الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة الى سعادة القاضي الذي حكم على مريم بالشنق

طوني سماحة

2014 / 5 / 31
حقوق الانسان


سعادة القاضي،
يحتار القلم إذ أن الكلمات تخونه. لا يعرف من أين يبدأ و كيف يخاطبكم. فالقلم صديق الكلمات و ما من كلمات تصف قساوة حكمكم و تخلّف محاكمكم.
بالأمس حكمتم على مريم السودانية بالموت شنقا. فالتهمة ارتداد عن الدين و زنا. عجيب أمركم، يا سعادة القاضي، إذ أن حكمكم لم يرتقِ حتى إلى أبسط القيم الإنسانية، بل هو يعكس فكرا يتغلغل في مستنقعات الظلم و الجهل و الهمجية و البربرية و كان أحرى بكم، و أنتم القاضي، أن تكونوا رمزا للعدل و المساواة و الأخلاق.
لماذا حكمتم على مريم بالموت، ألأنها اختارت دينا دون آخر؟ و هل ولد الإنسان لكي يكون مجردا من الفكر و الإرادة و بالتالي يكون رجلا آليا يحكمه فكر واحد و يفتقد إلى أبسط مكونات الإنسانية؟ أود أن أقول لكم، سعادة القاضي، أنكم و بحكمكم الجائر لا تختلفون عن رعاع داعش الذين يصلبون أعداءهم و يقتلون الكفار و يعدمون من يخالفهم الفكر. و كم كنت أتمنى على من يرتدي ثوب العدل ألا يكون سوقيا بفكره. كذلك أود أن أقول لكم أنكم لا تختلفون عن هتلر الذي أعطى لنفسه حق منح الحياة لمن يريد و حجبها عمن يريد. و كم كنت أتمنى على من يجلس على كرسي القضاء ألا يكون سفاحا.
لقد رميتم مريم في سجن يضيق ذرعا بأعتى المجرمين و غلاظ القلب و السفاحين و احتملت مريم السجن، و ها هي اليوم تضع مولودها البكر فيه. هل أصبح السجن المكان الطبيعي لولادة الأطفال؟ ما ذنب هذا الطفل حتى يولد في زنزانة؟ لماذا يحرم هذا الطفل من عطف الام و حنانها؟ أنتم، يا سعادة القاضي، حين أمرتم بشنق مريم، لم تقتلوا امرأة فحسب، بل قتلتم معها أحلام طفل و سعادته. أنتم دمرتم مستقبل هذا الطفل بحكمكم الجائر. و من يدري فقد ينشأ هذا الطفل حاقدا على مجتمع حرمه حنان الام، و بالتالي إما ينتقم من المجتمع و يكون مجرما و إما يقع فريسة الانحراف و الانحلال. ترى على من نرمي باللوم عندها يا سعادة القاضي؟ بئس قضاء يقود الناس للانحراف!
حكمتم على مريم بالجلد مائة مرة لأنها مارست الزنى، و الزنى في عرفكم أن تتزوج امرأة من غير مسلم! ليتكم طبقتم حد الزنى على كل رجل يخون امرأته قبل أن تطبقوه على امراة تزوجت شرعا. من يدري، قد تكونوا أنتم أول الزناة سيّدي! لما لا؟ فالزنى الحقيقي هو زنا القلب قبل أن يكون زنى الفعل. دعوني، سيدي، أذكركم بقول لعيسى عليه السلام حول موضوع الزنى " قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزنِ. و أما أنا فأقول لكم أن كل من نظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه." ترى، أين أنتم، سيدي، من هذا القول؟ كذلك دعوني أذكركم أن أحبار اليهود قدّموا مرة لعيسى عليه السلام امرأة أمسكت في ذات الفعل (الزنى) و قالوا له " يا معلم، هذه المرأة أمسكت و هي تزني في ذات الفعل، و موسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟" ... فانتصب يسوع (عيسى) و قال لهم " من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر". سيدي القاضي، لا شك عندي بناء على ما تقدم أنكم بلا خطية، لذلك أقدمتم على الحكم على مريم بالموت شنقا، كما أنكم لو كنتم بين أحبار اليهود (و حاشا لكم أن تكونوا من أحفاد الخنازير)، لكنتم الوحيدين الذين يجرؤون على حمل الحجر و رمي الزانية به.
سيّدي القاضي،
يبدو أنكم على جهل بأبسط قوانين القضاء. فالجهل يولّد الجهل، و الظلم يولّد الظلم، و الإرهاب يولّد الإرهاب و السيف يستدرج السيف. إن كان العدل يُبنى على دماء المظلومين، ترى على ماذا تراه الظلم يقوم؟
سيدي، قد تموت مريم شنقا، لكن الحبل الذي لم يستطع زعزعة إيمان مريم و ثباتها سوف يقف عاجزا أمام مريمات أخريات، كما أخشى أن أقول لكم أن مريم، في هذه القضية، أصبحت القاضي و أنتم المتهم.
قد تموت مريم و تذهب الى الجحيم (في عرفكم)، و أنتم سوف تموتون بعد عمر طويل و تكون الجنة مثواكم. دعوني أقول لكم، لو أعطيت الخيار بين جحيم مريم و جنتكم لاخترت نور الجحيم على ظلمة الجنة.
ط. س.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو حمزة: الطريق الوحيد لاستعادة الأسرى هو الانسحاب من غزة


.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع