الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة موت مرت من هنا

محمد الذهبي

2014 / 5 / 29
الادب والفن


قصة موت مرت من هنا
محمد الذهبي
كان يتلعثم بين كلمة واخرى وهو البليغ الاذاعي المشهور، كنت اتردد على المكان الذي يرتاده في كل اسبوع، وعادة في يوم الخميس، تربطني به علاقة قديمة ، فهو يعتبرني بليغا ولذا طالما عرض عليّ مايكتبه من شعر، في آخر لقاء معه طرح عليّ فكرة غريبة، فهو قد تألم لاحتراق شجرة في حديقة النادي، انها شجرة قديمة احترقت على اثر شرارة كهربائية، قال: صديقي هل تتألم الاشجار، قلت له نعم ولذا تفرز سموما معينة للحفاظ على نفسها، وليس هذا فقط، فهي تقوم بتحذير الاشجار المجاورة، ضحك في البداية وتناول القدح بمزيد من العناء، قلت له: مابك صديقي؟ اراك تغتصب نفسك اغتصابا، منذ فترة وانت على غير عادتك، فقال: انا مثل الاشجار تسلمت بعض التحذيرات، ضحكت واضحكته معي، مرات عديدة جلست قربه، ولكنه هذه المرة كلمني بحميمية واضحة، وهو يعرفني انني دائما اغادر مسرعا، وقد لاحظت بعينيه كلاما كثيرا كان يود البوح لي به.
كنا متشابهان بعض الشيء ، خصوصا بوجومه الاخير، حتى انه وصل الى انه يريد التقاعد، فقلت له : دع الامر طبيعيا لماذا تتقاعد في هذه الظروف، في جلسة سابقة لم يتفوه بكلمة واحدة، يحمل في عينيه حزنا كبيرا، ولذا سألني عن الاشجار، وغضب حين اخبرته انها تفرز سائلا دليلا على الالم، فقال بحدة ... دم.. قلت له سائلا ربما هو دم الاشجار، اخرج هاتفه واتصل واعتذر ، وبعدها اتصل واعتذر، وصار يأخذ صورا مع الموجودين ويجالس الجميع وكأنه يعتذر من الجميع، وعاد ثانية الى حديث الاشجار والمها، وهو يردد جميلة هي الاشجار تتألم صامتة، ساكون مثلها، لن افصح عن المي، تناول قطعة من البطيخ ناولني اياها، ثم رفع جميع الزيتون من امامه ووضعه امامي، وهو يردد سأتالم مثل الاشجار: تعرف صديقي انه موضع قصيدة جميلة، نعم هو موضوع جميل، ولكنك مشغول كثيرا، وانا الاحظ لم تعد اناقتك مثل السابق، فقال : دعني اتالم مثل الاشجار، اين كانت هذه الفكرة غائبة، كان يودني ويشاركني الرأي، وهو يبتسم وانا اناقش فرانكشتاين ماري شيلي، وفرنكشتاين احمد سعداوي، امتعض الكثيرون مني، وهم لم يقرؤوا الروايتين، لكنه كان يبتسم لي، وفي قرارة نفسه يقول: امضِ انا معك، كل مرة كان يودعني وداعا مختلفا وانا اغادر الجلسة ينهض من مكانه ويعانقني، لم يمر سوى ثلاثة ايام على لقائنا الاخير، وقرر الخروج من الالم: هو قال هذا في آخر لقاء: اريد الخروج منذ زمان وانا اتألم مثل الاشجار، شعرت برحيله وانتابتني الحمى وانا اسمع خبر مرضه السريع، وفكرت بما كان عليه الاسبوع الماضي وعلمت انه سيرحل، لانه كان يعتقد ان الامر وصل الى نهايته، حتى انه وزع الكثير من الفاكهة على الجالسين، وكلمات الحنين الى البصرة والمعقل وابي الخصيب تترنم على شفتيه، كان يجب ان اذهب الى البصرة هذا الاسبوع، كان يودع الاشياء بنظرة عميقة، لكنه لم يكن متأكدا ان النهاية ستكون بهذه السرعة، رحل مثل الاشجار التي اعجب بالمها، تألم ولكنه لم يفرز سموما مثل الاشجار ، كان يفرز حبا لجميع الاصدقاء وغير الاصدقاء فراح يزور من يستطيع زيارته، تألم مثل الاشجار ورحل مثل الاشجار سريعا وبصمت، رحل بصمت منقطع النظير، لكنه ابقى ذاكرته هناك حيث يلتقي اصدقاءه كل يوم، ابقى ضحكته وحزنه والمه على ذات الكرسي، وسيقرأ الجميع معاناته في يوم ما بمجرد ان يتصفح ذاكرة الشجرة المقابلة له في الحديقة والتي احترقت بسرعة، لكنها بقيت شاخصة في حديقة النادي لتذكرنا بقصة موت مرت من هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج