الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكاة ساخرة للديمقراطية

هيثم خوري

2014 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن إصرار النظام، بالتنسيق مع حلفائه الإقليميين والعالميين، على إجراء الانتخابات الرئاسية هو لفرض واقع يهدف إلى تدمير مؤتمر جنيف كلية، والقضاء على أية إمكانية للانتقال السياسي للسلطة من خلال تشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي نصَّ عليها بيان جنيف الأول. إن النظام يحاول استغلال الانشغالات الدولية ولا سيما بالأزمة الأوكرانية للمضي قدماً في برنامجه الهادف إلى تثبيت نفسه من جديد على رأس الحكم، عبر انتخابات لاشرعية معروفة النتائج مسبقاً، وهو بذلك يوهم نفسه ويحاول ايهام جزء من الشعب السوري والمجتمع الدولي بشرعية مفقودة كلياً، متناسياً أنه القوة التي ارتكبت ولا تزال كل ذلك القتل والتدمير بحق غالبية السوريين. وهكذا فإنه يقدم دليلاً إضافياً على استمراره بفرض الواقع الذي يناسبه، لا ذلك الذي يناسب الشعب السوري، ضارباً بعرض الحائط أمنيات هذا الشعب الذي بمجمله يريد الوصول إلى حل للأزمة السورية الحالية، لا تعقيدها، غير أن هذه الانتخابات ستقطع أمام هذا الشعب طرق الحل، وستعمق انقسامه، وتزيد من آلامه.

من نافل القول أن هذه الانتخابات تفتقد للشرعية السياسية إذ قامت على أساس دستور وضعه النظام الحالي ليحرم كثير من السوريين من حق الترشح، فهذا الدستور يشترط أن يكون المرشح قد أقام داخل سوريا خلال الأعوام العشرة الماضية بشكل متواصل، وهو بذلك أغلق باب الترشح أمام كل المعارضين المقيمين في الخارج، والذين خرج معظمهم مؤخراً من سورية بسبب أزمة أشعلتها رعونة النظام عينه. كما أن المحكمة الدستورية العليا قررت عدم إعطاء حق التصويت لأي مواطن سوري "خرج من بلاده بصفة غير مشروعة"، حسب وصفها، وهي تشمل بهذا القرار كل اللاجئين الذين خرجوا في السنوات الثلاث الأخيرة مشردين نتيجة الدمار الذي ألحقته بممتلاكاتهم آلة الدمار الوحشية، مما يعني حرمان نحو سبعة ملايين سوري من المشاركة في الانتخابات. وعلى اعتبار أن ثلثي مساحة سورية هي خارج السيطرة الفعلية للنظام، إذاً لن يستطيع المشاركة فيها سوى أقل من ثلث السوريين، وطبعاً لا يمكن أن يشاركوا جميعاً، أولاً لعدم توفر الظروف الأمنية الملائمة في بعض المناطق وثانياً لعدم قناعة جزء كبير من السوريين بأن الظروف السياسية والديمقراطية صحيحة للقيام بهذه العملية. لهذا فإن هذه الانتخابات تفتقد لكل شرعية سياسية.

ومن الجلي أن النظام في هذه الانتخابات يخالف عمداً كل معايير النزاهة والمساواة بين الناخبين وعمومية الاقتراع والتصويت السري والتعبير الحر عن ارادة الناخبين، هذه المعايير التي أقرتها المواثيق الدولية، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كحقوق أساسية لا يجوز لأي نظام يدّعي الشرعية مخالفتها. فالسلطات السورية تقوم بإجراءات ترهيب للمواطنين وخاصة موظفي القطاع الحكومي من أجل اجبارهم على المشاركة في هذه الانتخابات اللاشرعية، إذ تلزمهم بالتقيد بالدوام الرسمي والامتناع عن التغيب في يوم الانتخابات تحت أي ظرف كان، حتى لو كان أمنياً، وتقوم بنظم قوائم ناخبين بأسماء الموظفين الحكوميين في دوائرهم الرسمية للتأكد ممن سيشارك في الانتخابات مع التهديد بالفصل في حال الامتناع. أما في الأحياء فإن الأجهزة الأمنية تقوم باعتقال وتهديد كل من مواطن يدعو إلى مقاطعة الانتخابات على اعتبارها انتخابات مزورة وغير شرعية، وهي تنشر لهذا الهدف مخبريها في مختلف الأحياء، فتبث الرعب والريبة بين المواطنين. أما سفارات النظام، ومن أجل رفع عدد المشاركين في هذه الانتخابات الصورية، فلقد حصرت تقريباً مواعيد تجديد الوثائق السورية في يوم الانتخابات؛ لابتزاز المواطنين السوريين، إذ تقايضهم بالتصويت لرئيس مجرم مقابل تجديد جوازات سفرهم التي هي حق طبيعي لهم. كل هذه الممارسات تجعل من هذه الانتخابات عديمة الشرعية من الناحيتين القانونية والحقوقية.

من خلال هذه الانتخابات اللاشرعية سياسياً وقانونياً والمحسومة النتائج سلفاً، والتي هي ليست إلا محاكاة ساخرة للديمقراطية، يؤكد النظام مرة أخرى بأنه غير قابل للإصلاح، وبأنه يستخف بعقول السوريين والمجتمع الدولي، لا بل يسخر من عذابات المشردين ودماء الأبرياء، إذ لا يعنيه تخفيف هذه العذابات وحقن تلك الدماء، عبر إيجاد حلٍ سياسي للأزمة الدامية، بقدر ما يهمه بقائه في السلطة. لهذا فإننا نجد لزاماً، على كل المواطنين السوريين بلا استثناء، مقاطعة هذه الانتخابات الصورية التي ستطيل الأزمة السورية وستزيدها تعقيداً ودموية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الوريث الأهبل أبو البراميل لص سطا على السلطة
سوري فهمان ( 2014 / 5 / 30 - 13:15 )
الأخ الاستاذ هيثم

كل المقالات المكتوبه عن الوريث الأهبل أبو البراميل لا تغني ولا تسمن من جوع فهو لص سطا على السلطة وسمح له بذلك من القوى العالمية لتدمير البلد لذلك لا مكان للخوض في موضوع عن الديمقراطية لانها لا تخصه

شكرا جزيلا على هذا المقال لانه يشرح هذه الفكرة

تحياتي الأخوية


2 - ماهو البديل
علي البابلي ( 2014 / 5 / 30 - 18:07 )
استلم بشار الحكم من والده على طبق من ذهب .
هل رأيتم حاكما عربيا تنازل عن السلطة بسلاسة وسلمية وانزوى مواطنا عاديا .هذا الامر لم يفعله سوى المعلم الحكيم بوذا الذي رفض السلطة عن والده لكونها تفسد أخلاقه فانصرف للحكمة والموعظة فخلّده التأريخ كما هو الان حيث يقدسه اكثر م مليار انسان .
أنا لست سوريا حتى اتكلم بدلا عنهم انما انا عربي احب سوريا وعشت بها فترة في الثمانينات فاحببتها كثيرا وشعبها الطيب الجميل ولذلك من حقي ان اقول رأيي بالوضع الحالي المؤلم جدا جدا الذي لما كان يحصل لولا تدخل دول وأجندات خارجية بحجة دعم الديمقراطية ومنها دول الخليج وخاصة السعودية وحكامها الذين يقطعون رقبة المواطن السعودي اذا مجرد لفظ على لسانه كلمة دمقراطية .
المشكلة تعقدت من البداية عندما استخدم المتظاهرون السلاح ضد الدولة تقليدا فاشلا للتجربة الشعبية الليبية.
مطلوب من السوريين سلك طريق الحكمة والواقعيةوالقبول بالوضع الحالي لحين انجلاء غبار الحرب الشعبية المجنونة لان البديل هو دمار ماتبقى من حرب دينية طائفية قومية لاتنتهي بين الاخوةالفصائل الذين سيصارعون على الكعكة كما العراق اليوم وأكثر،يكفي تهور ومكابرة وشكرا

اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ