الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة الاغلبية وجدلية الصراع على السلطة

نصير العتابي

2014 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حكومة الأغلبية السياسية وجدلية الصراع على السلطة

من بين شعارات الكتل السياسية التي رفعتها للانتخابات برز على الساحة السياسية العراقية مصطلح حكومة الأغلبية السياسية كهدف انتخابي لكتلة بارزة على الساحة , وفي ظل غياب ملفت للبرامج الانتخابية الحقيقية والواقعية بدا هذا الشعار محوريا في الصراع الانتخابي ونجح في جر باقي الكتل الانتخابية للخوض فيه , وما عزز اهميته كشعار مثير للاهتمام مسيرة الفشل في الاداء الحكومي وتعثر محاولات بناء الدولة بناءً حقيقيا وبقاء المشهد السياسي مشهدا يسوده الصراع والاختلاف فلا حكومة التوافق نجحت في تحقيق التوافق ولا حكومة الشراكة التي اعقبتها والتي تعيش ايامها الاخيرة اوجدت حالة انسجام بين مكونات الحكومة وبالتالي عجزت عن القيام بمهامها في تقديم اداءٍ حكومي يرقى الى مستوى الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب العراقي , فحكومتا التوافق والشراكة افرزتا حالة عدم انسجام بين اطراف الفريق الحكومي ومن غريب امر هاتين الحكومتين انها ضمت كل اطراف اللعبة السياسية وعكست بصورة جلية تهافت القوى السياسية على السلطة وعزفوا عن المعارضة البرلمانية ليؤسسوا مفهوم سياسيا هو عراقي بامتياز يتمثل بالتمسك بالمشاركة في الحكومة وادعاء المعارضة في ذات الوقت مما يعكس صورة هزلية لبنيوية العقل السياسي لكثير من شخوصه . مفهوم الاغلبية السياسية يفترض ان لايعني في الفهم الواقعي للديمقراطيه وصول الكم الطائفي او القومي عبر الانتخابات لاستلام السلطة انما صعود للنخبه المطلوبه كمجموعة قائده من خلال النوعيه المؤهلة للقياده ممن يملكون القدرة على تنفيذ برنامج انتخابي استطاع ان يحقق قبولا لدى الغالبية من الناخبين , ودون ان تشكل تلك الاغلبية وسيلة من وسائل الاستبداد المشرعن بشرعة صناديق الانتخاب يقول باسكال سلان في كتابه (الليبرالية) ان الاستبداد الديمقراطي يمثل خطرا قائما باستمرار، ذلك انه من المحتمل جدا ان تتعرض أقلية ما لهضم حقوقها من طرف أغلبية وبصورة دائمة بسبب اغلبية ثابتة لا يمكن تغيرها بسبب جذورها المجتمعية والديموغرافية غير القابلة للتغيير مع تغير العامل الزمني وهنا نكون امام حاجة ملحة لايجاد نوعي يرضي جميع الاطراف دون ان يسلب امتيازات التباين الكتلوي لطائفة او قومية او عرق وفي البلدان ذات التعددية الثقافية ,عرقية، مذهبية فانها تظل محكومة على الدوام بمعادلة غير متكافئة الأغلبية الثابتة مقابل الاقلية الثابتة ولاتوفر فرصة لقلب هذه المعادلة او تغييرها نظرا لطبيعة الواقع الديموغرافي، والاخذ بالاغلبية الثابتة المعبرة عن واقع ما يتناقض وروح الديمقراطية، لان الاقلية هنا سوف لن تتحول الى أغلبية في يوم من الايام تشكل الحكومة ويبقى دورها في تشريع القوانين متماثلا مع حجمها كاقلية ، ومن الممكن ان تتعرض للقهر والاضطهاد ومن هنا جاء تحذير باسكال سلان حول الاستبداد الديمقراطي, وهناك امثلة مهمة لهذا الاستبداد على الصعيد الدولي في بلدان عريقة في ديمقراطيتها كبريطانيا والهند ففي الاولى استبد البريطانيون بالايرلنديين وهمش الهندوس الاقلية المسلمة بالهند ,وفي محاولة لمعالجة هذا الخلل ابتدعوا ما توهموا بانه حل مثالي هو الديمقراطية التوافقية وسلموا بانها الحل الانسب للدول التي تنتمي شعوبها الى قوميات واديان ومذاهب مختلفة ولاسيما تلك التي تعيش حالة صراع من تحقيق مكتسبات للذات الأنوي على خليفة احتقانات اجتماعية تتعلق بالعدالة في توزيع السلطة والثروة ظلت كامنة في نفوس الجماعة والمؤثرة على العقل الجمعي الصامت كالعراق الذي ظل لثمانين سنة اسير معادلة غير متوازنة في اقتسام السلطة اوجدها المحتل الانكليزي ولما جاء صنوه المحتل الامريكي حاول موازنة التعادل باضافة عناصر عدم توازن لطرفي المعادلة مع عكس اتجاه التفاعل فيها لينتج عنها حالة عدم استقرار مزمن , فما كانت الديمقراطية التوافقية الا ترقيعا لواقع كان بحاجة الى اذكاء روح المواطنة لا اذكاء روح الخصام الطائفي أو العرقي المتمثل بالمحاصصة الطائفية التي كرست كل معاني الفرقة واوجدت حالة من الانطواء على الذات المذهبي أو الذات العرقي واسهمت بقوة بتهميش الهوية الوطنية فبلدنا يعيش اليوم أزمة حقيقية في قدرته على بناء دولة المواطنة التي لا تميز بين المواطنين وفقا لانتماءاتهم العرقية او الدينية او لمذهبية، فالاغلبية الثابتة لمكون صارت مثارا لعدم ثقة الاطراف الاخرى وبالتالي المساهمة في خلق حالة لا استقرار مهيمنة على العملية السياسية خصوصا ان القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية تعيش اشكالية السلطة بين اغلبية عاشت التهميش لعقود طويلة واقلية اسأثرت طلية تلك العقود بالسلطة دون ان تلتفت الى حقوق الاخرين . فصارت السلطة هدفا لكل الاطراف بعيدا عن اعتباره وسيلة لتحقيق اهداف المجتمع بكل مكوناته دون تهميش ودون استبداد فاذا كانت الاغلبية السياسية متعذرة في ظل الواقع السياسي الذي تتسيده قوى واحزاب ذات صبغة دينية أو قومية , ففي بلد متعدد المذاهب ووالطوائف والاعراق فان أي حزب ديني فيه يكون حزب طائفي بالضروره لانه حتما يقدم الولاء للطائفه على الولاء للوطن وأي حزب قومي سيقدم الولاء للقومية وينطوي على ذاته منعزلا عن الاخرين ساعيا لتحقيق مكاسب ذاتية لا ترى في الوطن غير حاضنة عليها ان تقدم له سبل الرقي وتحقيق المكاسب لقوميته ,وعندما تتقدم الطائفة على حساب الوطن فحتما ستغيب المصلحة الوطنية ويحضر بديلا عنها مصلحة الطائفة كشعاريحقق المكاسب لكن لتلك الاحزاب وليس للطائفة كما افرزه الواقع العراقي للاسف ,وثاني هذه النتائج هو تقسيم ولاء الشعب وتكريس الفرقه في المجتمع وسيكون هيكل البلد الاقتصادي على المدى البعيد مبنيا على اقتصاد لا يحقق الوحدة و التكامل .. وبالتالي قاصرا ومفككا ينعكس على المعيشه فلا يحقق المستوى اللائق, وعلى المستوى الثقافي مع سيادة تلك الاحزاب الطائفيه ستسود السطحيه والسذاجه في الفكر والسلوك واستغلال القواعد الجماهيرية لانجاز المكاسب الانتخابية لغرض تحقيق اهداف احزابها بالوصول للسلطة وبعد ذلك المحافظة عليها , وبالتالي تكون سلوكية السلطه لهذه الاحزاب في واقعها بعيدة عن المفهوم الحقيقي للديمقراطية , وعلى هذا تكون الاغلبية السياسية مطلبا ضروريا لقيام حكومة قوية قادرة على النهوض بالواقع المتردي الذي تعيشه الدولة العراقية بكل مكوناتها وتحفظ حقوق الجميع وتحقق عدالة مقبولة في مختلف الاصعدة , ويمكن لهذه الاغلبية ان تتمثل في العراق باكثرمن صور , الاولى ان تتشكل الاغلبية ووفق معطيات نتائج الانتخابات لتضم مكونات التحالف الوطني وحدها وتشكيل حكومة تضم كل مكونات المجتمع من عناصر مهنية على اساس الكفاءة والنزاهة والتخصص بعيدا عن المحاصصة وحسابات النسبة و التناسب اليموغرافي ولنجاحها ان يشمل التشكيل الحكومي ايضا رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان التي يجب ان ينتخب الرئيس له وفق الية بعيدة عن التوافق والمحاصصة , الصورة الاخرى ان تاتلف الكتلة الفائزة بالانتخابات مع كتل اخرى وتشكل الاغلبية وتطرح كابينتها الحكومية حسب ثقل كل كل كتلة ضمن الائتلاف المشكل لا على اساس النسبة الطائفية لكل مكون مجتمعي ,وفي كلا الفرضين يتجه الاخرون لتشكيل كتلة معارضة لها مشروعها على ان تكون هذه المعارضة معارضة ايجابية تسعى لتقويم الاداء الحكومي وتطرح نفسها كبديل يملك اطروحة متكاملة للتغيير وبناء الدولة على اسس صحيحة , لا ان تكون معارضة غايتها التعطيل وهنا فقط يمكن ان نحقق نوعا من التوازن النسبي ونؤسس لاغلبية سياسية متغيرة تتغير وفق صلاحية البرامج والروىء الانتخابية لا على اساس الحسابات الطائفية والصورة الثالثة ان تسعى باقي الكتل لتحقيق ائتلاف تعزل فيها الفائز الاكبر وتترك له المعارضة . يبدو ان الاطراف السياسية حزمت امرها برفض فكرة الاغلبية السياسية وصرنا نسمع لبدائل كتحالف الاقوياء أو الاصرار على المحاصصة لكن بعناوين اخرى وصار شعار التغيير الذي اصم الاسماع قبل الانتخابات نسيا منسيا وشعارا يلعنه كل من رفعه فالسلطة حلاوتها تنسي المبادىء ويظل كرسي الحكم عقيما غير ولود , ويبقى محلا لصراع جدلي اساسه السلطة والتسلط وكل ما يمكن اشتقاقه من الفاظ اخرى محورها السلطة ومادتها الحكم ولا فهم او معنى اخر للعمل السياسي عند الكيانات الفائزة غير المشاركة في الحكومة , وليشرب الشعب من البحر ولتذهب اراداته مهب الريح ما دامت السلطة هدفا و التوافق المحلي والاقليمي هما الاساس في رسم لوحة المشهد السياسي في عراقنا المظلوم , وهكذا هو حاله اليوم فإن لم تحل أولا مشكلة الاحزاب المهيمنة ذات الصبغة الواحدة سواء كانت طائفية او قومية ولتحل بدلا عنها الاحزاب ذات المناهج الوطنيه العابرة للطائفة أو القومية التي تتبنى مشروعا وطنيا حقيقيا يغطي مساحة الوطن الواحد وتتبنى مبدأ المساواة وعدالة التمثيل دون تعسف لكل المواطنين من خلال برامج تاخذ على عاتقها تلبية حاجات ومتطلبات استقرار و نمو المجتمع كله من اقتصاد و ثقافة وعلاقات فلا يمكن تحقيق حكومة الاغلبيه الديمقراطيه بالشعارات المغلفة بالمفردات الوطنية اللفظية التي تغلف غايات واهداف بعيدة عن الهم الوطني المشترك لكل الامة مثلما يجري الان من قبل احزاب السلطة فهذا ضحك على الذقون , واستغلال متعسف لارادة الناخبين مادمت الطائفيه تتقدم على الوطنيه وسيبقى التمزق والاحتراب يتحكم برقاب الامه ويعمل كمعول هدم وتخريب حتى لقواعد الديمقراطيه التوافقيه المزعومة الظاهريه,فالانتخابات البرلمانية السابقة لا تعكس الا واقع الاكثريه او الاقليه الطائفيه و تكرس تمثيلها في البرلمان بينما المطلوب اكثريه برلمانيه منتجه ناجعه وناجزه بمؤهلاتها العمليه أوالثقافيه والعلميه والسياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه وولائها يكون حقا و فعلا الى الوطن من خلال مشروع وطني الولاء فيه للوطن والمواطن بعيدا عن عقد الماضي بكل ما حمله من آلام ومعاناة , وعلى البعض ان يغادروا الأمس ويعيشوا الحاضر لان شمس الأمس لن تشرق ابدا .





نصير كعيد
كاتب وصحفي عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا