الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات وحرب التوازن والتنازل - إلى المهجرين ضحايا منجم صوما التركي -

بدر الدين شنن

2014 / 5 / 19
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لايمكن في الظروف السورية الراهنة ، التعامل مع الانتخابات الرئاسية ، وفق ثنائية .. أبيض وأسود .. أو .. مع وضد . فهناك مايريده الشعب ، الذي تأذى وتضرر كثيراً من الحرب البديلة عن الانتخابات ، التي كادت أن تدمر سوريا كلها ، وهو يريد حلولاً ، وإجراءات سلمية سياسية ، وفي مقدمها الانتخابات ، لوقف هذه الحرب ، ليستعيد الأمان والعيش المريح الكريم .. وما يريده الشعب هو فوق كل الإرادات .
من هذا المنطلق ، تصبح الانتخابات ، من حيث المبدأ ، وطنية وإنسانية ، قبل أن تكون التزاماً وتطبيقاً دستورياً ، وقبل المصالح الحزبية ، والفئوية ، والشخصية . لاسيما المتواطئة مع الخارج المعادي .. ومع الإرهاب الدولي .
ومن هذا المنطلق أيضاً ، يمكن للمراقب ، أن يتعامل مع هذه الانتخابات ، والمرشحين فيها ، بمختلف أبعادها ، ومتابعة ما سيتمخض عنها .. وهل هي ساعدت فعلاً على تحقيق ما يريده الشعب منها ، على دروب نضاله وتضحياته ، من أجل الحرية ، والأمان ، واسترداد الوطن المخطوف ، من قبل حملة مشاريع الموت والفوات والتدمير ..

* * *

عند قراءة المراقب المشهد الانتخابي في سوريا ، سوف تتكون لدى المراقب رؤية أولية تظهر دون أي مقدار من الشك ، بفوز المرشح بشار الأسد على منافسيه المرشحين الآخرين " ماهر حجار " و " حسان النوري " وهذه الرؤية لن تتأتى عن مقارنة تفاضلية ، في مستويات الكفاءة العلمية ، والسياسية ، والقيادية ، ومستوى العلاقات الشعبية ، بين المرشحين المتنافسين ، وإنما عن قراءة موضوعية لمفاعيل وتداعيات الحرب ، التي تجري في أجوائها هذه الانتخابات ، والتي تنحاز بطبيعتها إلى جانب من يتولى الدور الأهم في إدارة عملياتها ومجرياتها ، والتي لاتسمح بإجراء تمايز صراعي ، قد يؤثر سلباً على مخطط المسار الحربي ، وعلى خواتمه المأمولة ، وبالضبط على مقاومة الإرهاب ، الذي يستهدق الوطن بكامله .. والشعب كله ، كما يؤثر على إيجاد حكومة قوية قادرة على إنقاذ البلاد من ويلات الحرب ، وعلى بناء ما دمرته الحرب ، ولأم الجراح المادية والنفسية في المجتمع .

ولذا ليس هناك ما يدفع المراقب للسؤال ، عن برنامج الرئيس المرشح لدورة رئاسية جديدة . فبرنامجه هو ما يقوم به الآن عملياً على الأرض ، الذي يعكس إلى حد زمني وعملي ، ما سوف يتابعه في المرحلة الرئاسية الجديدة ، إن فيما يتعلق بالحرب ، أو فيما يتطلبه بعدها من بناء ما تهدم من عمار ، ومن نفوس بشرية .
لكن هذا لايمنع من سؤاله بشكل جاد ، عن خياراته السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، التي سيطبقها ، إن فاز بالرئاسة ، كرئيس مسؤول على كل الأصعدة ، وبخاصة فيما يتعلق بأسلوب الحكم ، والحريات العامة ، والتعددية السياسية ، أو في بناء الاقتصاد ، وأية توجهات ضامنة لازدهاره ، ونموه ، وتحقيق العدالة الاجتماعية في تجلياته وإجراءاته .

لاشك هناك الكثير من الأسئلة لدى المراقب ، عن برنامج كل من المرشحين الآخرين ، اللذين أقدما على المشاركة في انتخابات رئاسية تعددية ، لأول مرة في تاريخ سوريا ، سواء كلن انتخاب الرئيس عن طريق البرلمان ، كما انتخب الرئيسان الراحلان ، هاشم أتاسي ، وشكري القوتلي . أو عن طريق الاستفتاء ، الذي بطبيعته أحادي المرشح ، كما استفتي على الرئيسين الراحلين ، جمال عبد الناصر ، وحافظ الأسط ، وعلى بشار الأسد أكثر من مرة قبل الآن .

ومن الجدير ذكره ، أن المرشحين .. حجار .. والنوري .. ليس لهما تاريخية معارضة ، وليس لهما تمايزاً سياسياً مفارقاً مع المرشح الرئيس، ومع سياسته الراهنة ، وإنما يتفقان معه على مقاومة الإرهاب ، وإنقاذ البلاد من براثن الحرب المدمرة .. ألخ .. وليس لهما تقاطعات مع المعارضات المتحركة ، في الداخل والخارج ، المسلحة وغير المسلحة . وهذا ما يبرر الشك بنجاح أي منهما في الوصول إلى كرسي الرئسة ، أو الحصول على نسبة هامة من الأصوات .
غير أن لدى المرشح " حسان النوري " نزعة .. أو ميزة اقتصادية ، يحاول أن يثبتها كجزء رئيس في سياسته ، إن فاز بالرئاسة ، وهي التركز على أهمية وتشجيع القطاع الخاص .. والاقتصاد الحر " الذكي " .. من منطلق تشجيع الاستثمار وإنهاض الاقتصاد . وكأنه يريد أن يجعل من الخيارات الاقتصادية مضموناً للتنافس الانتخابي ، متجاوزاً ضرورة إعطاء أمن البلاد وأمن المواطن الأولوية ، ومتجاهلاً، رغم أنه وزير سابق ، أن الدكتور عبد الله الدردري ، النائب الاقتصادية في حكومة ناجي عطري قبل الأحداث والحرب ، وكان ذكياً أيضاً ، قد جرب تطبيق مثل هذه الخيارات الاقتصادية وفشل ، لأنها تتطلب تصفية القطاع العام الانتاجي والخدمي ، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية الحرة ، التي تسيطر عليها الاحتكارات الدولية الكبرى ، والخضوع لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، المتعارضة مع نمط الاقتصاد الاجتماعي المطابق للواقع السوري ، والتي أدت إلى توسيع البطالة ، وانحدار ملايين المواطنين تحت خط الفقر . وأدت إلى صنع عامل الضعف الأسوأ في بنية الدولة ودورها الاجتماعي الاقتصادي ، ودفع القوى الشعبية للحراك في الشارع ، الذي استغله الخارج جيداً ، وحول النقمة على الاقصاد الحر وإجراءاته المؤلمة إلى وقود حرب اشتعلت في طول البلاد وعرضها .

والسؤال الهام هنا ، لماذا طرح المرشح " النوري " هذا الطرح الاقتصادي المؤلم الفاشل ؟ .. هل لإرضاء قطاع اقتصادي داخلي .. خارجي .. يطالب أن يطرح مثل هذا الاقتصاد مرة أخرى في سوريا ؟ .. أم أنه تعبير عن مراكز قوى الفساد ، ومجموعة أثرياء الحرب ، الطامحة لاستثمار التراكمات ، التي حققتها بالمتاجرة بلقمة ودماء السوريين ، لتمتلك ناصية الاقتصاد السوري وتوجهه لصالحها في المستقبل ؟ ..

أما بالنسبة للمرشح " ماهر حجار " فإنه يطرح شعاراً لافتاً ، إلى جانب شعارات هامة أخرى ، وهو شعار " التغيير ضرورة " وذلك دون أن يوضح أي تغيير ينادي به . هل هو تغيير ليبرالي سياسي اقتصادي ، الذي لابد أن يرتبط باقتصاد السوق ومتطلباته الدولية السيئة ؟ .. أم هو تغيير وطني ديمقراطي يعتمد الاقتصاد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية ؟ .. أم أن المقصود تغيير الرئيس ؟ .. أم أنه تغيير يشكل امتداداً للنظام القائم مع بعض الاصلاحات ؟ ..
ولماذا يطرح المرشح " حجار " التغيير بدون مضامين محددة .. هل ليتمتع بحرية المناورة ، والتقاطعات ، مع مختلف الأطياف المتحركة بمناسبة الانتخابات الرئاسية ، لعله يحظى لاحقاً بمكانة ذات أهمية في الدولة ؟ .

في أي حال ، وأي كانت الخلفيات ، لابد من أن يسجل للمرشحين " ماهر حجار " و " حسان النوري " أنهما قد دخلا انتخابات رئاسية " تعددية " في أدق وأخطر الظروف التي مرت وتمر بها سوريا ، وشاركا ، مع المرشح الثالث ، بفتح نافذة على مساحة من الوعي السياسي ، هو ما تحتاجه ، وما يجب أن تتمسك به ، وتكرسه ، سوريا الآن وفي المستقبل .

* * *

ما يجب التوقف عنده في هذه المناسبة ، هو أن المعارضة المسلحة ، التي ترفض الحل السياسي ، الذي ينطلق من الحوار .. وعبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لتأمين بقاء الدولة السورية وزيادة قدراتها بعامة ، وتعتبر دعم الخارج لها هو مصدر شرعيتها ، ترفض الانتخابات الرئاسية ، التي يجري ، على قدم وساق ، العد التنازلي لموعدها في الثالث من حزيران القادم . معللة هذا الرفض ، بأن هذه الانتخابات تجري تحت قيادة النظام المرفوض من قبلها ، وبأنها انتخابات " أحادية لاشرعية " . وتغطي بهذ التعليل ، أحاديتها في موقفها من أي انتخابات لاتجري تحت إشرافها ، ولتغطي إيثارها الحرب ، والتحالف مع الإرهاب الدولي ، وقوى إقليمية ودولية حاملة مخططات ، متعارضة مع المصالح الوطنية ومع وجود الكيان السوري ، لتجبر النظام على التنازل .. بلا انتخابات وبلا رأي الشعب .. عن السلطة .

وقد تكرر مضمون هذا الرفض مؤخراً في مضمون البيان الختامي ، لاجتماع ما يسمى " أصدقاء سوريا " ، بحضور المعارضة طبعاً ، في لندن . بما معناه ، أن اي انتخابات تجري في سوريا ، ينبغي أن تكون بشكل أو بآخر ، تحت قيادة المعارضة وحلفائها في الخارج ، حتى تحظى بصفة الشرعية . ما يدل على أن هذه المعارضة لاتزال ، رغم كل المتغيرات الميدانية والسياسية ، تضع نفسها رهينة معادلة حرب التوازن والتنازل . أي تحقيق التوازن العسكري مع النظام لتفرض عليه التنازل السياسي . وأنها غير وارد لديها ، أي مقال مسؤول ، حول مصالح الشعب ، وضرورة اتباع إجراءات سلمية ، وأولها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، لحماية وحدة البلاد وتوفير سبل معيشة أبناء الوطن بمستويات أفضل ، وإنهاء تهجيرهم وتشردهم ، ولتسهيل المصالحات الشعبية ، وإنقاذ البلاد من الإرهاب . وكل ما لديها من مقال ، أن تظل تطلب المال والسلاح .. وتطلب أن يتنحى الرئيس ويسلمها السلطة
إن مأساة المهجرين السوريين في منجم صوما التركي ، مثال بسيط على معاناة ملايين المهجرين خارج بيوتهم ووطنهم .. وجرح يدمي الكرامة الوطنية والإنسانية .

* * *

لقد كفى الشعب السوري تجارب سياسية واقتصادية وعسكرية في كيانه .. وكفى اللعب بوجوده ومستقبله . ومن حقه أن يقول كلمته .. في اختيار من يدير السلطة باسمه ، وأن تحترم حريته وكرامته ، وتطلعاته المشروعة .. في حياة يشبع فيها الرغيف .. ويتمتع بالحرية .. وبهواء نقي خال من دخان القنابل ، والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة ، والتفجيرات الأرضية .

لقد آن الأوان ، بالنسبة لكل القوى السياسية الوطنية ، لتقرأ جيداً واقع البلاد ، وتدرس وتجدد إمكانياتها ، وتعيد النظر في بناها ، ومرجعياتعا ، وآلياتها ، وتحالفاتها ، وتحديد الدروب الأجدى لعملها الوطني .
إن الواقع السوري المؤلم ، يتطلب إجراء نقلة سياسية جذرية متقدمة ، تؤدي إلى أن تتحمل القوى السياسية والشعبية كامل مسؤولياتها ، السياسية ، والإنسانية ، في القضاء على الإرهاب .. وإنهاء الحرب ، وإعادة الإعمار ، وبناء اقتصاد اجتماعي ، يستند إلى قطاع عام إنتاجي وخدمي ، وإلى مشاريع إنماء علمية . وذلك ضمن إطار جبهة وطنية شاملة ، تبنى عليها أعمدة دولة جديدة ، ديموقراطية ، أكثر قوة ، وأكثر قدرة على المقاومة والبناء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر