الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص بحجم الإصبع 1

خلود العدولي

2014 / 5 / 20
الادب والفن


-صفراء-
بعيدا عن الشيوخ السكارى جلس يشرب كأسه في صمت. يبدو انه لم يتجاوز الخمسين من العمر لكنه كان في السادسة و الخمسين. لمح شعرها الأشقر من خلال النافذة و هي تركض خلف الكرة بخفة مع بعض الشباب. تهتز في اندفاع كأنما ولدت لتوها. ارتبكت عيناه بين اصفر البيرة و اصفر شعرها و تذكر أنه بلغ سن الإرتباك. خرج ليستمتع بالمشهد عن قرب، قطرات من العرق كانت تبلل وجهها و شعرها المنسدل على كتفيها .أ يستدعي شعر هذا الكم الهائل من الأفكار التي تعبر رأسه .تأوه شيء بداخله و فكر في ركوب اي حافلة تأخذه بعيدا، بعيدا عن تلك الطفولة التي لمحها في اهتزازها ،بعيدا عن كل هذا الإشعاع الذي يطل
من شعرها بعيدا عن كل هذا العنفوان. لم تقوى قدميه على اللحاق بالحافلة الأخيرة التي سارعت بالإنطلاق قبل دقائق من موعدها فكيف ستقدر هذه الأرجل على اللحاق بخفتها الصفراء القاتلة؟
دخل إلى البار و طلب كأس وسكي و جعل يتفّرس في ملامحها.كانت تجري وراء الكرة لتمررها بخفّة إلى صديقها ثم تصرخ.كان يوّد سماع صوتها لكن لم يصل إليه سوى بعض الذبذبات: باتريك هاي...عندما وضع الكأس على الطاولة سمع صراخا عاليا: هدف هدف هاااااي رائع سوزي.إلتفت مجددا ليجدها تحتضن شابيّن وهي تضحك.أسنانها البيضاء البارزة تعّض لحمه المترّهل حتى اختفى البار في لحظة ما.لم تهدأ,عادت إلى ركضها و اهتزازها العنيف و لم تمضي دقيقة حتى مرّرت لها الكرة من جديد,ركضت بسرعة شديدة لتتعثر في حجر صغير,سقطت سوزي أمام عينيه وارتطم جسدها بالأرض فخرج مسرعا إليها و مدّ يده إليها كي تنهض.كانت تتألم و كان الشباب يحدقون في المشهد باستغراب: من هذا الرجل الذي وصل إليها من البار قبل أن نصل نحن.وقفت سوزي على قدميها و حدقّت في عينيه ثم احتضنته و قالت: جايمس هذا أنت.حدّق فيها مجددا بصمت: نعم كانت تنظر إليه دائما طوال هذه الأيام عندما يدير ظهره ليطلب مشروبا من الساقي و حتما سألت عنه,إنها شقّية يا جايمس,إنها العنفوان.

-عجوز الدي جا فو -
فتحت الجريدة الصباحية و هي تشرب القهوة.حادثة قتل جدّت البارحة في جنوب البلاد و كانت ضحيتها فتاة في الخامسة عشر.فتحت عينيها مجددا: يا إلاهي حصل هذا سنة 1994 و قد قرأت هذا المقال بالذات عندما كنت خارجة للتسّوق يومها و قد اضطررت لإنتظار نهوض سامر من سريره حتى أخبره بهذا الحدث,لم يكن له وقت لقراءة الصحف حينها بسبب الدراسة و لا الآن أيضا بسبب العمل.كانت تريد أن تصّدق بأن هذا الخبر الذي تقرأه الآن جديد,هل هي محض صدفة؟ لكن التفاصيل هي عينها: الفتاة اسمها لينا و الأب أجهز عليها في غرفتها بسبب سكره.تركت الجريدة جانبا و خرجت نحو السوق.عليها أن تشتري بعض الخضر لإعداد الغداء.سامر قادم مع خطيبته اليوم و عليها أنّ تعد وجبة لائقة.أوصاها بأن لا تتحدث كثيرا لأنها أصيبت بالخرف.هذا ما يتعقده ابني المسكين,يعتقد أنني عجوز بصدد الإحتضار.لن أهتم بآرآه مجددا.توجّهت نحو بائع الخضر و جعلت تملأ سلتها بالطماطم.ربّت على كتفها شّاب و قال: سيدتي لقد سقطت منك حافظة نقودك.أدارت وجهها إليه : شكرا جزيلا هذا لطف منك.حدّقت في ملامحه: إنه خالد صاحب محّل البقالة في الحي القديم الذي كانت تسكن فيه.صرخت: خالد ألم تعرفني؟ مضت سنوات الآن منذ كنت اتسّوق في محلّك ألم تعرفني؟ كنت تحمل معي سلّة المشتريات إلى المنزل أحيانا.استغرب الشاب : سيدتي أنا لست خالد,أنت مخطئة و ليس لي محّل بقالة.صمتت ثم قالت : آسفة بنّي,أظنّ أنني أخطئت.سأعود إلى منزلي ,لن اشتري الخضر و لن أطبخ شيئا و على سامر أن يشّمر على ذراعيه و يطبخ لآنسته الصغيرة.عالم موحش,الجميع تغّير,الزمن انتفى تماما,الجرائد تعيد حوادث قديمة : كل شيء يعيد نفسه و كل شيء يدّعي أنه جديد.سأعود إلى البيت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل