الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب النقد لا يُحَوِلُ الإنتكاسة الى نصر

غالب محسن

2014 / 5 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تأملات في تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي

" فتقدم يعقوب الى أسحق أبيه . فجسه وقال الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو " تكوين 22:27

مختصر الحكاية أن أسحق أراد قُبَيل وفاته أن يُباركَ عيسو أبنه البكر (الذي ذهب للأستعداد لهذه المناسبة الكبيرة ) أمام الرب . لكن رفقة زوجة أسحق أرادت أن تكون البركة لأبنها يعقوب الذي تحبه كثيراً فألبسته ثياب عيسو وكست يديه بجلد الماعز (لأن عيسو كان مٌشعراً ) . وفعلاً لم يعرفه اسحق لأنه كان أعمى رغم شكوكه . على أية حال حظى يعقوب بالبركة غير أن الحقيقة أنكشفت لأسحق لكن بعد فوات الأوان . أنها شكل من التراجيديا العائلية حيث نشأ نزاع بين الأخوة أستمر طويلاً .

وهكذا كان تراجيدياً تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حول أنتخابات البرلمان العراقي في 30 نيسان من هذا العام والذي نشر في 24 آيار . كان شكل البيان تحليلاً موضوعياً لكن لم يكن صوته أو محتواه كذلك وإن حاول لبس جلباب التحالف المدني الديمقراطي وتجربته في هذه الأنتخابات . و رغم أن هذه لم تكن ايحائات حيث يمكن تلسمها بسهولة في التصريح ، لكن الكل يعلم أن الحزب هو القوى المبادرة والأكثر تأثيراً في هذا التحالف . وإذا الأمر هو كذلك ، كان من الأجدر أن يظهر هذا البيان بأسم قيادة البديل المدني الديمقراطي لا بأسم الحزب الشيوعي العراقي رغم أن ذلك لن ينجيه من النقد أيضاً . في الواقع أنا لا أستبعد أن الحزب كان واعياً لهذه الفكرة لكن السؤال في هذه الحالة هل كانت للحزب دوافع أخرى ؟ أظهار وحدة الرأي مثلاً !! من السذاجة تصور غياب الأختلافات والأجتهادات قبل وبعد نتائج هذه الأنتخابات . لكن الأختلافات في الرأي مصدر قوة أذا جرى التعامل معها على أسس ديمقراطية صحيحة في أدارة الصراع الفكري وفي مقدمتها الأستماع للرأي الآخر ، تفهمه بل وتشجيعه ومراجعة للمواقف المعلنة وصولاً الى النقد الجري والتجديد الفكري .

ليس في نيتي تكرار ما كتبتته سابقاً أو الأدعاء بقراءة متأنية للتصريح أو البيان لكن الشعور الذي الذي طغى عليّ ، وعلى العديد من أصدقائي الشيوعيين ، لأول قراءة كان نفس الشعور الذي أنتابني - نا عندما أُعلنت نتائج الأنتخابات ، خيبة أمل . ربما لن أتجنى كثيراً على الحقيقة إن توقعت بأن الكونفرنسات أو الأجتماعات الحزبية الموسعة التي آمل أنها ستعقد لمناقشة النتائج " الغير سارّة " * للحزب في هذه الأنتخابات ، لن تكون سارة هي الأخرى . فثقافة الرضى عن النفس يفسرها غياب النقد الذاتي .

ليس من غير دهشة نقرأ تحليلاً للظروف " المعقدة " التي رافقت الأنتخابات وكأنها لم ترافق سابقتها ، والمصاعب التي واجهت القوى الديمقراطية في مواجهتها وهي تخوض هذه الأنتخابات . ثم الخروقات والنواقص التي رافقت الأنتخابات بما فيها " التحايل " و" شراء الذمم " و " أستخدام أجهزة الدولة ومؤسساتها " و " التزوير " وغيرها كثير وهو حق طبعاً لا شك فيه . لكن ما الجديد في هذا يا أصدقائي الأعزاء ؟ ربما كان في الأستفاضة بأنتقاد مفوضية الأنتخابات .! لكن نتائج الأنتخابات هي لُب الموضوع شئنا أم أبينا والرفيق أبو أحلام (مرشح الحزب الرئيسي في بغداد جاسم الحلفي ) قد عبّر بشكل جميل وحضاري في صفحته على الفيس بوك أنه " رغم ذلك أعلن أحترامي للنتائج التي أسفرت عنها ، فالأنتخابات هي في أحد جوانبها تمرين عملي على أشراك المواطنين في تقرير مصيرهم.." .

عندما كتبت عن الأنتخابات السابقة أشرت الى أن هذه الظروف الصعبة ستبقى على الأرجح في الأنتخابات القادمة وربما التي تليها وبالطبع يجب العمل وتحشيد القوى والنضال من أجل أزالتها وتحسين ظروف المنافسة الأنتخابية بما فيها قانون الأنتخابات وغيرها كثير وهذا بالتاكيد شئ هام لكن الأهم كيف سنعمل ضمن هذه الظروف لتجنب أنتكاسة جديدة . هذا السؤال كان غائباً تماماً في هذا التصريح . أن ألقاء اللائمة على تلك الظروف يُفسر جزئياً لماذا تكررت الأنتكاسة لكنه يخفي حقيقة أخفاقنا ويُضفي على التحليل طابعاً تبريرياً و مكرراً . لن أذهب بعيداً للبحث عن تجارب في التأريخ ، وهي كثيرة ، كيف ناضلت العديد من القوى السياسية والديمقراطية في ظل ظروف " صعبة " و " معقدة " بل وحتى سرّية لتحقق نتائج باهرة في الأنتخابات منها في العراق على سبيل المثال عندما حقق أتحاد الطلبة العام نتائج باهرة في أنتخابات الطلاب العام 1967 . لا يفيد عقد المقارنات التأريخية هنا فالفكرة واضحة !

للأسف الشديد تضمن البيان كل شئ تقريباً إلا النقد الذاتي وتشخيص النواقص التي رافقت عمل الحزب ، أو البديل المدني الديمقراطي أن شئتم ، ما هي الدروس والعِبر (وأن كانت مكررة ) ولم أفهم تماماً الحكمة من وراء أعادة ترديد أن قوتنا التصويتية هي 250 ألف صوت في الوقت الذي فشل فيه الحزب من أيصال أحد ممثليه للبرلمان !

هذا النقد الذاتي الغائب لا يحول الأنتكاسة الى نصر وهو من حق جمهور الحزب ، أو جمهور البديل المدني الديمقراطي ، و لا يمكن مصادرته كما صادر يعقوب بركات الرب !


-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* أكد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الرفيق حميد مجيد موسى أن "التحالف المدني الديمقراطي، الذي تشكل من عدة قوى ليبرالية في العراق، من أحزاب وشخصيات هو المفاجأة غير السارة في الانتخابات بالنسبة للقوى السياسية المتنفذة في العراق .. هذا التصريح نشرته العديد من الوكالات العربية في 11 ايار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس