الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اندثار الاماكن

نجم عذوف

2005 / 7 / 24
الادب والفن


كانت التلال الصغيرة تراقص الريح الهاربة من الصحراء ، الريح التي يطاردها الوهم ، الريح التي تركت الأبواب تلفظ أنفاسها من ثقوبٍ هجرتها المسامير علها تحطم أضلعها الخاوية . من بين تلك التلال يظهر في الأفق تلاً خاويا تجرجره الرمال بعيدا عن مسار الريح كي لا تمسك به ، الرمال التي التهمت الطرقات ، الرمال التي قضمت أثار العابرين في زمن ما ، كانت عظامه تتساقط الواحد تلو الآخر لكن الرمال لن تسمح لعظامه أن تترك الأثر نفسه لكي لا تستدل الريح إليه ، وفي زاويةٍ أشبهُ بأماكن القرابين كانت تمد يدها لتستخرج منها الأرواح التي صافحتها أيادي الآلهة الأرواح التي ضمدت عذريتها بالأزل المقدس ، التل يرتعد وهو ممسكٌ بالوهم ، الوهم القادم من غياهب المجهول ، علهُ يسكت صوت الجراح ورائحة الدم التي تلتفُ خلفَ ضباب الضحية . ينهض الأزل قابضاً على لحيته الرملية بيدٍ بحرية وبالأخرى عكاز من الريح ليضع قدمه على مؤخرة التل فيصمت الخوف لكن روحه تزحف بعيداً باتجاه أخر نقطة في الزمن المنتهي ... الزمن الذي غادر إلى قبل ، الزمن الذي فسَّخَ الأمكنة واغتال لحظتها باتجاه القلق ، النقطةُ التي تركت المدى يطارد لحظتها بعثرت بُعْدَها وأقفلتْ مسافاتها الخرافية ... السكين الذي ذبح الضوء المتشظي يردد توسلات التل الهزيل وهو ممسكا بجدائل العاصفة التي كَشَّفَتْ سيقانهُ ، العاصفةُ التي تجرجر ذيول التاريخ الرملي ، العاصفة التي تثير غضب البحار وتسرق سكينتها اللامعتادة ، من ذا يؤقتُ لحظة الاغتيال ... ومن ذا يملئ المطاردة أوقاتها ... التلال التي اعتادت الرقص مع الريح داستها أوقات الاندثار اللعين ، أما التل الخاوي الذي أنهكته التقلبات و هرم في انطوائيته اللامشروعه يتأرجح تحت استعارة لا زمنية .. استعارة توظف أشواك الصبار تحت العطش المبتل بسراب الرغبة .
يقفز ظل اللاهوت من خلف جمرة الفجر ، فتحترق البحار .. الصحراوات .. التلال ، يزحف نحوه وهو الذي لا يقوى على الحراك ، الحراك الذي كان حلماً ، الحراك الذي لا يمنح الهروب المعنى .. الخنجر الذي يرقص في كفِّ المدى ينفض اصفرارهُ فيتكور خريف الانسلاخ .. خريف الألم المحتضر .. خريف الأوراق المذبوحة برغبةِ السقوط . عشية الانفلات لا تستدل التساؤلات على لغزها في الممرات الموبوءة ، الممرات التي جرجرت أنفاسهُ ذات انقباض علة التنشق .. قذفت انفعالاتها الأجنحة ذات هروبٍ من الطيران القسري لعنة تقضم شجيرات الوجع ، الوجع الذي يمارس لعبة البقاء الأبدي ، الوجع الذي يلتف خلف الدوائر السوداء التي تشبه الجحيم ، الجحيم اليومي صيرورةٍ أُخرى من صيرورات البقاء ، بقاء التعاسة ، بقاء الألم بقاء اللانفع من البقاء .
هناك في أخر نقطة جحيميةٍ يلهث البحر وهو يتوسد التل الرملي الذي داسته أقدام السحب ، تضج الذاكرةُ بأساطير السحب وهي تومئ إلى ( صعصع) وهو يمارسُ عنفه الرعدي ... وهو يمارس قسوتهُ القسرية ليجمح كبوة الهطول . التلُ يحتضنُ وحدته التي ارتمت تحت صخرة (سيزيف ) ، رمح النار الذي احرق هشيم الكون ينفذُ ليبعثر التل باتجاه جمرات الفجر ، الفجر الاحتراقي ، الفجر الدموي ، الفجر الذي يسرق الهدوء ، الهدوء الصاخب بالصمت ....
تثور الجبال فتقذف ارتفاعاتها باتجاه التلال غيرة أن تكون ذات زمنٍ جبالاً وغيرةً من شفافيتها التي تداعب الريح ، أيُّ ريحٍ تلك التي تعبث به ، الريح التي لا تستطيع أن تصدَّ الموت .. الموت الذي التهمنا كما تلتهم الهشيم النار ، الموت الذي يكبلنا بأساوره ويضعنا في زنازينه القسرية .
تلك هي الدوامة التي ينام بها الأموات دون أن يعرفوا لماذا ، وكيف ، ومتى ، والتي يسقط فيها الأحياء لحظة الضعف .....
التلُ لا يقوى أن يفكَّ قيودهُ المثقلة ، فلماذا لاتعبث الريح به ولا تقذفه الجبال ولا تحرقه جمرات الفجر ، في غفلةٍ كانت الآلهة نائمة احترقت في غفلتها فاحترقنا واحترق الكون إذا لا عودة لبداية أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل


.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض


.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار




.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة