، للخروج من غرفتي الصغيرة: "
تركت كتاب "الخير والشر" مرميّاً في زاوية الغرفة المعتمة، وجريدة مفتوحة تحت النافذة الصغيرة. وضعت أعقاب السجائر، مع ما خلفته سهرتي الطويلة مع "الخير والشر". ألقيت الكيس داخل الحاوية، وهممت بالسّير.

أي أمر جديد يمكنني مشاهدته، في شارعنا الطويل؟!
نظرت إلى السماء: ارجميني ولو بفكرة!

عند المنعطف المقابل لاتجاه سيري، لمحت امرأة مقبلة، ما تزال بعيدة، تسير بتؤدة؟
نعم قد يكون الأمر هكذا.... بتؤدة.

هل يكون تعبير: "بإهمال" أدق؟ . نعم هكذا كانت تتجهً صوبي بإهمال.

كنت قد سمعت عنها ولم ألتقيها.
فضولي بمعرفتها شديد: هاهي فرصتك يا مريم، تأمليها، أطلقي حكمك عليها.
هي مادتك الجديدة. مقالتك. روايتك التي لا تعرف كيف تنهين خيوطها.. إنه بطلتك، ومن تناقضت حولها الشائعات.
بعضهم قالوا:
- مختلة. آخرون أطلقوا عليه:
- عاشقة الشعر.
منهم من كان يقول:
- دماغها لم يحتمل العلم كثيراً!!
دافع عنها البعض بقولهم:
- بل حكيمة. فيلسوفة...

وقفتُ متأملة من تناقضت حولها الأقاويل. بدت لي هيئتها مألوفة، لكني شككت بالأمر:
فمن أين لي بمعرفتها؟!

كانت تنحني على سياج جانبي لحديقة بيت مطل على الشارع، تقطف وردة بيضاء وتتوجه بها نحو فتاة جامعية تتهيأ لركوب الناقلة.
مدّت يدها بالوردة البيضاء:
- احتفظي بها. قالت بعد شمت رائحتها آخذة نفساً عميقاً:
رائحتها ذكية.

ارتبكت الفتاة، وصعدت إلى الحافلة، فابتسمت المرأة وتابعت سيرها، بإهمال مشوب بالمرح.

رأيتها تنظر إلى السماء، كأنها تبحث عن شيء ما، ثم ضحكت ضحكة عميقة.
لم أمنع نفسي من الابتسام : ظريفة هذه المرأة.
وقفت متابعة نهاية هذه المسرحية.

كان رجلا يتقدم من شاب أيضاً:
-هل سمعت آخر أشعار نزار قباني؟
فردّ عليه الشاب:
-لا. أسمعني!
مال عليه قليلاً ثم أطلق صوته كأنه على منبر:
روحي التي زجاجاً مطحوناً
كيف أعيدها من رمادها؟
روحي الهشّة....

علّق الشاب متماهياً مع الموقف: هذه ليست لنزار قباني يا سعيد
ويردّ عليه سعيد بسرعة:
أعرف. أعرف. ثم يغرق من جديد بالضحك.

كنت أنظر للرجل والشاب حين اقتربت مريم من المكان الذي اتخذته للمشاهدة السوريالية لامرأة تقدم الورد فتُرفض خوفا، ولهذا الرجل الذي يدّعي أنه يلقي أشعارا لنزار قباني وهو والسامع يعرف كلاهما أن الموضوع لاشعرا ولا شاعرا.

صارت المرأة على مسافة قريبة مني. إنها تنظر إليّ مباشرة.
" ماذا؟ ماذا؟!" هممت بالقول مندهشة...
عجبا أنا أيضا أخاف أن تمد يدها بالوردة لتعطيني إياها!

عادة أنا....... أنت....... نحن من السهل علينا أن نأخذ السلاح.... هو الشيء الوحيد الذي أتيح لنا أن نأخذه...... الشيء الوحيد الذي تعلمنا أنه شرعي...... الشيء الوحيد الذي لا نخجل أن نمسكه.... فهو عنوانا للرجولة..... عنوانا للقوة وعنوانا للسهولة!..... نحن نحب السهولة..... أما قطف وردة؟! تقديمها لامرأة؟....... كفاني نفاقا...... أنا أيضا أخافها!.

: هل آخذها... آخذ الوردة.......؟ أنا خائفة فأنا بشر!!!!!


السؤال لم يصل شفتيّ. نظرت في عينيها كما فعلت هي، وبقينا نحن الاثنتين نعلق المسافة الفاصلة بيننا على النظرة.

مندهشة كنت، وشبه مشلولة لبريق سال من عينيها.
شوق ما..... شوق مبهم، فسألتها: من أنتِ يا عمري؟

عتبها الخافت هز كياني:
نسيتيني؟

تذكرت أني خرجت من غرفتي التي نادراً ما أفارقها، لأبحث عن شيء معين. مشاعر محددة. نظرة رائعة كهذه، التي تتدفق من عيني امرأة لديها الشجاعة أن تقفز سياج بيت مستقر وتقطف وردة وتقدمها لشخص ما.

كانت كأنما تسألني:
"أين كنت؟ لما تركتني كل هذه السنين؟
"اعذريني" قلت لها.
"لا عذر لك"
لكني لم ألتق بكِ قبل الآن!!"

نظرت إليّ نظرة عتب. نظرة ودّ. نظرة أقل ما يقال فيها: نظرة محبة.

حين أطلت النظر في وجهها صرختُ صرخة تردد صداها في الشارع الطويل، وصلت صرختي إلى الغمام.

اعذريني يا صديقتي.. أهملتكِ كثيراً، نسيتكِ طويلاً، غبت عنكِ لمدة تشبه العمر. تعالي إلي. أسلمّ عليكِ.

مددت يدي إليها، ومدّت يدها لي. التقى باطن كفي، بباطن كفها. كيف لا تعرفني وأعرفها؟!

حين هززنا يدنا بالسلام انتبهتُ إلى الستارة الشفافة من الدمع مجللة بياض عينيها، ودمعة كاللؤلؤ تسيل، تؤكد عتابها لأني لم أتعرف عليها منذ أن أطلّت من مفرق الطريق.

"لا تبكِ". قلت لها. وبنفس الوقت، أخرجت منديلي لأمسح دمعتها.

حين لا مس منديلي خدّها، انتبهتُ إلى أن الخدّ الذي أجففه>
كان الوجنة.....خدّي أنا، والدمعة التي سالت، كانت دمعتي أنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في


.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء




.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق