الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعنى ولمعانه قراءة في لوحة عبد الله الهيطوط

عبدالواحد مفتاح

2014 / 5 / 28
الادب والفن


عزلة واضحة هي ما تجدني ازاءها وأنا أقف أمام لوحة عبد الله الهيطوط
عزلة لأن لغتي لا تستطيع خلع حبها، لتفصح عن تنائيات شيء مضيئ، في لوحة لا أجد تعريفا لها قواعديا ولا أبديا، غير ما يتدلى من فتنة بياض يستوعب ما تصبوا له براعة، ما يحاوله عبد الله الهيطوط، من تجريد مصبوغ بألوان توليدية هي أخت اللغة وتوأمها، في سيرة المعنى البادخة.
التجردية الجديدة، هي ما تطبع اللوحة هنا، كتناص مهم بين انفتاح كوني مستقبلي ورمزية تعض عاريا في جسد المغربي، كموروث، ينتقي عبد الله الهيطوط عبقريته، وما نتجاوزه دائما لينثره عاليا ملمعا بالمعنى في سماء لوحته التي ترفض الإمتثال للنمطي والمقنن كرشوة للإعتراف السريع .
تتخد المعالجة التشكيلية عند عبد الله الهيطوط، رمزية صداحة ومحسوسة: كأسلوب وتقنية في نفس الوقت، في خليط بين الفني والثقافي، ينضج باللمعان الأيقوني المترجم لغويا: -وإن تعذر- بالحسن أو الجمال أو الفتنة أو الغواية، واعذروا خبلي فما تشغله فينا لوحة عبد الله الهيطوط ألحانا بصرية ومعرفية، عليك أن تسمعها لأبرهن عن تلعتمي هذا.
تصاميم وتكاوين اشارية لها ارتباط تفصيلي بالمعنى، واشراقات أصدقائنا الصوفيين:
هي متن اللوحة هنا، في امتلاء ضاج باللغة البصرية الأصعب : تفاعل وتسائل شديدين، هو مفتاح نفاذها إلى جوهر الأشياء، وكل ما يستطيعه الإمكان الفني
هَمهُ الأساسي هو ذلك: المحاورة الفعالة للوجود والقيم عبر ثابت وحيد، هو الجمالي الحر.
البعد الثالث واللافت، الذي يحضر دائما بمنطق المعالات، هو هنا بعد المعنى وتعدده على لون، جندي يرفع رشاشه ولا يخطئ، متراس في استقامة البياض الذي هو الأكثر حضورا في أعمال عبد لله الهيطوط، البعيد عن كل ما ما هو ضيق، حتى في الحقل التنظيري والهوياتي: كإرتكاز لأصالة البحت والتجريب و التأمل، لفنان لا يحفل بكل رسومية جاهزة سواء في البعد الواقعي أو حتى التخييلي، ذلك ما يهب العمل بهاءه الفد الطافح عن علبة التجريب، وهي علبة قلما خرج منها أصدقاء كثيرون سالمين.
عبد الله الهيطوط فنان يشتغل في صمت، ترقص لخفة هدوءه ،لا يفتح فمه أوسع من فرس نهر، كما يفعل عديدون وتافهون. يلقن العين سلطة حرية – هي خيمته العليا –ليعيد الرائي، ترسيم الدلالي والرمزي للون والعلامة التشكيلية.
فبالإضافة إلى إبدالات اللوحة عنده، وتشفيراته الإيمائية، فهي تناغم حسي بين اللون والمعنى والشكل، ومساحة من دلالات أنا أقطر أخطاءا لغوية فادحة في تشبيهها.. بحاجة إلى معجم هو نفسه معجم الوجود لأبلغ عن نفسي.
فاللوحة تثير مشهدية فده، الوضوح وأدواته الحارقة هي: لونها الذي يتماوج على تفاعل السند والمواد. يغتصب عن الزمن برهة لينشئ محاكمة عادلة.
شيء ما يجعلني استحضر عبد الله زريقة، كنص يعلي من تحيته لهذه الأيقونات، ولمستها الغرافيكية ( (Graphique ، كوسيط بصري بين سلطات المعنى ومن يرى اليه.
فأعمال عبد الله الهيطوط، تجعلك تعيش لحضة مواجهة مسالمة مع الوجود. أما الجمالي فهو ذلك الذي يجعل مصيره هنا بين يديك، في التقاط باذخ وغير ادعائي لمسودة المعنى: كنسغ للسند واللون وعبد الله الهيطوط في آن.
وهو هو لا يحاول تقليد الضوء، الذي ينعكس عليك أنت والأن، بقدر ما ينثره هنا، كضفاف شديدة الإضطراب، تجاه السائد واليومي، فالضوء المكون فيزيائيا من جزئيات صغيرة تستطيع من خلالها أن ترى الأشياء، يحضر هنا كبياض نوراني في انسياب مع الأشكال اللطخية، أما كيانية السند بسيمياء اللاشعور فتسمير براعة اللون، على صليب تنظر إلى عليائه، بقدر ما هو مفتضح سفر، تتزود منه تجسير بين أسئلة المغربي، وراهنية قلقه، وافق كوني ضارب في الإنساني المشترك, والتاوي في ابجديات الوجود.
في اهتتمام بالغ بتشدير اللوحة المشهدية، راعى معه جاذبية اللون ونسقيته الكيميائية، لون سائل فإقتدار معرفي وضاج بالحركة يخترق السائد والإعتيادي، لتقديم العالم وكل اشيائه في صورة عارية وغير مغلقة، بشكل جميل كأن اللوحة مساحة خضراء، على مستقبلي جد متألق.
تشكيلية عبد الله الهيطوط هي ذهاب وإياب بين الأثر وتركيب دلالته
كتأليف حسي يضيف الى العالم شيء جديدا وجميلا يتجسد فيه اعتمال ما أضمره وأضرمه الفنان في السند في مغايرة لأسلوب التفكير الفني وإعلائه مع محاورة الوجود وملامسة المتغيرات الانطولوجية والإبستمولوجية للإنسان والعالم.
أرقام وتخطيطات هندسية .أشياء مهملة بعد انقضاء صلاحيتها في يومي ما، رسمات لأشكال بسيطة،كولاج ولطخات فرحة، هذه وتلك زوادة للوحة تفتح سماءها، بها أشياء بدائية ومتلاشية، يوضفها عبد الله الهيطوط، في معاملة لترويض الممكن من حكايتنا، الأشياء إلى صفاء أكثر ألوانا والإنسان إلى استهامة مستقيمة على وثر الجمالي كألة يسوقها متوازية مع اجبارية المنطق في الفلسفي.

مند معرضه الأول بالرباط ...مرورا بمعرضه التاني بالدر البيضاء: عرف عبد الله الهيطوط اعترافا نقديا، لا يدين فيه إلا لأصالة بحته ولوحته، وهذا ما يترجم حسن التلقي الذي عرفته أعماله في ضرف وجيز
إني هنا اتابع أن جانبا مهما مما تنظره الحركة التشكيلية الجديدة بالمنطقة المغاربية يتقاطع مع أعمال عبد الله الهيطوط، الذي رتب لوحته بمنظور هندسي، لا خط مستقيم داخله يذكرني بالسراط المستقيم، لزاوية نقدية ما، وادعاءات رجيمة أجد وقتا طويلا لأنظف صباحي هذا منها
لوحة تسطفي الأبيض، كتمتيل لكل الألوان على قرص نيوتن، وكرمز للنقاء، وهو مأرب وتأثير رمزي، يحاكي التساؤلية في نقائها وانطلاقت تحولاتها البصرية فوق السند.
في افتتانية كبيرة رأيت ما جرده وسائله التشكيلي والناقد عزيز أزغاي عن مسار عبد الله الهيطوط عبر ورقته الأنيقة (الأثروانزياحاته)
وهي ورقة سجلت عاليا، في مرمى التشكيلي المغربي، بروز تجربة جديدة، وجد متميزة، راوغت فخاخ التجريب، وفجاج تجاويف مربعات ما بعد الحداثة، في اشتغال يعلي من اشتعاله.


الدار البيضاء في 28 اكتوبر 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي