الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الفتاح السيسي.. أو خيار الأزمة

محمد عليم

2014 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ليس ثمة أعمى في مصر أو المهتمين بشأنها في العالم؛ من لا يرى انقسام المصريين، أيا كانت نسبيته أو خطورته، الانقسام الذي مهّد له وأصَّله ورعاه المدعون من جماعة الإخوان منذ ما قبل استفتاء مارس 2011، ثم الانتخابات البرلمانية من العام نفسه، ثم الرئاسية في 2012، ثم سقوطهم المدوي الأخير في 30 يونيو 2013، حتى خرج علينا في مصر وخارجها من أنصارهم المتعصبين من يختزل المصريين بين مؤيد لما أسموه بالانقلاب العسكري على "الشرعية الديمقراطية" ومعارض له، وبدا المشهد المصري على النحو الآتي:
- جماعة قررت الثأر ممن سلبها "ملكها" الذي لم يكد يشتد عوده، فأخرجت أثقالها في شوارع مصر وعلى أطرافها من تفجيرات واعتداءات وترويع، ظنا منها أنها ستسقط "دولة الانقلاب"، وفي سبيل ذلك تحالفت مع شياطين الأرض من أعداء مصر ممن لم يتورعوا عن المجاهرة بالعداء، ولم تكف الجماعة عن استعداء العالم على مصر لحظة واحدة منذ إزاحتها، وأحرزت بعض تفوق في أول الأمر، ولكنها سرعان ما اضمحلت ولم يتبق أمامها سوى استئجار اليائسين من أبناء مصر من الذين دمرهم مبارك وأيأسهم من حياتهم وقيمهم في زمن التهميش الكبير، ولكن ما لم تفعله تلك الجماعة أبدا هو رهانها على الشعب المصري في الداخل، وهو الخلل الكبير الذي كرس من نبذهم إلى الأبد من وجدان المصريين الطيبين، باستثناء فئة عاجزة عن الرؤية أو التفكير ما زالت تربط بين هؤلاء ودين الله على الرغم من سقوط كل الأقنعة، وما لم يستطع رؤيته هؤلاء وهؤلاء هو ذلك المشهد المهيب الذي خرج فيه المصريون في الثلاثين من يونيو يحطمون فيه صخرة عناد رئيسهم الذي ظلموه بالترشح ولم يكن أبدا جديرا بذلك ولن يكون، توقفت رؤية هؤلاء عند حدود ما كانت تبثه قناة الجزيرة من تزييف وسموم نعرف مصدرها وغاياتها.
- جماعة أخرى عارضت ما حدث في الثلاثين من يونيو ورأوا فيه ارتدادا إلى ما سموه "حكم العسكر" وإعادة الدكتاتوريات القديمة، وهذه الجماعة ضمت ما يعرف بشباب الثورة، وعلى الرغم من وجاهة هذا الموقف نظريا إلا أنه فارق خطورة الواقع وهو أن مصر كانت لا تزال مغروسة في وحل الفقر والفساد ولن تتمكن أبدا من الانتقال المباشر إلى الديمقراطية المثالية وهي على هذه الحال، وأن الأمر يتطلب الكثير من العمل والصبر حتى لو كان على رأس الدولة رجل عسكري تمنى عليه المصريون طويلا أن يرشح نفسه رئيسا، ولكن تلك الجماعة كسابقتها ظلت على عنادها وقررت المقاومة حتى آخر نفس، فانتهى بها الأمر أن سجن منها الكثير وحظر ما تبقى كي تتخذ البلاد مسيرتها نحو المخاض المنتظر.
- بعد أن استجاب عبد الفتاح السيسي للنداءات المطولة وترشح رئيسا وأوشك على فوز كاسح في ضوء مؤشرات انتخابات المصريين في الخارج، انحسر الجدل الأول وانتقل إلى العناية أكثر باحتمالات مستقبل مصر في ظل قيادة هذا الرجل، ولا أزعم أن المصريين الملتفين حول السيسي قد اختاروا الرجل عن دراسة متأنية ولكنهم اختاروه من بوابة الوجدان والوعي الجمعيين، إذ رأوا فيه الصرامة المطلوبة لوطن أوشك على الانفلات الكامل بالتزامن مع الفوضى التي أثارها الأخوان في مصر، ولعل من المفارقات التي ستتردد كثيرا لاحقا أن الأخوان بسلوكهم وسعارهم غير المسؤول على السلطة كانوا الداعم الأكبر لالتفاف المصريين حول السيسي وأنهم مع كل نقطة دم سالت في أروقة الشرطة والجيش المصريين كانوا يدفعون المصريين للالتحام أكثر حول الرجل.
شخصيا لست مفتونا بالسيسي رئيسا لمصر، وربما أفارق كثيرا من المصريين في دوافع تأييده في المرحلة الراهنة، ولكنني أراه، ويا لسخرية الأقدار، مفتاح مصر إلى الديمقراطية ولو بعد حين، فالمؤكد أن الرجل يأخذ في حسبانه جيدا أن الشعب الذي خلع رئيسين في ثلاث سنوات لن يعجز عن خلع الثالث إن هو غوى أو ركب رأسه بأخذ المصريين إلى حيث لا يريدون كما فعل رئيس الأخوان من قبل، ومن ثم فإن أمامه مسالك محددة: التنمية، العدالة، تأسيس مؤسسات قوية تكون مهادا للديمقراطية مستقبلا، تأديب الخارجين على القانون بإعادة دولة القانون لا القمع.
عندما التف المصريون حول السيسي التفوا حول رجل رأوه قويا وصاحب قرار، رجل يعرف كيف يدير الأزمات ويخطط لها ويصر على بلوغ هدفه، حتى وإن كان ليس بارعا في التحدث بالقدر الذي برع فيه "حمدين صباحي" صاحب الوجه النضالي العريق، وصل المصريون إلى حافة الفرق الواضح بين حلو الكلام وتحقيق الأحلام، يراهنون الآن على الخيار المتاح الأكثر طمأنينة من وجهة نظر حدسهم هذه المرة، ولا أقول وعيهم الكامل، وإن صحّت الأخبار الأخيرة بمحاولة الأخوان الصلح مع مؤسسة الحكم القادمة عبر "الغنوشي" فستكون تلك آخر المحطات التي يظهر فيها هؤلاء المدعون على ساحة مصر السياسية، لأنهم سيثبتون لتابعيهم قبل رافضيهم أنهم في الحقيقة طلاب سلطة لا دعاة دين أو مشروع إسلامي وهمي، ولا أظن المصريين سيقبلون بذلك بعد أن رأوا حجم الحقد والكراهية التي يكنها هؤلاء لهم، هؤلاء الذين لا تعرف لهم وطنا ولا وعدا ولا مستقبلا يمكن الاطمئنان إليه بعد تلال الأكاذيب التي راكموها.
إن السيسي وقد أوشك على الفوز برئاسة مصر عليه أن يستعيد الإنسان المصري قبل أن يفكر في استثماره، وعليه أن يدرك حجم التشويه الذي نال داخله الأعمق في سنوات الغبن لمبارك وصدمة الأخوان، وإن نجح السيسي في استعادة منابع الخير وحس المسؤولية والرغبة في تجاوز الضمور الذي كمن فيه المواطن المصري ما يزيد على الثلاثين عاما، فسيعرف من أين يمسك بمفاتيحه ويأخذه نحو العمل والعمل وحده، وإلى أن يفعل ذلك أنتظر اليوم الذي يقرر فيه مصريو الخارج العودة مبتهجين إلى مصر وهم مطمئنون إلى مستقبل أبنائهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم