الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا ... في الاستراتيجية الأمريكية القديمة الجديدة .،،،،

علي الأسدي

2014 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية




تعمل الولايات المتحدة منذ عدة سنين لتنفيذ خطة طويلة الأمد لكبح التطلعات الروسية لاستعادة مكانتها السابقة كقوة عظمى التي كانت عليها ابان العهد السوفييتي. ولتحقيق هذه الاستراتيجية تعمل وزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع حلفائها الغربيين لاحتواء روسيا بجهد مشترك سياسي واقتصادي وعسكري. وأحد أهم حقول الاقتصاد الروسية التي يستهدفها الجهد الغربي المشترك هي اقتصاد الطاقة الذي يشكل أهم مصادر الناتج القومي الاجمالي الروسي. قطاع الطاقة هذا يعتمد في جزء كبير من صادراته على السوق الأروبية بشرقها وغربها وخيارات أوربا للاستغناء عن صادرات الطاقة الروسية محدودة جدا في الوقت الراهن وفي الأمد القصير.

ازاحة روسيا كمورد رئيسي للغاز الى أوربا كهدف استراتيجي ليس وليد اليوم ، فقد جرى العمل لتحقيقه خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن كجزء من سياسته التي حاول خلالها القضاء على الاشتراكية ومركزها ونموذجها العالمي الاتحاد السوفييتي ، لكن جرى التباطؤ في تنفيذه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وخلال فترة الولاية الأولى للرئيس الأمريكي الحالي أعيدت الحياة لهذا المشروع وجرى حث شركات الطاقة الأمريكية على توسيع استثماراتهم في صناعة استخراج الغاز الصخري الذي كانت الكميات المنتجة منه حتى ذلك الحين محدودة جدا.

فوفق حسابات الخارجية الأمريكية ان روسيا تستخدم سلاح الغاز الذي تصدره لفرض نفوذها واستعادة مواقعها في المنظومة الاشتراكية السابقة الذي يعتبره صناع القرار الأمريكين تهديدا لأمنهم القومي. ولوضع حد لهذا التهديد اضطلعت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون اعتبارا من عام 2011 بتكثيف جهودها لدى الدول الحليفة للولايات المتحدة بالعمل على الحد من النفوذ الروسي عبر تنمية مصادر بديلة للغاز الروسي عن طريق استيراد الغاز من الولايات المتحدة الذي تستعد صناعات الغاز الصخري لتصديره.(1)
وبناء على ذلك جرى تكثيف العمل على استكمال البنية التحتية الضرورية في موانئ التصدير للبدء في تعبئة وتصدير الغاز الصخري الى الدول الأوربية اعتبارا من 2015 . فمنذ سنين عديدة تنفق شركات الطاقة الأمريكية بلايين الدولارات لتطوير هذه الصناعة في عدة مناطق في الولايات المتحدة مثل وسط وجنوب ولاية تكساس وشمالي ولاية داكوتا وولاية بنسلفانيا وفي ولاية لويزيانا. وفي هذه الأخيرة استثمر في انتاج الغاز الصخري حوالي 20 بليون دولار ، وتستعد شركة Cheniere Energy لتصدير 20 مليون طن من الغاز المسال اعتبارا من عام 2015. وسيبدأ في تصدير أولى الشحنات من الغاز المسال لصالح شركة Centrica البريطانية. وتقدر شركة شيل الهولندية -البريطانية ان احتياطيات الغاز الصخري المتوفرة في الولايات المتحدة تكفي الاستهلاك للمائة سنة القادمة. (2)

وكجزء من هستيريا العداء لروسيا قدمت مذكرتان للكونغرس الأمريكي ، واحدة من قبل ممثلي الحزب الجمهوري في مجلس النواب وأخرى من قبل ممثليهم في مجلس الشيوخ كمحاولة لتسريع تصدير الغاز الصخري بحجة مساعدة أوربا لتحريرها من الاعتماد على الغاز الروسي وبنفس الوقت كما تدعي المذكرة دعم أمن الطاقة الوطني الأمريكي. وبناء على ما صرح به عضو الحزب الجمهوري في الكونغرس كوري غاردنر الذي قدم المذكرة :

" ان مذكرته هي تماما كتلبية لطلب النجدة عبر الرقم 911 لمساعدة الأوربيين. انها حقيقة لأن حلفاءنا الأوربيون الذين يساهمون في شركة شل وأوكسون موبايل سيحققون الأرباح من خلال زيادة انتاج النفط والغاز الصخري. انني أسمي استغلال الأزمة لأجل تحقيق المصالح الخاصة باعلان لحالة الطوارئ التي لا مجال فيها للتراجع. بالطبع هناك معارضة من قبل علماء البيئة ضد هذه الصناعة بسبب مخاطر زيادة حرارة الغلاف الجوي ، لكن من له الوقت للاستماع الى مثل هذه الآراء حيث الاسراع بتقديم النجدة هو الأهم أما التفكير بالتبعات فيأتي لاحقا".( 3)

وخلال السنوات الأربع الماضية عمل اللوبي الأمريكي المسئول عن الترويج لصناعة الغاز والنفط على اقناع الاوربيين بأن طريق الخروج من الأزمة المالية وأعباء الدين العام هو ان تبادر الى فتح بحارها دون قيود لاستخراج الغاز والنفط رغم ما تسببه من تلوث للبحار والأنهر والأجواء وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي.

صناعة استخراج هذا الصنف من الغاز ستكون مسئولة عن اطلاق غاز الميثان الذي هو أسوء من ثاني أوكسيد الكربون بثلاثين ضعفا وفق آخر تقدير للهيئة الحكومية المسئولة عن رصد غاز الميثان في الجو. وبحسب البروفيسور روبرت هورنت من جامعة كورنيل الأمريكية وهو من أبرز الاختصاصين في موضوع آثارغاز الميثان انه " خلال 15- 20 عاما القادمة اذا ما استمر انتاج هذا الصنف من الغاز فان كمية غاز الميثان ستزداد في الجو بين 87 – 100 ضعف كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون".

ويذكر البروفيسور هورنت أيضا " تستخدم الأزمة الأوكرانية الحالية لتوسيع صناعة الغاز تحت ذريعة الاحتفاظ بأمن الطاقة وهو ليس الا مبررا لذر الغبار في العيون. وبدلا من تشجيع الانتقال الى الطاقة النظيفة وخفض الاعتماد على الغاز والنفط الأحفوري كمصدر للطاقة انهم يذهبون في الطريق المعاكس تحت وازع الربح نحو صناعة أكثر ضررا بالبيئة."(4)

وبحسب وكالة «رويترز» للأنباء أبلغ ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الصحافيين على هامش قمة للأمن النووي عقدت أخيرا في لاهاي بهولندا ان «بعض الدول تكاد تعتمد اعتمادا كاملا على الغاز الروسي لذا أعتقد أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كانت صرخة تحذير لنا جميعا. على دول جنوب شرقي أوربا وانجلترا التي لها احتياطيات من الغاز الصخري ان تعمل على انتاجه لتحقيق الاكتفاء الذاتي ». وقد اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على تسريع جهودهم لتعزيز أمن الطاقة عن طريق دراسة استيراد الغاز من الولايات المتحدة.(5)

ان الغرب جاد في اضعاف الاقتصاد الروسي وما العقوبات الاقتصادية التي فرضها على روسيا لحد الآن وما ينوي فرضه في الاسابيع القادمة الا مرحلة أولى على هذا الطريق. أما ازاحته كمورد رئيسي للغاز لأوربا فهي المرحلة الأخطر والأكثر ضررا بالاقتصاد والمجتمع الروسي التي يعول عليها كثيرا لتهييج الرأي العام الشعبي ضد الرئيس بوتين. وفي تصريح للسيناتورين الأمريكيين اليمينيين جون ماكين وزميله ليندسي غراهام دعيا فيه صراحة الى العمل على " “مقاطعة قطاع الطاقة الروسي وقطاع المصارف المالية فيها لتدمير الاقتصاد الروسي. " (6)

وتنفيذا لهذه الخطة جرى حث شركات الطاقة الأمريكية للاستثمار في استخراج الغاز والنفط الصخريين في الدول الأوربية الشرقية. وبالفعل قامت شركة هاليبيرتون الأمريكية بالاستثمار في بولندا وتستعد شركات أخرى بينها شركة شيل للعمل في أوكرانيا لتحقيق اكتفائها الذاتي من الغاز والنفط المحلي والتوقف عن استيرادهما من روسيا. فبحسب المعلومات التي توفرت لدى الأمريكيين أن لدى هذه الدولة امكانيات كافية اقتصاديا لانتاج الغاز والنفط وحيث لا وجود لنشاط محسوس لمنظمات حماية البيئة. ولهذا يتوقع أن تهاجر بعض شركات الطاقة الأمريكية والأوربية الغربية الى دول أخرى للاستثمار فيها وتحقيق الأرباح دون منغصات.

وكجزء من سياسة الاحتواء التي تنفذها الادارة الأمريكية ضد روسيا يجري زيادة الضغوط السياسية على الرئيس بوتين لدفعه للتورط العسكري في أوكرانيا. وما الضجة المفتعلة التي تثار على اكثر من صعيد منذ قرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم اليها الا جزء من حملة منسقة تشارك فيها بكل حيوية ونشاط كامل مملكة الاعلام الغربية بهدف عزل الرئيس بوتين داخل شعبه والتمهيد لثورة بنفسجية أو برتقالية أو أي لون آخر للاطاحة به.

وقد جرت محاولة في العام الماضي لاطلاق مظاهرات احتجاجية لتحقيق هذا الهدف لكنها فشلت ولا يستبعد اعادة المحاولة مرة ثانية وثالثة فالذي انتظر ثمانية عقود لينهي الاتحاد السوفييتي قادر على الانتظار عدة سنين لتحقيق هذا الهدف. فقد تصاعدت شعبيته دوليا لدوره البارز في التوصل الى الحلول الدبلوماسية في الملفين الايراني والسوري ولمبادراته في تشكيل منظمات عالمية تلعب فيها روسيا دورا محوريا مثل منظمة شنغهاي والاتحاد الجمركي مع دول أوراسيا ومنظمة البريكس التي تنظر حاليا بطلب الارجنتين للانضمام اليها.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون غربيون انه ليس من المرجح أن تقوم روسيا بعملية عسكرية واسعة في أوكرانيا أو على غرار ما قامت به في جزيرة القرم لحماية الروس المقيمين فيها. فالرئيس بوتين الذي يراقب تطور الأحداث الداخلية هناك على علم تام كما يبدو بالنوايا الغربية لجره للتورط في الصراع الداخلي الأوكراني.

وبالفعل دعا متطرفون من المحافظين الجدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الى ارسال السلاح الى الحكومة الأوكرانية وعصابات النازيين الجدد للتصدي للتدخل الروسي المزعوم. وكانت صحيفة وول ستريت جيرنال قد دعت بصراحة " الى الاصطفاف مع المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الذين دعوا لتوريد السلاح للشعب الأوكراني لتمكينه من الدفاع عن نفسه " وقولها أيضا " ان الاسلحة المطلوب ارسالها لأوكرانيا هي دفاعية لكنها فتاكة وتشمل الغاما ضد الدروع ومدافع والمزيد من العتاد الذي من شأنه رفع كلفة وخطورة التدخل الروسي في اوكرانيا." (7)

الضغط الاقتصادي على الروس اقترن بضغوط سياسية وعسكرية من جانب التحالف الغربي ، فالهيمنة على البحر الأسود ومنع روسيا من الانفراد في التحكم به هو حلم راود الأمريكيين منذ بداية الحرب الباردة الأولى عام 1947. وأزمتهم الأخيرة مع روسيا التي افتعلوها بتدخلهم السافر في أوكرانيا ستحقق لهم ذلك الحلم. فليس لروسيا ما تستطيع فعله بعد الحشد العسكري الذي نشره حلف الناتو على حدودها مع بولندا وفي قواعده العسكرية في رومانيا وبلغاريا المطلتين على البحر الأسود وفي دول البلطيق الثلاثة ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا. وتكون الولايات المتحدة بذلك قد ضربت عرض الحائط بتعهداتها لأخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل كورباجيف بأبقاء البحر الأسود بحرا روسيا وأي تواجد أمريكي يجب ان لا يتعدى أسبوعين من الزمن. لكن الأمريكيين تجاهلوا الكثير من تعهداتهم بما فيها شن الحرب منتصف التسعينيات على حليفة روسيا يوغسلافيا السابقة وتقسيمها واقامة قواعد عسكرية لها في دولها بمافيها كوسوفو التي اعلنوها دولة مستقلة.

فاقتطاع كوسوفوا من جمهورية يوغسلافيا السابقة ومن ثم الاعتراف بها دولة مستقلة لم يكن الا جزءا من خطة الولايات المتحدة لتعزيز تواجدها في هذه المنطقة المهمة من أوربا. وقد أقاموا لهم قاعدة عسكرية في بوندستيل في كوسوفو وهي ثاني أكبر قاعدة للحلف الأطلسي في أوروبا أتاحت لهم السيطرة على الطرق المؤدية إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإلى القوقاز.


الاهتمام البالغ الذي توليه الولايات المتحدة لأوكرانيا يكمن في كونها بعدا استراتيجيا لروسيا الاشتراكية السابقة وروسيا الحالية ولهذا السبب تسعى بعناد لحرمان روسيا من هذه الميزة. فأوكرانيا مطلة على البحر الأسود ولها حدود مشتركة مع ثمانية دول أوربية شرقية هي مولدوفا ورومانيا وبولندا وهنغاريا وليتوانيا ولاتفيا وبيلاروس وسلوفاكيا. البحر الأسود اضافة الى كونه مقرا للأسطول الروسي يقع في الوسط بين جنوبي شرقي أوربا وأسيا الصغرى ويتصل ببحر ايجة عبر مضيق البوسفور. وبانضمام أوكرانيا وجورحيا المرشحتان للانضمام لحلف الناتو المخطط له العام القادم ستكون كل الدول المطلة على البحر الأسود وهي جورجيا وأوكرانيا وبلغاريا ورومانيا وتركيا أعضاء في حلف الناتو عيونا على تحركات روسيا في تلك البحيرة المائية الصغيرة.

العديد من المحللين السياسيين والعسكريين يتحدث عما يعتبروه ضرورة اقتصادية لبدء سباق جديد للتسلح لتنشيط الاقتصاد الأمريكي. لكن الهدف الآخر الحقيقي لسباق التسلح هو استدراج روسيا للخوض غماره مما سيدفع باقتصادها سريعا نحو الركود الاقتصادي وهو الهدف نفسه الذي سعى ونجح فيه الرئيس الأسيق رونالد ريغن عبر سياساته لانهاء الاتحاد السوفييتي " امبراطورية الشر" بتعبيره.

إن أنصار سياسة كبح النفوذ الروسي واضعاف الرئيس بوتين يبررون ذلك بسبب ضمه جزيرة القرم الى روسيا ، فبحسب مفهومهم ان التدخل في شئون الغير مرفوض بصورة مطلقة إذا قام به آخرون ، لكنه أمر ايجابي وشرعي إذا قام به الغرب. لكن من وافق على غزو العراق لا يملك أي حق في إعطاء دروس في الأخلاق للأخرين سواء كانت روسيا أو غيرها. إن الرجوع الى بنود القانون الدولي ومراعاتها يجب أن يتم دائما لا عندما يكون هذا من مصلحة جهة ما فقط. (8)
علي الأسدي
مراجع لمزيد من الاطلاع :
1-http://arabic.ruvr.ru/2014_03_21/269965823 /
2- Department of Energy , Energy Information Administration ,2012 Statistical US Ministry of Energy
3- Naomi Klein , US fracking Companies are licking their Lips over Ukraine,The Guardian 10/4/2014
4- نفس المرجع السايق
5- Sumas Milne ," It is not Russia that s push Ukraine to the Brink of War " 30/4/3014 The Guardin,
6- مركز الدراسات الأمريكية والعربية ، صحيفة قاسيون
7- نفس المرجع السايق
8- http://arabic.rt.com/press/5622/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر