الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجسات حزبية

احمد عبدول

2014 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تقوم الشركات المسؤولة عن إصدار كبريات الصحف في البلدان المتقدمة بتكليف فرق وجهات بالنزول الى الشارع بغية الوصول الى مستوى انتشار ومقبولية ما تصدره من صحف ونشرات ودوريات , ولا شك ان هكذا عملية إنما تصب في صالح تلك الشركات العملاقة حيث يتم رفع عدة ملاحظات وتوصيات من قبل تلك الفرق, لغرض رصد اتجاهات الرأي العام مع أو ضد متبنيات هذه الصحيفة أو تلك , وهكذا هو الحال بالنسبة للشركات ذات الطابع الاقتصادي , حيث توجد أقسام مختصة للاطلاع على مستويات استهلاك منتجاتها حجم ومقدار مبيعاتها مما يسهم مساهمة فاعلة في ترصين سمعة هذه الشركة أو تلك .
والحقيقة ان ما ينطبق على تلك الجهات والمؤسسات الإعلامية والاقتصادية ينطبق ومن باب أولى على الأحزاب والكتل السياسية , لكننا وللأسف الشديد وعلى امتداد تجارب أحزابنا العراقية بشتى توجهاتها ونوازعها وإيديولوجياتها , لم نلمس أي اثر لهكذا توجه من قبل اغلب تلك الأحزاب , حيث تتقوقع أحزابنا , داخل شرنقة ضيقة , لتبقى بعيدة كل البعد عن أي إجراء من شانه ان يتعرف على اتجاهات وتوجهات وملاحظات الإطراف ذات الصلة (الجماهير ) ومدى مقبولية تلك الأحزاب داخل المجتمع .
ولا شك ان بقاء مثل تلك الأحزاب والتنظيمات السياسية ضمن هكذا اطر ومحددات إنما يعرضها الى الابتعاد عن نبض الشارع وتطلعات الجماهير وأمالهم وطموحاتهم وما يحملونه من رؤى وبرامج , بل ان هكذا تقوقع , إنما يبلور حالة من الفتور والتراخي بينها وبين جماهيرها على المستويين السياسي والمعنوي .
إننا اليوم نلتقي ونتحدث مع الكثير من المثقفين والمطلعين بين وقت واخر ممن يبدون جملة من الآراء والملاحظات الهامة والدقيقة حول عدد من النقاط التي يجب ان تخضع للمراجعة والتقويم, من قبل قيادات الأحزاب وكوادرها الفاعلة , إلا ان تلك الآراء والملاحظات وللأسف الشديد لم تلق اذانا صاغية من قبل من ينتمي لتلك الكيانات السياسية , هذا اذا لم يتهم أصحابها بشتى النعوت والاتهامات .
أرى من الضرورة بمكان ان تعمل جميع الأحزاب على رعاية جهاز رقابي يعمل كمجسات تقدم على انجاز عمليات إحصاء واستبيان حول ما يدور داخل صفوف الجماهير من امال وتطلعات , سواء على صعيد الجماهير المنتظمة حزبيا أو تلك الجماهير, المتعاطفة وغير المعارضة لتوجهاتها وأهدافها .
فهذا احد الأحزاب السياسية العريقة والتي كانت الشمس لا تغيب عن جماهيره ليس على مستوى العراق فحسب , بل على مستوى العالم بأسره ,إبان خمسينيات وستينيات القرن المنصرم , ما يزال ذلك الحزب العريق , يرفع ذات الشعار ويلتزم ذات التسمية ويخط لافتاته بذات اللون ويتمسك بذات المقررات الكلية والجزئية , بل انه لم يزل يحتفظ بقيادات لم تغادر مواقعها لعقود من الزمن , في حين كان يفترض به وهو الحزب اليساري الراسخ , ان يجدد صفحاته ويراجع مقرراته ,بين آونة واخرى, وان يحرص كل الحرص على ان يظهر بمظهر المتوائم مع شتى المتغيرات التي تشهدها الساحة المحلية والإقليمية والدولية لا ان يظل يرتدي ذات الجلباب الذي ارتداه اباؤه الأولون ومؤسسوه الأقدمون , وإلا فما الذي يميزه عن سائر الأحزاب التي يعيب عليها ذلك الحزب تحجرها وجمودها ,بالرغم من ان بعض أحزاب الإسلام السياسي اليوم قد أخذت بالعمل بمبدأ التجديد والتطوير فيما يخص كل ما يتعلق بثوابتها ومتبنياتها وكوادرها فضلا عن شعاراتها وتسمياتها وألوان لافتاتها .
فعلى سبيل المثال فان مفردة ( الشيوعية )ولأسباب عدة تثير داخل منظومة الفرد العراقي النفسية والفكرية والعقائدية والسياسية جملة من الإشكالات والملابسات وتنفتح به على عقود غابرة مليئة بالفتاوى والصدامات والمماحكات والاستهدافات والتصفيات وحملات التشويه التي حرصت على القيام بها الاحزاب السياسية ( البعث ) وبعض الجهات الإسلامية المتخلفة , مفردة ( الشيوعية ) كان من الضرورة بمكان ان تخضع لمزيد من عمليات المراجعة والفلترة ليتم بعد ذلك صياغتها بشكل يتلائم وأذواق ومخيلة وميول الجماهير بشكل عام , إذ لا يمكن لحزب من الأحزاب ان يعتمد ذات المسميات ويرفع ذات الشعارات التي كان يتبناها في مراحل زمنية سالفة دون ان يخضعها لجملة من عمليات التمحيص, لا يمكن لحزب من الأحزاب ان يتوقف عن عملية المزاوجة بين آخر إرهاصات الفكر السياسي والاجتماعي وبين ما كان يتبناه من أفكار وطروحات .
لا يمكن لحزب ان يبقى فاعلا مؤثرا في الوسط الشعبي والجماهيري وهو يحكم بذات الأدوات في تسيير قافلته التي تمخر عباب محيطات وبحار مترامية في عالم الحكم والإدارة .
لا شك ان المنخرطين في صفوف تلك الأحزاب التي لا ترغب بإجراء ادنى تعديلات على متبنياتها, لا شك إنهم سوف يمتعضون من هكذا أمر اشد الامتعاض وان كانت تلك الملاحظات تصب في خانة الرأي والرأي الأخر, الذي يتشدقون به طوال الوقت ,ولعل سبب امتعاض هؤلاء يكمن في إنهم لا يريدون ان يعوا ان الأحزاب والكتل والتنظيمات السياسية , شأنها شأن الإنسان , فهو يمر بعدة ادوار ومراحل حيث ينتقل من مرحلة الضعف والقصور الى مرحلة القوة والظهور لينتهي بما ابتدأ به من ضعف , وهذا ما ينطبق على سائر الأحزاب والكتل السياسية , الا ان ما يختلف بشأن تلك الأحزاب إنها تمتلك المساحة الأكبر والقابلية الأعظم للبقاء والاستمرار ,شريطة ان يواظب أفرادها على مواصلة عمليات المراجعة والتدقيق والتعديل , أما خلاف ذلك الأمر فان تلك الأحزاب والتنظيمات الحزبية والسياسية سوف يكون مكانها وسط احد المتاحف التاريخية لتروي قصص وإحداث أكل الدهر عليها وشرب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟