الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفريقيات -موانع المأسسة السياسية

ابراهيم ازروال

2014 / 5 / 22
السياسة والعلاقات الدولية


تتوفر القارة السمراء على مؤهلات طبيعية وبشرية كبيرة ؛ إلا أن أبناء الفضاء الإفريقي غير قادرين،الآن ، على استثمار مقدراتها ومؤهلاتها وثرواتها ، بما يستجيب لطموحات الأفارقة ولمنتظراتهم ويدرجهم في سياق التاريخ الحي .
لماذا يحرص الأفارقة على تضييع الفرص التاريخية ، والتحرك على هوامش التاريخ فيما تؤهلهم مقدرات قارتهم ومؤهلاتهم البشرية ، للمشاركة الفاعلة في ديناميات الألفية الثالثة ؟ لماذا تعجز النخب الإفريقية ، عن التوافق على رؤى مشتركة ، لعقلنة استغلال الثروات، أيا كانت طبيعتها، ، وتمكين الجميع من الاستفادة من مداخيلها ؟ ألا يكمن الخلل ، أصلا في التركيز على المقدرات الطبيعية ، وعلى الموارد الطبيعية في المسارات الإنمائية؟ أليس الرأسمال البشري أثمن رأسمال ؟
كيف يمكن تأهيل القارة السمراء ، في غياب بنى سياسة قوية ، وقادرة على امتصاص الرجات ومفاعيل الأطر الثقافية العمودية ولا سيما في لحظات الارتجاج السياسي وغياب القوى التوافقية أو القوى الرادعة؟
لقد شهدت القارة السمراء انبثاق توترات وقلاقل متواترة طيلة العقود الأربعة الأخيرة ،بسبب ضعف البنيات السياسية ،وسهولة إقحام الأبعاد الإثنية والطائفية والقبلية ، في الاختلافات القائمة بين الفرقاء السياسيين أو بين التيارات السياسية –الثقافية المتصارعة أو المتعادية بفعل اختلاف الإيديولوجيات والفكرانيات المستلهمة أو المستعارة من الشرق أو الغرب .فما أن تفتح جبهات الصراع السياسي أبوابها ، بسبب الاختلافات الشخصية بين السياسيين ، أو بسبب الرغبة في الانفراد بالقرار السياسي أوفي احتكار الثروات الوطنية أو في الاستقواء بقوى إقليمية أو دولية ، حتى تتفكك البنى ، ويحتدم العنف ، ويصير الفضاء السياسي مجالا لكل الانفلاتات .فالبنى القبلية والطائفية ، مانعة لتشكل أي فضاء سياسي مستقل ، وقادر على إدارة الاختلافات وتوجيهها بما يضمن للسياسة اشتغالها الطبيعي حتى في أقصى لحظات التوتر والتصارع بين الفرقاء وبين التوجهات والتيارات السياسية .فلئن عرفت مناطق إقليمية براديكاليتها النظرية ، فإن القارة السمراء ، مترعة ، بالراديكالية العملية ،المتجسدة غالبا ، في اقتتالات ذات طابع استئصالي ( نموذج رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى والسودان الجنوبي ...) ،وتفكيكات سياسية ، تحيل البنى السياسية القائمة إلى مجرد حطام مستفحل (حالة الصومال ) ، واختلافات داخلية عميقة الوقع وشديدة الجارجية كما في الصراع بين لوران كباكبو والحسن وترا بالكوت ديفوار.
إن كلفة الصراعات الإفريقية عالية،سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
فغالبا ما تقود الصراعات إلى توجيه مداخيل الثروات الطبيعية (البترول والغاز واليورانيوم والماس والكولتان ) نحو التسلح وإدارة الحروب وتوسيع رقعتها واسترضاء الشركاء .ومن المعلوم أن القارة السمراء تملك 12٪-;-من احتياطي النفط العالمي و 10 ٪-;-من احتياطي الغاز و80 ٪-;- من البلاتين المنتج على الساحة العالمية وتساهم ب40 ٪-;-من إنتاج الماس العالمي ، و 25 ٪-;- من إنتاج الذهب العالمي .فهل يمكن تحويل هذه المقدرات ، إلى مهامز للنمو والحراك السياسي وترسيخ المؤسسات وإبعادها عن الشخصنة وعن الاهتيامات الاستحواذية ( حالة الإمبراطور بوكاسا بأفريقيا الوسطى ) ؟
لا يمكن للثروة الطبيعية أن تكون رافعة إنمائية ، إلا إذا أرفقت بتحديث سياسي ، يطال الثقافة السياسية والتنظيمات وقنوات التنظيم السياسي.
فبما أن القارة السمراء ، لم تؤسس الفضاء السياسي كفضاء للتنافس والعنف الرمزي ، فإنها تعود أثناء كل أزمة سياسية إلى فضائها الأنثروبولوجي ، والى موجهاتها الثقافية القائمة على تراتبيات وتمايزات بعيدة ،في الغالب، عن روح التوافق الديمقراطي. فكلما اختل التوازن السياسي ، تداعى الفرقاء ،إلى تحريك القاع الأنثروبولوجي والذاكرات الجماعية .فلئن تمكن الفضاء الأوروبي منذ النهضة ،من تكثيف الفواصل بين الاعتبارات الانتمائية –الشاقولية والاعتبارات الاختيارية الأفقية ، فإن الفضاءات الأفريقية ، تكابد المشاق من أجل تأسيس الوعي السياسي على اختيارات عقلانية واضحة لا على مؤثثات اللاشعور السياسي .
لم تستطع النخب الإفريقية ، رغم الفاصل الاستعماري والتجارب الوطنية ، إقامة نصاب سياسي ، قادر على تحويل المجرى الأنثروبولوجي المتحكم في المتخيل السياسي الإفريقي ،وإعادة صياغة العنف الأنثرو-سياسي، وبناء الأنساق السياسية على العقلنة والعدالة وغلبة القانون .
فلولا ضعف البنيات المؤسسية ،ما بلغت الاختلافات الإفريقية ما بلغت من حدة(حالة ليبريا والكونغو ) بل من قساوة أحيانا ( مجازر رواندا وإفريقيا الوسطى ومقتل باتريس لومومبا .... الخ) .
لم تستطع النخب الأفريقية ،عموما ، إنتاج نسق سياسي ذي أفق ديمقراطي واستلهامات ثقافية محلية.فالحقيقة أن ما يتغلب على الواقع السياسي الإفريقي ، خصوصا في لحظات الأزمة السياسية ، هو المؤثرات الثقافية الانعزالية ، الرافضة لأي تساكن أو تفاعل ، بين الجماعات والكتل السياسية ولأي تسويات حافظة لنصيب كل فريق في النصاب السياسي والاقتصادي .لم تعرف القارة السمراء ، إلى الآن ، إحلال الانتماءات الأفقية محل الانتماءات العمودية. فكلما خطا النسق السياسي خطوة نحو المأسسة ، تراجع ، إلى الخلف ، ليعيد الصلة ، من جديد ، بالقدامات الإثنية والطائفية وبالشخصنة السياسية .وحينما يصعب رأب الصدع بين الفرقاء ( مثال جنوب السودان ) ، ينبري المتصارعون إلى اصطفافات سياسية مانعة لأي تسوية ،والى تحريك العنف ،المشحون بأحقاد الماضي .فلا أثر غب كل خلاف محتد ،حسب المتواتر في وسائل الإعلام العالمية ، إلا لجثث مقطعة الأوصال ومرمية في الحفر والآبار ، ودور محروقة (دارفور) ، و أسر متشظية ، ومجاعات مستفحلة (إثيوبيا)،وثروات مهدورة وتهجير قسري وتطهير عرقي.
فكلما دب خلاف سياسي غير مطوق ، إلا وظهرت المجاعات واشتعلت نيران الحروب الأهلية ،و أظهرت القارة السمراء من جديد ،نأيها ،التراجيدي ،عن التحديث السياسي.
كيف يتساكن الغنى الطبيعي ، مع المجاعات والأوبئة والهجرة السرية والفقر والفساد والتضخم ؟لماذا تستعصي الولادة الحضارية للقارة ، رغم كل مواردها الطبيعية والبشرية ؟
فلئن شكل النصاب السياسي ،رافعة للتنمية ، و أداة فعالة لتهذيب الاختلافات ،فإن ضعفه التاريخي في الفضاء الإفريقي ، يسعر الاختلافات ويمنع أي تسوية تاريخية ممكنة بين الفرقاء .
إن الاهتمام الحصري بثروات إفريقيا وبإمكانيات الاستثمار فيها ، لن يخدم ، في الحقيقة ، إلا مصالح المستثمرين العولميين المنشغلين بأهداف مرحلية لا بأهداف إستراتيجية .فإفريقيا ،محتاجة إلى جانب الاستثمارات الخارجية وتنظيم اقتصادها وإخراجه من حيز الريوع ، إلى تنظيم فضائها السياسي ، وتصليب ثقافتها السياسية والى إعادة صوغ عمقها الأنثروبولوجي حتى يخدم فضاءها السياسي ويمده بفضائل أخلاقية عالية( نموذج نيلسون مانديلا وسانغور...الخ) .


فغياب ثقافة التوافق والتسويات والاحتكام إلى الرأي العام والى الخبراء والحكماء والنخب المجربة ، مؤشر دال على صعوبة تفكيك المخيال السياسي القبلي أو الطائفي و إرساء مؤسسات راسخة ومستقلة عن إرادة الأفراد وعن تطلعات الجماعات الإثنية والطائفية المختلفة.
وفيما تعزز ثقافات أخرى أنساقها السياسية ( أمريكا اللاتينية )،فإن القارة السمراء تشهد ،أحيانا، تفكيك البنيات الموجودة وفتح المجال السياسي على مجهول القبائل والطوائف(حالة مالي ...) . إن انتقال بعض بلدان القارة السمراء من معلوم المؤسسات السياسية إلى مجهول الإثنيات المتناحرة والمتنافسة على المواقع وعلى الريوع السياسية والمالية والاقتصادية ، أمارة على استحكام البنى القديمة وتحكمها في إدارة العقل السياسي الإفريقي .
أليس غريبا ، أن تعجز دول أفريقية متوثبة للزعامة الإقليمية بله للزعامة الدولية ،بتشجيع مؤكد من مداخيل البترول والغاز ،عن احتواء الجماعات الهوياتية المستعيرة ، غالبا ، لإيديولوجيات برانية ؟كيف تحولت القارة السمراء ،إلى محفل ،لاستعراض كل المستعارات الإيديولوجية ،وضخ سميتها وعنفها واهتياجها ، في قلب القبليات الإثنية والطائفية المحلية ؟


إبراهيم أزروال
اكادير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا


.. طالبة تلاحق رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق وتطالبها بالاستقا




.. بايدن يقول إنه لن يزود إسرائيل بأسلحة لاجتياح رفح.. ما دلالة


.. الشرطة الفرنسية تحاصر مؤيدين لفلسطين في جامعة السوربون




.. الخارجية الروسية: أي جنود فرنسيين يتم إرسالهم لأوكرانيا سنعت