الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول قانون الإصلاح الاقتصادي ردا على تنظير مستشار المالكي للشؤون الاقتصادية د. عبد الحسين العنبكي

فلاح علوان

2014 / 5 / 21
الادارة و الاقتصاد


مقدمة
هذا المقال ليس مجرد رد على كاتب أو تبيان اختلاف آراء ووجهات نظر مع باحث وحسب، انه تناول للسياسة الاقتصادية للحكومة التي عرضها بالتفصيل مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، والتي هي عصارة السياسات النيو ليبرالية مقدمة بهيأة أوامر وتعليمات ووصفات صندوق النقد والبنك الدولي. مع شرح تبريري لها، أطلق عليه اسم تنظير.
لقد انقضت ثلاث سنوات منذ المواجهة الأولى مع صاحب الدراسة- المشروع الذي وضع له عنوانا أكاديميا ثانويا مطولا " تنظير لجدوى الانتقال نحو اقتصاد السوق" بحيث قصر بحثه على البرهنة على التحول إلى اقتصاد السوق، ليكون من إلفه إلى يائه كلاما تبريريا لا مكان للعلم فيه.
وخلال المناقشات التي دارت في مبنى البرلمان أواسط 2011 حيث شاركنا كممثلين للنقابات العمالية، إلى جانب ممثلي البرلمان والحكومة العراقية ورجال الأعمال والمؤسسات الدولية، وهي صندوق النقد والبنك الدولي؛ عبر اتحادنا ومعه اغلب النقابات عن رفض المشروع، فيما وقع عليه ممثل الاتحاد النقابي الرسمي الحكومي.
اصطدم النقابيون بصاحب المشروع وواضع الدراسة الذي هاجم الاشتراكية علنا بمجرد دفاع النقابيين عن القطاع العام ووقوفهم ضد تسريح مئات آلاف العاملين، وتمت مواجهته بقوة وأعلن النقابيون الاشتراكيون في نفس الاجتماع، إن ما انهار هو النيوليبرالية، وان مشروعه ولد ميتا مع فشل النيوليبرالية في منشئها وعقر دارها خلال أزمة الرأسمالية الراهنة.
لم يتسن لي الوقت الكافي طيلة هذه الفترة للتفرغ للموضوع، رغم ما يشكله من تهديد للعمال والمجتمع في العراق. ألا أن المستجدات والتطورات كانت، وكالعادة، أسرع من تصوراتنا ورؤيتنا لما يخطط البرجوازيون، لقد طرح المشروع للتصويت في البرلمان، ولكن كتلا سياسيا وقفت ضده وحالت دون تمريره.
إن البرجوازية حازمة وصارمة في ما يتعلق بمصالحها ولا يشغلها عن المصالح أي " سياسة" جانبية، ولكن تحويل هذه الطروحات إلى قانون واعتماده في التشريع وسريانه على المجتمع والطبقة العاملة هو كارثة؛ غير انه في غمرة الحرب الطائفية والاقتتال وغياب القانون والقمع ومنع التنظيم، يصبح تمرير المشروع أمرا ممكنا بيد البرجوازية التي تسد الطريق على تدخل العمال في مواجهة السياسات المعادية لمصالحهم.
والحال لقد تباطأت كثيرا لدرجة إن الأمر طال أكثر من اللازم، وكان السبب وراء تأخري ولا زال، هو محاولة الخروج بنقد عام شامل تفصيلي لـ " نظرية" العنبكي مستشار نوري المالكي للشؤون الاقتصادية، وعدم الاكتفاء بشجب وانتقاد، بل تحليل كل ما ورد في النص خاصة وانه يقدم مخططات تنفيذية تتعلق بأمور تفصيلية ووصفات لمستقبل الاقتصاد في العراق.
إن نص مستشار المالكي، قد جاء مثقلا بالتعابير المصطنعة والحشو والوصف غير العلمي، ثم عدم الوضوح والتقلب بين نقد والأحرى ذم فكرة معينة، ثم تبنيها والدفاع عنها في السطر اللاحق، وفي مسائل اقتصادية غاية في الخطورة، كونها تتعلق مباشرة بحياة المجتمع وليست دراسة نظرية او بحث أكاديمي عمومي. وبالرغم من كل هذه المخاطر التي ينطوي عيها المشروع، وعدم تحليه بأي رصانة علمية، فقد جرى الإعداد للتصويت عليه وفرضه كقانون، بحيث أدركت الحاجة لنقد كل صفحة بل وكل سطر من الدراسة المشار اليها، خاصة وانه مكتوب بلغة لا تعبر عن بحث اقتصادي علمي، وهي خليط من تعابير حماسية وتبشيرية لسياسة صندوق النقد ومن إنشاء مرسل وكلام رسمي حكومي فيه صلف وغطرسة الواثق من فرض " أفكاره" بقوة السلطة.
إن مهمة نقد المشروع بهذه الصورة لن تكون سهلة، غير أن الواضح إن الموضوع لا يمكن حسمه في مقال واحد، لذا ارتأيت، نظرا لخطورة الموضوع والحاجة إلى إشباع جوانبه بالتحليل والبراهين والنقد العلمي الجدي لكل مخطط الحكومة في الخصخصة وفرض سياسة صندوق النقد، ارتأيت أن اقسم بحثي، والأحرى ردي إلى عدة فصول حسب تقسيم فصول المشروع؛ رغم إني لا اعتبر نفسي باحثا اقتصاديا. انه قطعا لن يكون موضوعا شيقا أو جذابا، ولكنه الواقع، انه صراع مرير مع نظام سياسي يريد فرض نموذج اقتصادي نيوليبرالي قح، وبحماس يفوق حماس صندوق النقد والبنك الدولي بالذات. سيكون هذا الرد جزءا من مواجهة نظرية وسياسية مع أصحاب المشروع من منظرين وسياسيين وبرلمان وحكومة وامبرياليين ممثلين بصندوق النقد والبنك الدولي.
إن دعوة الكاتب إلى إتباع سياسة صندوق النقد والبنك الدولي والانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، والشروع بالاقتراض، وهو ما حصل فعلا، تطلب مني العودة إلى وثائق تتعلق بـ " اتفاقيات" الحكومة العراقية مع هذه الأطراف، والى مراجعة وثائق وأدلة عن الدور التدميري الذي لعبته هذه المؤسسات في البلدان التي تعاملت معها.
وفي الحقيقة فان المؤلف أو ممثل الحكومة في إعداد المشروع، قد طرح نفسه كمنظر لجدوى دور صندوق النقد، أي لتبرير مشروع ميت وباطل أساسا من الناحية الاقتصادية، وبالأدلة والبراهين الملموسة من تجارب دولية عديدة، ولا يمكن الدفاع عنه ولا البرهنة على أي ادعاء ورد فيه وخاصة تمجيد دور اقتصاد السوق والتبشير به.
إن المؤسسات المالية تتحكم بالتدفقات النقدية للدول التي تتعامل معها، وتشرف على اقتصادها مباشرة،وتفرض سياساتها واتجاهات الاقتصاد وأنماط التجارة والتبادل، وترسم دور الدولة في علاقتها بمواطنيها، وفي روابطها الخارجية كذلك، ولكنها لم تحلم يوما بان تجد من " ينظر" لجدوى دورها ويبرره ويحوله إلى تشريع يسير البلد بموجبه.
إن محاولة البحث عن دور ايجابي للبنك الدولي ولصندوق النقد، وخاصة في دولة صاحبة فوائض مالية مثل العراق، هو بمثابة اختلاق لفكرة لا تستند إلى أي أساس، ولا حتى إلى خرافة، على الأقل في الخرافات و الأساطير هناك مخيلة شعبية خلاقة، تصويرية، ترميزية، تستنطق الجبل والبحر للإجابة على ضرورات ومتطلبات، وتزود الحيوانات بقابليات خارقة تستجيب للمصاعب والكوارث التي تواجه الإنسان، وتمكنهم من الكلام بلغة شخوص وأبطال الروايات كذلك، وبطلاقة وذكاء، ويمكن في الأساطير مواجهة وحل الأزمات والخلاص من الكوارث، كالطوفان، أو استنزال المطر وإحلال الخصب لمواجهة الجدب، ولكن ذلك تعبير عن حاجة لترويض الطبيعة بالخيال عندما كان الإنسان عاجزا عن السيطرة عليها في الواقع كما يقول ماركس. أي إنها لم تكن عديمة النفع، بل كانت تعبيرا عن حاجة روحية للبشر في تعاملهم مع الوجود.
إن تلك الأساطير الممعنة في الخيال والغرابة، قابلة للتبرير التاريخي، في حين تستحيل أي محاولة لتبرير أو التنظير لدور ايجابي لصندوق النقد وحاجة العراق للاقتراض منه.
الارتباط بصندوق النقد في العراق لا تمليه أي ضرورة اقتصادية، انه خضوع سياسي بالدرجة الأساس، فالعراق من بلدان الفائض المالي، ومعه سيصبح الاقتراض ضربا من العبث الاقتصادي والتفريط بثروة المجتمع في سياسات مالية واقتصادية مسرفة في الغرابة والتبذير، ثم دفع الفوائد على قروض مفروضة فرضا، وتقييد البلاد بوصفات وأوامر لا تقود إلا إلى مزيد من نهب الثروة وضياعها. كل تلك ذلك يجري تحت عنوان الخصخصة والاستثمار وتقوية وتمكين القطاع الخاص.
إن الاستثمار هو تحويل المال إلى رأس مال وبالتالي الدخول في دورة رأس المال التي تنتهي بتحقيق الربح لأجل إعادة تجديد الإنتاج، هذا هو منطق الرأسمال. إن دخول ميدان الإنتاج يعني الدخول في سوق رأسمالية عالمية عريقة، تقودها وتسيرها اقتصاديات عالمية جبارة تعيد التقسيم العالمي للعمل بين فترة وأخرى حسب متطلباتها وليس متطلبات نمو البلدان الساعية للتصنيع والتطور، أو ما كان يعرف بالتنمية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
إن تحقق مستوى من النمو في بعض البلدان، لم يجر إلا عبر صراع ضاري مستميت ضد هذه السياسات الاحتكارية، وليس بالاعتماد على وصفات المؤسسات المالية للرأسمالية العالمية، ممثلة بالدرجة الأساس بصندوق النقد والبنك الدولي. إن هناك العديد من الأمثلة على الخراب والدمار الذي حل بالاقتصاديات التي خضعت لسياسة صندوق النقد، وبكلمة، في جميع الدول التي تدخل فيها صندوق النقد من أفريقيا إلى آسيا وأمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية. في حين ليس لدينا مثال على بلد حقق تقدما إن مكاسب من خلال التعامل مع صندوق النقد.
سنتطرق بالتفصيل خلال فصول لاحقة للدور الذي لعبه عالميا صندوق النقد، في حين سنشير في المقدمة إلى الخطوط العامة والأساسية التي نعتبرها جوهر الموضوع.
إن الدراسة- المشروع يتجاوز بكثير تسهيل قيام حفنة مستثمرين ببعض المشاريع، انه يريد تغيير كل هيكل الاقتصاد، وتحويله إلى اقتصاد السوق؛ وتصفية مشاريع القطاع العام وتحويل ملايين العمال على شبكات الرعاية الاجتماعية كما يؤكد صاحب المشروع صراحة وعلانية، وتسريح مئات آلاف الموظفين الحكوميين ووقف الدعم الحكومي لأي صناعة أو مشروع حكومي، وبالتالي نوع من الإبادة المعيشية الجماعية.
إن بطلان النظرية- الدراسة من منظور اقتصادي وليس من فقط من زاوية الاختلاف السياسي الأيديولوجي او التعبئة والتحريض السياسي، يتأتى من:-
ٲ-;-- إن المستثمر المفترض، عليه أن يقوم بتصريف منتوجه،
ب- في حالة تسريح الملايين لن يبق هناك دخل يكفي للشراء وبالتالي ستتكدس البضائع،
ج- في هذه الحالة سيكون هذا الإنتاج معدا للتصدير، ولن يكون بإمكانه المنافسة عالميا، مع مستوى تكنولوجيا متدني، دون أن يستخدم عمالا بأجور متدنية جدا، ليس بإمكانهم تحقيق مستوى الكفاف,
د- إن تحويل الملايين، كما يقترح مستشار المالكي، إلى معدمين يعيشون على صناديق الرعاية، وهي لا تتجاوز 130 ألف دينار يعني حوالي مئة وستة دولارات للعائلة شهريا، سيمنعهم حتى من شراء الخضروات التي تباع على الأرصفة، ولا علبة ماء ذات اللتر او اقل. خاصة وانه مع إطلاق آلية السوق فان الأسعار قد تضاعفت. أي بكلمة سنحول عوائد النفط إلى مشاريع خاصة لحفنة طفيليين مقابل تجويع الملايين ودون أي جدوى اقتصادية.
بل أن مستشار المالكي لم يصف لنا حتى ما هي الاستثمارات أو الصناعات القابلة للحياة في القطاع الخاص الجديد الذي "ينظر" له.
ليس هناك أي مستثمر حاول الشروع بصناعة أو استثمار موسع وحسب وصفات مستشار رئيس الوزراء، إنهم ينتظرون صدور "القانون" لكي " يقوموا بـ " استثمار" شركات القطاع العام التي سيتم نهبها وتسليمها لمجاميع من المتطلعين للثراء من تصفية وخصخصة شركات القطاع العام الحكومي. سيكون هذا احد محاور الرد على مشروع ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم


.. د. أحمد غنيم لخالد أبو بكر: كلما تقدمت الدول كلما تحولت من ا




.. كل يوم - د. أحمد غنيم :الدولة تقدم الدعم النقدي لأصحاب المع