الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تريد حماس من هجماتها المسلحة على السلطة الفلسطينية؟

جورج كتن

2005 / 7 / 24
القضية الفلسطينية


"ماذا تريد حماس؟"، أهم الأسئلة التي تطرح بعد الاقتتال في قطاع غزة الذي تطور بسرعة إلى هجمات مخططة نفذت على مراكز السلطة الوطنية وآلياتها وكوادرها في نية مبيتة لدى "حماس" كما يبدو للعب دور تهيأ نفسها له بعد الانسحاب الإسرائيلي القريب من غزة.
خرقت "حماس" التهدئة المتفق عليها في القاهرة، بعد أن قدمت لها حركة "الجهاد" الذريعة بعملية ناتانيا التي أدت لقتل خمسة مدنيين، في استئناف للعمليات الانتحارية المرفوضة من قطاع واسع فلسطيني وعربي ودولي لاندراجها في إطار الإرهاب، مما دفع القوات الإسرائيلية لاستئناف اعتداءاتها على الفلسطينيين بعد هدوء نسبي خلال الأشهر الخمسة الماضية، لم يخلو من خروقات من قبل الجانبين لكن بوتيرة منخفضة كثيراً بالمقارنة مع ما سبقها، رغم أن التهدئة لم تكن اتفاقاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل اتفاقاً بين الأطراف الفلسطينية.
تجدد الاعتداءات الإسرائيلية لا يستتبع حسب اتفاق القاهرة حق كل فصيل في الرد كما يشاء، بل يوجب التقاء جميع الأطراف الفلسطينية مع السلطة لبحث الحالة المستجدة وما يمكن القيام به لمواجهتها, إلا أن "حماس" ضربت عرض الحائط بالاتفاق وتفردت بالمسارعة لإطلاق النار على المستوطنات الإسرائيلية.
مشكلة "حماس" أنها تعيش ازدواجية بين قياداتها البراغماتية وقواعدها الراديكالية, فالقيادات تسعى للسلطة في دولة فلسطينية في الضفة والقطاع, وفي نفس الوقت تدغدغ مشاعر المتمسكين بالتحرير الكامل, إذ تفضل القيادات في خطابها السياسي عن "فلسطين" ألا تحدد إن كانت تعني أراضي 67 أم فلسطين التاريخية, ف"فلسطين" برأيها وقف إسلامي لا يمكن التخلي عن أي جزء منه. لذلك، وللحصول على الانتشار في الأوساط المتشددة, لعبت "حماس" دوراً رئيسياً في نسف اتفاقية أوسلو, وهي تلعب الآن نفس الدور في محاولة نسف المسار السياسي الجديد الذي بدأ مع انتخاب الرئيس عباس بأكثرية موافقة على برنامجه لوقف العسكرة والتوجه للحلول السلمية التفاوضية.
قيادات "حماس" تريد سلطة "نقية" لا تضطر فيها للتعامل مع الإدارة الإسرائيلية، لذاك رفضت المشاركة في الانتخابات الرئاسية وتتردد بالمشاركة في الانتخابات التشريعية - التي التزمت السلطة بإجرائها قبل 20 كانون الثاني القادم -، وقبلت الانتخابات البلدية التي لا تلزمها بعلاقات سياسية مع إسرائيل والأطراف الدولية, إلا أن فشلها في الهيمنة على غالبية البلديات جعلها ترى أن السلاح وليس صندوق الاقتراع ما يمكنها من السلطة في غزة بعد الانسحاب, حتى لو فوق حمامات الدم.
مثلما يريد شارون الانسحاب من غزة من طرف واحد دون اتفاق أو تنسيق مع السلطة الفلسطينية, كذلك "حماس" تريد السلطة في غزة غنيمة دون أي تنسيق أو اتفاق مع الإسرائيليين، وليتم ذلك لا بد من إضعاف السلطة ومعها منظمة فتح إلى الدرجة التي لا تعطل مخططاتها, أو بحيث تقبل إملاءاتها. إن تذرع "حماس" بأن السلطة تمنع "مجاهديها" من تأدية مهامهم "الجهادية"، ليس كافياً لتبرير إعطاء قياداتها الأوامر لاستعمال السلاح ضد الشرطة حتى القتل والحرق والتدمير للآليات والمقرات، واستخدام أسلحة لم تظهر في "الجهاد" ضد الاحتلال، بالإضافة لسلاح التكفير واستخدام المساجد للتحريض والتعبئة ضد عناصر الأمن التي تؤدي مهامها للحفاظ على التهدئة المتفق عليها فلسطينياً.
ما تقوم به "حماس" لا يندرج في إطار ردود الأفعال على إجراءات للسلطة فهو تخطيط واع, سبقته تصريحات "الزهار" عن أن الرئيس الفلسطيني لم يعد موضع ثقة، وأن "حماس" تعارض استلام السلطة للمناطق التي ستنسحب منها إسرائيل، وترفع شعار "الأرض لمن يحررها"، أي مجاهدي "الصواريخ" التي هي أقرب لأسهم نارية ذات أضرار طفيفة, مع سقوط الطائشة منها بين منازل الفلسطينيين, وهي لا تفيد إلا في نسف التهدئة واستجلاب أقسى الضربات الإسرائيلية وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني, أما العمليات الانتحارية فضررها أكبر إذ تضيف مساهمتها في تقليص التعاطف الدولي مع المسألة الفلسطينية.
هدف آخر تسعى له "حماس" هو تقليد "حزب الله" في الجنوب اللبناني بحيث يظهر الانسحاب من غزة كما لو أنه جرى في ظل إطلاق "صواريخها", لا يهمها النتائج فيما لو نفذت إسرائيل تهديداتها باجتياح القطاع، فهي تسعى للشعبوية حتى لو ترافقت مع مزيد من الدمار، فالمهم أن يبدو الانسحاب, على غير حقيقته، كانتصار لعمل مسلح وفشل للمسيرة السلمية التفاوضية.
ثم إن الاعتداء على القوى الأمنية للسلطة الوطنية هو مساهمة في الفلتان الأمني وتحضير للحرب الأهلية وإظهار الشعب الفلسطيني عاجزاً عن حكم نفسه، مما يصب في مصلحة شارون الذي يمكن أن يعتمد على ما تقوم به "حماس" لتثبيت خطته في مواجهة الضغوط الدولية: الانسحاب من غزة أولاً وأخيراً, فيما تريده السلطة بداية لاستكمال الانسحاب من بقية الأراضي المحتلة.
انهيار السلطة الوطنية سيعني قيام سلطة "حماس" البديلة ومهمتها الأولى تعميم الحجاب وإطلاق مطوعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الحدود بقطع الأيدي والأرجل.....وفق نموذج طالباني بدأ تطبيقه في قلقيلية حيث منعت البلدية التي تسيطر عليها "حماس" مؤخراً المهرجان الفلسطيني الفولكلوري الدولي بحجة أن الغناء والرقص والتبرج والسفور والاختلاط يقود للفسق والفجور!!! وهو نموذج لما ستفعله إذا تمكنت من الهيمنة على غزة وتنصيب أمير مؤمنيها عليها.
في مواجهة هذا المخطط "الحماسي" لم تقم السلطة الشرعية المنتخبة بواجباتها بعد لتأمين سيادة القانون وإبقاء سلاح السلطة الشرعية وحده, وجمع الأسلحة من أي فصيل يساهم في الفلتان الأمني، إذ لا يمكن ترك الامور على عواهنها, فإما سلطة واحدة أو الخراب. السلطة الوطنية لم تقم بعد بكل ما تستطيعه لأنها فضلت, حقناً لدماء المواطنين، إقناع المسلحين بالحسنى بعدم تخريب التهدئة والعملية السياسية. مثل هذا الموقف المسالم لن يكون مفيداً فيما لو استمرت "حماس" في مخططها، فالفارق كبير بين ما يمكن أن تفعله سلطة تستمد شرعيتها من تأييد غالبية الشعب ومنظمة تستمد "شرعيتها" من الأسلحة التي تملكها.
أما الفصائل الأخرى التي لم تقتنع بعد أن المرجعية الفلسطينية أصبحت السلطات المنتخبة، وتريد إنشاء ما تسميه "قيادة موحدة" غير منتخبة ينال كل فصيل حصته منها, فقد سارعت في الأزمة الأخيرة لخطابها اللفظي المعهود وطالبت مشكورة بوقف الاقتتال الفلسطيني، وناشدت على استحياء في بيان "لجنة المتابعة العليا للفصائل" بسحب السلاح من الشوارع باستثناء سلاح السلطة. إلا أنها فيما عدا الخطاب اللفظي وقفت عملياً على الحياد في محاولة للاستفادة من تصارع أكبر قوتين على الساحة لفائدة مصالحها الحزبية الضيقة.
"حماس" والفصائل المسلحة الأخرى أمام مفترق طرق, إما بناء دولة عصرية – بعيداً عن المفاهيم الظلامية - تحترم فيها سيادة القانون، الذي تطبقه سلطة منتخبة، يجري مراقبتها ومحاسبتها وتداولها بالوسائل السلمية الديمقراطية، أو بناء صومال أخرى تنبع فيها السلطة من فوهة أية بندقية. فالفصائل التي تقبل بالخيار الأول يفترض أن تنحاز للسلطة قبل فوات الأوان لإنهاء فوضى السلاح ووقف العنف, مهما كانت الجهة التي يوجه إليها, الذي أدى لخسائر بشرية ومادية فادحة دون أن يقرب الفلسطينيين من أهدافهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| سقوط مظلة حاملة للمساعدات على خيمة نازحين في خان يونس


.. هاليفي: نحقق إنجازات كبرى في القتال في رفح لإغلاق المتنفس ال




.. السيارة -الخنفساء- تواصل رحلة حياتها في المكسيك حيث تحظى بشع


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منازل فلسطينيين في بلدة بير هد




.. وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أنهوا اجتماعهم الشهري دون الات