الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة

نبيل محمود

2014 / 5 / 24
الادب والفن


أوطانٌ تكنس أبناءها كالغبار
وتقيئهم من أحشائها
ما أنْ يتعلّموا اشعال سيجارة أو حريق
الغيوم تقود خطاى على الطريق
تتلبّد الذكريات
وينزل المطرْ
من يعصر السماء
في هذا الشتاء؟
وفي قلبي
يرتعش عصفورٌ مبلّل
يقطر منه الأسى..
أيتها الروح المرتجفة
لِمَ لمْ تجلبي معطفكِ؟
قارسٌ هذا الزمن
ألسنا في عزّ الثلج؟
وتعرفين جيداً
كم هي باردة وموحشٌة دروب السفر..
أهو المعطف فقط
ما تركناه هناك
أم سنوات منطفئة في أزقّة موحلة؟
لا بأس يا قلبي
فعصفورٌ مرتعش
خير من حياة حبيسة
في قفص
وأنتِ أيتها الروح
تدثّري بأغنية قديمة
لمْ يكنْ لدينا وقت
لترتيب الحقيبة
فالفجر أوشك أن يدركنا
أصوات الليل وشوشة وصرير وفحيح
وأضواء النهار جناية والظلال وشاية
علاقتنا بالوطن كانت مريبة
للحيطان آذان وللخوف عينان..
***
زيت الناسك قد نضب
اِنطفأ وحيداً في صحراء الروح
لم يعدْ يبصر بعدما جفّف ينابيع الجسد
والصوفيّ لم يجدْ
في الحقل زرعاً ولا حطب
اِقتات بالحروف وتدفّأ بالخِرَق
كم من حلاّج دخل المدينه
ونجا من الصلْب
ما أن افصح قلبُه عن دِينَه؟
لكل مدينة أسوارها وأسرارها
سجونها وجلاّدها..
***
بأيّ حقلٍ تينع الثمار
فلن تسقط إلاّ في مدينة!
الفلاحون نزلوا المدينة
واحْتطبوا كلّ حديقة
وحدّقوا بذهول في القُبَل
لم يبقَ شجرٌ يُواري الشفاه
ذُعرَ العشّاق
وانطفأت الشعلة
في قلب ثوريٍّ عابس
لم يوفّرْ غير رغيف يابس
معامل لم تنتج غير الصفيح
ووطن لم يبدع إلاّ مدن الصفيح
كان الوطن يصغر
وكنّا نكبر ونكبر ونكبر..
قال مهرّج المدينة العابث
- لنؤجّر الأوطان ونهاجر..
مسكين مهرّج المدينة
لم يعرف أنّ الأوطان
قد رُهنتْ منذ زمن بعيد
بسبب صفقة بيع مجحفة!
***
الحشود تقطفني من نفسي..
أنا لست أنا
إمّا مجرمة
أو محرّمة
هذه الأنا..
كم تولّهْنا بالإثم
وكم سحرتنا الخطيئة
فانبرى الحجاب لحجب الحقيقة
تشاغلنا بالعري عن العهر
انتحب الصوت وشحب الصدى
ولم يلُح الطيرُ في المدى؟
بين الماضي والمستقبل
حاضر من الشطط !
جرح مفتوح
على امتداد الروح
بين الوطن والغربة
حبلٌ سرّيٌّ طويل كالمتاهة..
من يضبط إيقاع الخطى؟
والدرب إمّا رملٌ أو حصى
إمّا وحلٌ أو ...
إلى كل الجهات
أمدّ البصر
فينكشف عالم واسعٌ
آه كم أنت شاسعٌ
أيها الوجع..!
***
كيف لي أن أغنّي الجمال الرفيع
وكلّ هذا الانحطاط يحاصرني؟
حتى الإلاهات الفاتنات الغابرات
رأيتهن يعْبرن الشارع
ويحملن تفاحاتهن الحمر
تدحرجت إحداهن
واستقرّت عند حافة الرصيف
نصفها مغمور بمياه الصرف الصحي
تحت عمود الإنارة ذي المصباح المعطوب
النوم قريب والحلم بعيد..
أغمضت عينيَّ عند الرحيل
وجررتُ قلبي
إلى البحر
والقصد ما وراء البحر
بسط عصفور القلب جناحيه
ولامس حرير السماء
نقر الغيم
وانسكبت شلالات ماء
القارب نصلٌ صدئ
يجرح جسد البحر
والحمولة آهات مكتومة
تعبر خط استواء الألم
إلى شمال الحلم
تهرب من هذيان الأوطان
(اُهربْ يا ولدي فالوطن قادم..
هذا ما قالته الفلاحة لابنها) (*)
***
لا مكان للفقراء في الطائرات
لا مكان للفقراء في القطارات
قوارب الموت
سرَتْ بنا بصمت
فالبحر قدرنا..
كم بلّلَنا البحرُ؟
وكم موّه ملامحَنا الضباب؟
لكنّ سُمرتنا وغبارنا القديم
ظلاّ عالقين بأجسامنا كالقار
أرهبنا انخفاض درجة انجماد الحقيقة
وأرعبنا ارتفاع درجة حرارة الجنوب
تحت ضغط الجنون
نيراننا كانت صديقة..!
***
بعضنا سكن الأعماق
ونام في تابوت رمادي
يشرب الزرقة الأبدية..
والأحلام المتفسّخة
تُدهش العيون المعدنيّة لأسماكٍ غبيّة
تنتف أجساداً مكفّنةً ببرودة العمق المعتم..
مَن يسمع صوت النحيب
وسْط هدير الأمواج؟
مَن يعثر على دمع الضياع
بين لزوجة الطحالب الخضر
في قاع البحر؟
عند الشاطئ الآخر
وللمرة الأخيرة
اِلتفتنا إلى البحر
كانت تتكسّر على سطحه بقعة حزن طافية..
***
ما جدوى الرحيل؟
وخيباتنا تملأ الحقيبة
والأحزان فوق الأحزان
تسيل منها الأوطان
نغسل الوجوه من بقايا الكوابيس
ونمحو تجاعيد الخوف من طيّات الحروف
الكلمات أصوات الغياب
توقظ فينا ما يتوارى..
ما أحوج الإنسان للنسيان
عند اكتظاظ الذاكرة بالآلام
لا سلام عند إطباق الجفون
فمنذ الميلاد وحروب الأشباح
دائرة في الأرواح
ما الذي يتخلّف من الحيوات؟
غير أغانٍ وحكايات
تعزفها أنغامٌ
وتسردها كلمات..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) إيريك هوبزباوم، عصرالإمبراطورية، المنظمة العربية للترجمة، بيروت 2011، ص 279 (.. (عليك بالهرب، فالوطن قادم) أمّ فلاحة إيطالية لابنها. منقول عن الكاتب الإيطالي جوفين (F. Jovine) (1904-1950). )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس


.. ليلى عباس مخرجة الفيلم الفلسطيني في مهرجان الجونة: صورنا قبل




.. بـ«حلق» يرمز للمقاومة.. متضامنون مع القضية الفلسطينية في مهر