الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حال أمة الشعراء

عبدالله خليفة

2014 / 5 / 18
الادب والفن


قطعوا لسانَ الكاتب فتحسستُ لساني، وخفتُ أن يكونَ قد قُطع.
هل بقي شارعٌ لم يتكلمْ ويصرخ؟ كلُ الجبالِ والأزقةِ والحارات والشجر ضجتْ بالكلام، ووصلت الميادينُ الى الكواكبِ والنجوم، فلماذا هذه القطعة الصغيرة من اللحم تُزال؟
يقولون إن قطع اللسان كان مؤامرة لكي تُتهم أحزابُ الحريةِ بأنها قاطعة ألسنة للشعراء الصارخين بها.
كم من الألسنةِ قُطعتْ؟
كم من الألسنةِ أجتُثتْ وهي لا تزالُ تثرثرُ بالكلام؟
أيكونُ كلُ هذا الكلامِ هراء؟ وحين يجيءُ شاعرٌ فيعبرُ عن رؤية أو حلم يغدو أخطر من الفضائيات التي تروعُ الناسَ بضجيج الكلام؟
كم من الناس يصرخُ بلا لسان؟
وكم من إنسانٍ يهذي بلا معاني؟
كم من الألسنة قُطعتْ منذ زمان طويل ودُفنتْ في الأرض أو حُفظتْ في المتاحف، أو عُلقتْ لتيبسَ في الشمس وتأكلها الغربان؟
هناك ألسنةٌ تتكلم لتعيش.
هناك ألسنةٌ تتكلم لتوقف عيش الآخرين.
هناك ألسنةٌ تتكلم ليحل الصمت.
هناك ألسنة تظهر فجأة وتختفي فجأة، فلا هي جاءتْ من أرضٍ معرفيةٍ خصبة، ولا هي ثبتتْ على موقف، ولا هي معنية بتطور وطن أو قضية، موجودة في الحلق لترقصَ بين الأحزاب والطبقات والمصالح.
هناك ألسنةٌ صامتةٌ لعقود، لم تعدْ لها قضية، اللسانُ صدأ في الحنجرة التي كانت صاخبة بنار الكلام، وقذفتْ الأصنامَ بأسنان المعاول، ومفجرات الحياة، فتعطلتْ الألسنة، وتاهتْ في دروب التجارة، وشراء الأقنعة، وغدا كل حرفٍ يوزن بهدية، أو سفرة هنية، أو دعوة مالية، أو طبعة فاخرة، إنها استراحة المحارب الذي لم يحارب وصدأت أسلحته في المخازن.
ولسان الشاعر المحبوس كالسيف الذي لم يَخرجْ من غمدهِ، ألا ترى أن الكثيرَ من الشعراءِ صار يتبعهم النخاسون والصرافون والباعة، يبيعونهم ليعلقوا رثاثَ الكلامِ في الواجهاتِ المضيئة؟ فإذا وُلد شاعرٌ أهتزتْ الأمةُ وشعرتْ بأنها حية، بعد أن بِيعتْ في سوق النخاسة، فلسانهُ ليس حصانهُ بل هو روحُ الشعبِ وكرامة أرضهِ ونقاء سمائه من الطائرات المغيرة والدخيلة ومن دخان التلوث الروحي الذي تنشرهُ في الفضاءِ لكي لا يظهر أولادٌ وبناتٌ يصرخون باسم الحرية.
لماذا أمةُ الشعراءِ التي بزتْ الأممَ بالأسواق التي تجثمُ تحت نعالِ الشاعر، وتُضربُ له أفخر الخيام، وتُعلق قلائدُهُ على أقدس مكان، تبحثُ عن شاعر الحقيقة والقضية بالبندقية والكبريت الأحمر؟
فإذا وُلد زغردتْ الدروبُ والنساءُ زغرداتٍ تصلُ الى عنان السماء، وشعرَ الرجالُ بالفخر، فقد صارَ للناسِ لسان!
وحتى في زمان القصور التي تشتري الشعرَ بأوزان الذهب كان ثمة شعراء ملأوا المدن والصحارى بكلام لا يشترى حتى بكنوز الأرض، وهو شعر يغسلُ قدمَ عامل، وينظفُ جرح شهيد، ويعلي مكانة العقل.
فتأكدْ من وجودِ لسانكَ فقد يكون قد قُطع، وأنت نائم، أو ربما استبدلتهُ بقطعةِ أرض، أو بشيك مؤجلٍ يُصرفُ عند موتك، أو ضاع منك في أنديةٍ أو في جمعياتِ النضالِ الثرثرةِ، أو استلفهُ نائبٌ ولم يرجعهُ حتى الآن، أو أخذتهُ نائبةٌ مصيبةٌ سياسية منك، أو تجمدَ في حلقك بعد سنوات الصمت، أو بَلعتهُ في زحام الأكل، أو هرب من رقادك الأبدي نحو الوجود والحياة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر