الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوى السياسية بين الأيديولوجيا والبرنامج السياسي

محمد كمال

2014 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


في ظلال دول الديمقراطية والدستور والقانون تتأسس مجموعة من أحزاب سياسية من مختلف الألوان الأيدولوجية والسياسية وتدخل في ساحة الحراك السياسي لكسب قاعدة فاعلة ومؤثرة توصل تلك الأحزاب الى مواقع السلطة التشريعية أو التنفيذية حسب طبيعة النظام السياسي القائم في كل دولة، وهذه القوى السياسية في حراكها وعراكها السياسي تعتمد على مؤثرات خطابية وإعلامية لجذب أعلى نسبة ممكنة من القاعدة الشعبية إلى دائرة نفوذها وتعمل بعض تلك القوى، ذات الأيدولوجيات المنغلقة،على توسيع دائرة هذا النفوذ إلى أجل من القوة والسطوة يكون عنده لكل حادث حديث. ولهذا الخطاب الإعلامي الترويجي جناحان هما الجناح الذاتي الذي يعبر عن هوية الحزب السياسي والجناح الاّخر موضوعي وهو الذي يعبر عنه البرنامج السياسي للحزب، هوية الحزب هي تلك الأيدولوجيا التي تعطي الحزب صبغتها الفكرية والفلسفية، وتكون هذه الأيدولوجيا مرجعاً للأفكار والمواضيع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تُكَوِّنُ محتوى البرنامج السياسي، وهذا البرنامج السياسي هو الذي من المفترض أن يكون حلقة التماس بين الحزب من جهة وبين القاعدة الشعبية والنظام السياسي من جهة أخرى، ولكن هذه الأيدولوجيا هي نفسها، من قبل قيادات فئوية أو طائفية أو قبلية، تكون نتاج تفاعلات وتأويلات لنبع ديني أو عقائدي مغلق أو فكري معين، والإسلام السياسي مثال على هذا النمط من الأيدولوجيا، فتتكون الأيدولوجيا في هذه الحالة ليس على أساس النصوص الأصيلة والواضحة للنبع العقائدي أو الفكري، ولكن على أساس تأويلات وتفسيرات للنصوص تنتج عنها منظومة من الأفكار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تبرر المصالح الذاتية للفئة الاجتماعية أو الطبقية التي تتزعم هذا النمط من الأحزاب، ومن جانب اّخر هناك أحزاب سياسية وطنية تشكل أيدولوجيتها الحزبية على أساس المبادئ الإنسانية والوطنية ولا تكون مغلولة بقيود عقائدية صارمة مغلقة، ولكنها منفتحة على اّفاق الفكر المتجدد وتستقي منظومة الافكار من الجهد الفكري المبدع والذي ينظر دوماً إلى الامام.
فمن الطبيعي إذاً أن يكون لكل حزب سياسي أيدولوجيته التي ترسم هويته وبرنامجه السياسي الذي يرسم أهدافه المعلنة ومهماته الوطنية، وطالما أن الأيدولوجيا مهمة للحزب السياسي، فحتماً أن تكون لهذه الأيدولوجيا علاقة بالبرنامج السياسي وأن تتسم هذه العلاقة بالتزام البرنامج السياسي بالمعطيات الأيدولوجية، فإذا كانت المعطيات الأيدولوجية مغلولة مغلقة فإن برنامجها السياسي لا يعتمد على المتغيرات الموضوعية بل يتشبث بتلابيب الأيدولوجيا ذاتها بحيث أن هذه الأيدولوجيا وبرنامجها السياسي يدوران حول بعضهما الاّخر في حلقة مفرغة.
إن هذه العلاقة بين الأيدولوجيا والبرنامج السياسي هي علاقة طبيعية وعضوية، ولكن في بعض الأحزاب تكون العلاقة مريبة وتخفي في بواطنها أهدافاً بعيدة المدى تلبي المكنون في الأيدولوجيا، فمن الطبيعي والواجب الوطني وأهمية السلم الاجتماعي أن نستشف طبيعة الأيدولوجيا من خلال مفاصل البرنامج السياسي.
وحتى لاندخل في تفاصيل التعاريف المتعددة لمفهوم الأيدولوجيا يكفي أن نحصر التعريف في نوعين من الأيدولوجيا، فهناك تلك الأيدولوجيا المغلولة المنغلقة على ذاتها والتي تدعي امتلاك الحقيقة مطلقة تامة كاملة، وهذه الأيدولوجيا تُلْزِمُ البرنامج السياسي بكل معطيات الأيدولوجيا وليس بمعطيات المجتمع وتلبية حاجات الناس المادية والمعنوية، وأصحاب هذه الأيدولوجيا يروجون لأيدولوجيتهم من خلال البرنامج السياسي، وعادة ما يتضمن البرنامج السياسي لهذه الفئة نماذج أيدولوجية لا علاقة لها بطبيعة البرنامج السياسي ومحتواه المعهود والمتوقع، وعلى الجانب الاّخر المناقض لتلك الأيدولوجيا المغلقة هناك الأيدولوجيا المبنية على قاعدة الحياة الإنسانية المتغيرة والتي تسير على خطى التطور والارتقاء، ولا تعتمد هذه الأيدولوجيا على عقيدة مقدسة لا تُمَسْ، بينما تحافظ على المقدسات في مواطنها من موقع الاحترام والتقدير، بل تعتمد على عقيدة التغيير والحركة في الحياة البشرية، هذه الحياة التي تسير دوماً في اتجاه التقدم والارتقاء بالإنسان إلى أعلى مراتب احترام الذات الإنسانية لنفسها في مكونها الاجتماعي المتنامي، وهذه الأيدولوجيا تُوَجِّهُ إلى برنامج سياسي منفتح على التقلبات والمتغيرات على طريق الأفضل والأحسن، ويكون البرنامج السياسي خالصاً ومجرداً من أية مكونات أيدولوجية، ولا يتجه في خطابه الإعلامي على دغدغة مشاعر الناس باستثارة المخزون الثقافي والعقائدي في نفوسهم، بل يكون البرنامج موضوعياً ملتزماً بمطالب الناس الحياتية والحقوقية السياسية منها والمدنية.
فالفيصل في الحكم على الأحزاب هو البرنامج السياسي وإلى أي مدى يكون هذا البرنامج مجرداً من مكونات أيدولوجية، والمحتوى الواقعي والموضوعي والذي لا يغفل ولا يتغافل عن الحاجيات المستجدة للمجتمع بكامل فئاته وأعراقه وأديانه ومذاهبه، دون تفريط ولا تفضيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات