الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسامة أنور عكاشة وذائقة جيل

نوال ناجي يوسف

2014 / 5 / 31
الادب والفن



كم من افراد جيلنا اذهلته وأمتعته الدراما التلفزيونية " الشهد والدموع" بداية ثمانينات القرن الماضي، ومن منا لم تستغرقه الثيمات في ثنايا شخصيات هذا المسلسل العبقري، اولاد رضوان، ثنائية الخير والشر، الانسان والشيطان ،وصراعهما الأزلي للفوز بالجنة دون الاخر، ذلك الصراع الذي لا يفضي الى نهاية. وكيف انشغلنا بتفكيك الرموز والإيحاءات التاريخية او الطبقية لأبطال المسلسل وشخوصه الثانوية، حيث تجلت براعة المؤلف في الرسم الدقيق لكل شخصية ، فكانت أدوارالجميع جزء لا يتجزأ من نسيج العمل.
كان هذا المسلسل باكورة اعمال اسامة أنور عكاشة ، اذ تم عرضه بجزئيه عامي 1983-1984، وقد احدث تغيرا نوعيا في الدراما التلفزيونية، حيث استطاع هو والمخرج اسماعيل عبد الحافظ، ان يحققا المعادلة الفنية الصعبة، الطرح الدرامي الثري والراقي ، والانتشار الجماهيري الهائل والغير مسبوق... فكانت العوائل تحرص على ضبط مواعيدها، لتتفرغ لمشاهدة مسلسلات عكاشة، والذي، بإنجازه المبهر، أسس لما يسمى " نجومية المؤلف التلفزيوني ".
وتتالت أعماله الرائعة...في التلفزيون والمسرح والسينما، وكان كل عمل منها، يتناول ثيمة جديدة ، تجدل الفلسفة والتاريخ والسياسة في جديلة متفردة، بأسلوبه "السهل الممتنع، الذي يصل مباشرة الى وجدان الجماهير ، هدف اسامة الاول والأخير.
ففي" ليالي الحلمية " كان تاريخ مصر الحديث، يهدر او ينساب بسلاسة امام عيوننا، عبر شخصيات منتقاة بفنية عالية لتصور عملية صياغة التاريخ من كافة طبقات المجتمع، المستغَلة والمستغِلة، فمن سليم البدري الصناعي الكبير وعماله، الى الإقطاعي سليمان الغانم وفلاحيه، الى توفيق البدري ابن الطبقة الوسطى وعلاقته المعقدة بين ابن عمه صاحب المصنع من جهة، وباقي عمال المصنع ألمسحوقين من جهة اخرى..كذلك عكس المسلسل نمو الحراك الوطني عند هذه الطبقات، مع تركيز خاص على دور الطبقة الوسطى منجم الحركات الثورية، بأسلوب شديد الشفافية.
اما في" الراية البيضا "، فكان الصراع بين الأصالة والعراقة، وبين المال المشبوه والخالق لسلطة متوحشة تخنق كل بادرة ترفع رأسها مقاومة لتدهور الذوق العام. واستطاع اسامة، وبحرفية عالية ان يرسم بانوراما رائعة لهذه المواجهة بين التحضر والإبداع الثقافي، مقابل التخلف والرثاثة، وترك، عامدا، نهاية المسلسل مفتوحة لكل الاحتمالات.
تجلى ابداع عكاشة في المسرح عبر " الناس اللي في الثالث"، المسرحية التي سلطت ضوءاً كاشفا على أسرة من الطبقة الطبقة الوسطى المصرية، لليلة واحدة فقط، ولكنها كانت ليلة عصيبة ، اذ كشفت لأفراد هذه الاسرة، وللمشاهدين طبعا، مدى الخراب الذي أصابها ونخر فيها، كمثال لانسحاق الطبقة الوسطى فى ظل غول الانفتاح ، انهيار اقتصادي يتبعه بالضرورة خلخلة بنية العلاقات الأسرية وتدمير قيمها. يحرك اسامة مراياه عاكسا استلاب حرية وخصوصية الفرد تحت جزمة سلطة الدكتاتورية العسكرية.
وعلى صعيد السينما، كتب عكاشة قصة فيلم " دماء على الأسفلت" الذي أخرجه المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب ، مرة اخرى كان موضوع الفيلم التغيرات الاجتماعية والأخلاقية الخطيرة الطارئة على المجتمع المصري نتيجة الحرمان والعوز والفجوة الهائلة التي نشأت بين الشعب المسحوق والطبقات الطفيلية التي تغولت تماماً في عهد السادات ومبارك.
لن أستطيع في هذه العجالة، ان امر على نتاجات عكاشة كلها، فقد أنجز الراحل الكبير، الذي تمر هذه الأيام ذكرى وفاته الرابعة، حوالي أربعين مسلسلا تلفزيونيا، وعدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات، ساهمت في تطوير ذائقة الجيل الفنية، وأسست لرؤية جديدة في فن الدراما، ووضعت لبنات أساسية لانتاج اعمال فنية راقية، تفتقدها بشدة اجواء الانتاج الفني حاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس