الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا تضع السلطات العربية الرجل المناسب في المكان المناسب ؟

محمد عبد الرحمن يونس

2014 / 5 / 23
الادب والفن


منذ أن انغمست السلطات العربية المعاصرة في ملذات الحكم الأسطورية ، من مال ونساء وجنس وخمور وعربدة، وفي مفاسده أيضا من ظلم وقهر لعباد الله البسطاء ، وتجاوز للقوانين ، وإخضاع هذه القوانين لمصالحها ورغباتها، أرتأت أن تختار لنفسها بطانة وحا شية فاسدة ، لا خلق لها ولا ضمير ، حتى تستطيع هذه السلطات من خلال هذه البطانة أن تكرس نفسها بسلطة السيف والبطش، وقد كان معظم أفراد هذه البطانة من الرجال الذين لا تاريخ معرفي لهم، ولا تاريخ أخلاقي إنساني لهم، والذين لم يسهموا أبدا في تطوير مجتمعاتهم والعمل على رقيها وتقدمها ، بل سخروا أنفسهم ليكونوا أدوات وظيفية مستلبة تعمل وفق ما تمليه عليها هذه السلطة ، فقربت هذه السلطات القضاة الفاسدين، والوزراء الفاسدين، ومدراء الجامعات الجهلة، وعمداء الكليات الذين لم يكتبوا بحثا في تاريخ حياتهم، والذين ترقوا من خلال سرقة أبحاثهم الجامعية ، أو من خلال شرائها بقوة المال والسلطة. إني أعرف عميدين من عمداء الكليات في إحدى الجامعات العربية الخليجية ترقيا من رتبة أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك، ولم يكتبا كلمة واحدة، بل فرضا على الأساتذة الذين يعملون تحت إدارتهم على كتابة مثل هذه الأبحاث ، وذلك بتهديدهم بطريقة وقحة ، قائلين : إما أن تكتبوا لنا أبحاثا وإما سنلغي لكم عقود عملكم . وما كان من بعض الأساتذة إلا أن رضوا بواقع الحال ، خوفا على رزقهم وعلى رزق أطفالهم ، أما البعض الآخر فقد رفض ، وفؤجئ في آخر العام الدراسي بأن ألغي عقد عمله ، كما حصل تماما مع أستاذ صديق من السودان الشقيق ، فقد أبعد الرجل عن عمله ، بعد أن كتب عميد الكلية إلى رئيس الجامعة طلبا يطلب فيه إلغاء عقد عمل هذا الأستاذ لأن الطلاب لا يحبونه ، ولأنه يتأخر عن موعد محاضراته، مع العلم أن هذا الأستاذ السوداني كان من أكثر الناس خلقا وتهذيبا وانضباطا ، والتزاما بمواعيد محاضراته .
في العالم العربي، هذه الغابة الحزينة الشاسعة، لم تضع السلطات العربية الرجل المناسب في المكان المناسب أبدا ، ولم تكرم أصحاب الكفاءات ، والشرفاء الحقيقين العاملين على دفع بلدانهم نحو مسيرة الرقي إلى الأمام، ولم تقرب أصحاب العقول المستنيرة، وأصحاب الأيدي النظيفة الذين يتجسد همهم الأول في بناء بلدانهم وتحديثها وتطويرها ، بل عمدت بطريقة مدروسة مقصودة ومبرمجة إلى إبعاد الشرفاء عن ساحة الفعل الحقيقي ، وأحيانا إلى إقصائهم بتهم ملفقة لهم ، كان من شأنها أن تبرزهم أمام محبيهم وأهلهم بأنهم أعداء للوطن وخائنون لمنجزاته ومكتسباته، وبأنهم متآمرون عليه .

إن السلطات العربية لاتقبل النقد ، ولو بكلمة واحدة، فالقاضي العربي لا يقبل أن تقول أمامه أنا مظلوم يا سيادة القاضي، والوزير العربي لا يقبل أي شكوى أو تظلم من شأنها أن تمس أيا من أفراد حاشية وزراته المرتشين والفاسدين .
وهكذا، وفي ظل الظلم السائد في أروقة العالم العربي، فإن هذا العالم صار مجموعة من القبائل والعشائر والطوائف ، والقطعان التي تأكل بعضها ، غابت الأمة الدولة ، والمدينة ببعدها المديني والحضاري والقانوني المنظم، ليحل محلها القبيلة بعرفها اللاقانوني ، غاب قانون العقل ليحل محله قانون سيد القبيلة ، ساد قانون الغاب وألغي قانون العقل، وأبعد الشرفاء أصحاب العقل بطريقة قصدية ، فمنهم من نأى بنفسه عن هذا الغاب، ومنهم من أجبر على أن يتغيب، أو يطلب الغياب ، واستلم أراذل الناس وسفلتهم وطغاتهم المناصب الحساسة والمهمة في بنية الدولة القبيلة، وأبعد الشرفاء ، وأدخلوا السجون لأنهم قالوا لا،لكل هذا الفساد المرعب.
ويرى فقهاء المعتزلة :
أنّه يجب أن تتوافر في الإمام مجموعة من الشروط ، باعتباره حاكماً أعلى في الدولة ، وهذه الشروط هي :

. ـ العدالة على شروطها الجامعة .1

. ـ العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في الأمور المتجددة والأحكام .2

. ـ سلامة الحواسّ ، من السمع والبصر واللسان .3

4 ـ سلامة الأعضاء من نقصٍ يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض .

. ـ الرأي المفضي إلى سياسة الرعيّة وتدبير المصالح .5

. ـ الشجاعة والنجدة ، وحماية الأمّة ، وجهاد العدو .6
لمزيد من الاطلاع ينظر : ((/الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البغدادي (ت450هـ/1058م): الأحكام السلطانيّة، طبعة القاهرة، 1960م، ص6 )).
إن من يتأمل حياة المسؤولين العرب وأفعالهم وأقوالهم وممارساتهم، يجد أنها تخلو تماما من هذه الشروط التي جاء بها فقهاء المعتزلة .
وبدلا من يكون المسؤول العربي المعاصر أخا كريما وصديقا للمواطنين البسطاء المقهورين المظلومين ، وعاملا على رفع الظلم عنهم، فإنه نصب نفسه عدوا لهم، وعمل على زيادة ظلمهم واستلابهم، وفي الوقت نفسه عمل على تشجيع الظالم الباطش، والثري المتنفذ، ورضي هذا المسؤول أو ذاك أن يكون خادما لهذا الظالم، مناصرا له، منافحا عنه ، وعمل على إرضائه في غيه وطيشه واستبداده، وقبل رشوته، والجلوس على موائده المسروقة من قوت الشعب البسيط .
مقولة (( الرجل المناسب في المكان المناسب))، والأكفاء في مواقع البناء والتعمير الحقيقية ، التي نادت بها السلطات العربية حتى تكسب رضى شعوبها مقولة خادعة مضللة كاذبة ، لقد قربت أراذل الناس، ووضعتهم في مناصب لا يستحقونها، وأبعدت الرجال الشرفاء الحقيقين عن مواقع البناء والتعمير والرقي والتنوير . لكم الله أيها البسطاء الغرباء والضعفاء المستلبون العاجزون الفقراء، المظلومون الذين لم يدافع أحد عنهم ، في مسيرة حياتهم القاسية، والتي نصبت السلطات العربية نفسها، وعبر تاريخها الطويل، عدوة لكم ولأحلامكم في الحق والخير والعدل والسلام .
ويحضرني الآن ، دعاء لرسولنا الكريم ، عليه أفضل الصلاة والسلام، و على آله وصحبه أجمعين ، رواه عنه الإمام علي زين العابدين،( عليه السلام) وقد أكد الرسول في هذا الحديث أن الله كنزكم، وصاحبكم، ومعينكم: (( يا معين الضعفاء، ياصاحب الغرباء، يا ناصر الأولياء، يارافع السماء، ياأنيس الأصفياء، ياحبيب الأتقياء، ياكنز الفقراء، (...) يا أكرم الكرماء)).
لمزيد من الاطلاع ينظركتاب : شهر الله، مناسبات ـ أحكام ـ أعمال ، دون ذكر لدار النشر،ولا لتاريخ النشر، ص 192 .
د. محمد عبد الرحمن يونس
أستاذ بجامعة ابن رشد بهولندا، ومدير العلاقات العامة بالجامعة
أستاذ في جامعة جين جي الوطنية ـ الصين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي