الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزمي بشارة والانتخابات السورية والمصرية أو في حكمة الديمقراطية

ناجح شاهين

2014 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية




كنت سأغض الطرف عن تنكب مشقة الكتابة عن الديمقراطية والانتخابات، فقد مللت هذه الأسطوانة المستهلكة منذ وقت طويل. ويبدو أن الإعلام العربي ومنظمات "المجتمع المدني" ومفكري اللبرلة الممولة قطرياً –يا للمفارقة- سوف ينجحون في خاتمة المطاف في تحويلي إلى واحد من عبدة الاستبداد والديكتاتورية من باب النكاية وأخذ الموقف الأكثر تطرفاً في مواجهة لعبة الاستغماية الديمقراطية التي تغدو حصان طروادة في يد الأجهزة الامبريالية مع أنها في الواقع ليست إلا كائناً خرافياً من طراز الغول والعنقاء وطائر الفينيق و "أبو رجل مسلوخة".
عزمي بشارة المخلص للديمقراطية حد التماهي يبشر دون كلل ولا ملل من موقعه الديمقراطي المميز في إمارة قطر بالديمقراطية المتاحة في كل مكان من هذا العالم وخصوصاً في مكان إقامته مع استثناء وحيد بالطبع هو سوريا. ولذلك فقد صب جام غضبه على الانتخابات المقبلة قريباً في سوريا مبيناً لنا بمعرفته النظرية العميقة بنظرية الديمقراطية وممارستها عيوب الأكذوبة السورية فيما يتصل بالانتخابات. والحق أن المواطن العربي محظوظ بوجود مفكر قومي في مستوى بشارة لكي يتعرف إلى أساسيات الديمقراطية الأمريكية القائمة على ذهاب الناس إلى صندوق الانتخابات مرة كل أربع سنوات لكي يعطوا التفويض من جديد لواحد من أبناء القلة الثرية جداً والمنتمية لرأسمال المال فكراً وممارسة لكي يواصل برنامج نهب العالم الفقير في مستوى بلده ومستوى العالم على السواء.
لحسن الحظ فإن بشارة على بينة من ذلك. فهو يخبرنا في مقاله المنشور في العربي الجديد بتاريخ 16 أيار الجاري أن الديمقراطية الغربية يتم تفريغها أحياناً من محتواها. لكن الانتخابات مع ذلك لا تؤثر سلبياً على الحقوق المكتسبة للناس. فهي على الأقل لا تضر.
يا للهول! هكذا يحلل المفكر الحائز على جائزة ابن رشد للفكر الحر. بودي أن أصوب بشارة وأذكره بأوليات الأشياء: أولاً، ميزة الانتخابات هي أنها لا تؤثر على امتيازات الطبقة البرجوازية وقدرتها على انتزاع الفائض وتحقيق الأرباح عن طريق نهب البسطاء، وليس العكس. ثانيا، الديمقراطية شكل نموذجي للسيطرة الطبقية الرأسمالية عندما يكون في مكنتها أن تحقق الهيمنة في حقل الصراع الأيديولوجي في نطاق "المجتمع المدني" بما يسمح لها بتحقيق النهب الطبقي المقصود دون أن تستهلك شيئاً من الفائض على أجهزة القمع المتاحة للدولة. من هنا كان عزمي بشارة بالذات قد لاحظ قبل عقد من الزمان عندما وقع إعصار كاترينا أن جهاز الدولة في الولايات المتحدة ضعيف وقوة الدولة إنما توجد وتظهر في الخارج (= في الحروب الاستعمارية) ولذلك وقفت الدولة عاجزة أمام تداعيات الكارثة الناجمة عن الإعصار. لكن بشارة لا يعرف السر في ضعف جهاز الدولة في الداخل، وها نحن نتبرع ونخبره أن ذلك ناجم عن الهيمنة المطلقة على عقول الناس بحيث لا يعود هناك حاجة إلى قمعهم فالواقع أن سي.أن.أن وفوكس وهارفارد وبرنستون والتايمز تقوم بالواجب بنجاح كامل. إذا وقع تهديد لهذه الهيمنة سوف تقوم الأجهزة بدورها. ولنتذكر كم كان التهديد الشيوعي ضعيفاً في خمسينيات القرن الماضي، وكم كان القمع المخابراتي هائلاً في مواجهته. حسناً لا بد أن بشارة يعرف بلاداً ديمقراطية أخرى ولكن يحسن بنا أن نذكره بالبلد التي كان عضواً في برلمانها: "إسرائيل" وهي بالطبع بلد ديمقراطي، بل وديمقراطي جداً.
يخبرنا بشارة أن إجراء الانتخابات دورياً يمنع نشوء الاستبداد. ولكن هذا لسوء الحظ غير صحيح على الإطلاق. وما نظن بشارة يجهل أن ألمانيا بعظمتها قد انتقلت إلى استبداد هائل يقوده حزب هتلر القومي المتعصب عندما غدا تهديد الرأسمالية أمراً على أجندة الساعة عن طريق الشيوعيين في مطلع الثلاثينيات، وأود هنا أن أذكر بأن هزيمة هتلر في حرب ضخمة اجتاحت أوروبا هو الذي أعاد ألمانيا المحتلة إلى حظيرة الديمقراطية. بل لعل من المفيد أن أذكر بشارة أن ديمقراطية تشيلي قد قتلت في العام 1973 على يد الديمقراطية الأهم في العالم (الولايات المتحدة) وعادت تشيلي ليس إلى الاستبداد فحسب، بل إلى حكم دموي فاسد ومريع قاده جنرال صديق للولايات المتحدة اسمه بينوشية. الأمثلة كثيرة بالطبع، لكن قد لا نحتاج أكثر مما ذكرنا من أجل إنعاش الذاكرة.
ينتقل بشارة –ربما بتأثير عمله السابق في التدريس- إلى وعظ القارئ بخصائص الديمقراطية الليبرالية من باب استقلال القضاء ومحايدة جهاز الشرطة والجيش...الخ ليقفز إلى النتيجة أن إجراء الديمقراطية في ظل الحكم الديكتاتوري مهزلة وليس انتخابات. ولا ينقص بشارة مهارة الغمز واللمز لينتقد ضمناً الانتخابات المصرية مثلما السورية عبر نقده عودة حكم العسكر في ظل الشعوذة الإعلامية على حد تعبيره. والحقيقة أن الرجل على حق في وصفه لأداء الإعلام المصري –"تسلم الأيادي" وما يتصل بها- ولكن هل إعلام الجزيرة مثلاً أقل شعوذة وبثاً للأكاذيب من ذلك؟ الجواب يعرفه الناس جميعاً، فقد خسرت الجزيرة بحسب الدراسات ما يربو على ثلاثة أرباع مشاهديها بعد أن اكتشف الناس جميعاً المدربين في الإعلام وعلوم السياسة وغير المدربين أنها قناة تقوم بدور لا لبس فيه في خدمة أجندات الأنكل سام المتصلة بتنمية المنطقة العربية وجلب الحظ والديمقراطية إلى العرب المقهورين بالجوع وإسرائيل، وأنظمة مختلفة تمول عزمي والجزيرة ويوسف القرضاوي.
لا بد أن بشارة والجزيرة يتوقعون مني أن أقول إن هناك ديمقراطية في سوريا، ومصر. كلا لا يوجد ديمقراطية في أي مكان في العالم إذا كان المقصود بذلك أن يصل إلى الحكم قائد يمثل مصالح الأغلبية. يوجد طبقة سياسية اقتصادية تحكم من أجل مصلحتها بالاعتماد على معادلة الهيمنة والقمع: كلما تحققت الهيمنة على عقول الناس عن طريق وسائل التضليل المختلفة، كما قلت الحاجة إلى جهاز الدولة الإكراهي، والعكس بالعكس.
أما فيما يخص سوريا فأود أن أبين بعد أن أوجزنا القول في "حزيرة الديمقراطية"، إن ما يحدث فيها صراع لا علاقة له بالديمقراطية، ولا بالإيمان والكفر، وإنما بمعركة فاصلة محلية وإقليمية وكونية فحواها أن تدمر سوريا وإيران والمقاومة اللبنانية البطلة وتهزم القوى العالمية الصاعدة (روسيا والصين والبرازيل..الخ) لمصلحة المشروع الأمريكي-الإسرائيلي الكوني والإقليمي وعملائه في المنطقة العربية. ولست أدعي أن عزمي بشارة يجهل هذه الوقائع، لكن شراء المثقف الفلسطيني بحفنة من المال لم يعد شيئاً معقداً في هذه الأيام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعتقد بان السيد الكاتب لا يعرف معنى كلمة إنتخابات
سوري فهمان ( 2014 / 5 / 27 - 16:09 )
عتقد بان السيد الكاتب لا يعرف معنى وتعريف كلمة إنتخابات لذلك خلط عباس على دباس فاقتضى التنويه

اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة