الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكشف الشعري والنفاذ الى حقائق الاشياء ..... قراءة في نصوص علاوي كاظم كشيش

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 5 / 31
الادب والفن


لم يكن الشاعر العراقي علاوي كاظم كشيش في مساره الشعري من خاتمة الحضور الى اخر اعماله باحثا عن سطوح المعاني التي تشي بها الكلمات للوهلة الاولى بل ان المتابع لسيرة هذا الشاعر قد يلحظ بسهولة ان للشعر عنده مفاتيح اخرى طالما اهملها الناس بسبب التعامل الشكلي وتغييب الحدس القرائي الفاعل في التلقي العربي ، وهو بهذا ينحو الى ان يجد في الشعر رؤيا وكشفا وبحثا فضلا على ان للشعر عنده وظيفة واداة فلا يمكن بحسب هذا المنطلق – ان تتكامل الذائقة الشعرية الا عن طريق البحث المستمر بوصفه مسعى لتجاوز السياقات الشكلية نحو التأكيد المطلق لحضور الاشياء بماهياتها ولا يتسنى ذلك الا بفعل المجاوزة .. مجاوزة ما هو قار وثابت في علائقيات الكلمة و الجملة و السطر الشعري او البيت ، فقد آلى علاوي كاظم على نفسه ان يتجاوز الفقر الشكلي للكلمة الى مديات الرؤية الباصرة ، فالكلمة لا يمكن لها ان تتمثل المعنى او المعاني الحقيقية الا بالاستعمال المختلف ، و للتدليل على ما تقدم يمكن الاستشهاد بنصه ( طريق كربلاء ) الذي القاه في مهرجان المربد عام 1979 ، ففي هذا النص قد يلحظ القارئ ان الكلمة لا تتقيد بما وضع لها من معان ، لذا فهي مسكونة بالافلات من اسر التقليد الى مديات اوسع عن طرق استثمار الفنون البلاغة واساليبها , والشاعر بذلك يمارس – وعلى وعي منه – التقنيات التي تتيحها له اللغة نفسها لكنه يمارسها بحذق
وفطنة بعيدا عن التلاعب الفوضوي فمن خلال الجناس - مثلا – تتخلق امامنا عوالم من المعاني الثرة التي قد لا نجد ما يشابهها في نصوص معاصريه من الشعراء ، ففي هذا الاسلوب البلاغي قد يكشف القارئ امكانيات معنوية ربما لا تخطر على ذهنه لاسيما وان الشاعر جعل من الشعر عامة ، ونصه هذا خاصة ، سيرة ملحمية لذاته اولا قبل ان تكون سيرة لمرحلة زمنية بأكملها ... سيرة مؤطرة بالسؤال النابع من الاحساس بالغربة الزمانية ... سيرة تحكي مخاطرة ضمير الجماعة بوصفه يختزل انا المتكلم قسراً ، فلم نكن عابرين لتطردنا قرانا – يقول الشاعر – ولم نكتب غيابنا على النبع ... قرانا وجد الطبيعة الى ظلنا ، وهي تعد قرانا بيننا و بيننا ، فقد غيب الشاعر الطيات الظاهرة للمفردة ( قرانا ) وتجاعيدها القاموسية ليمنحها وهجا اكثر فبدت اكثر تألقا بحلتها الجديدة وهذه الخصوبة المعنوية التي تنقلت بها من معنى القرية الى القراءة الى الضيافة و الكرم ، بيد ان الشاعر علاوي لم يقف عند هذه التخوم التي تتيحها جملته الشعرية لاسيما اذا عرفنا بأنه ضد كثير من المسلمات الكتابية المتعارفة , فالشعر عنده – كما مر –نتاج طبيعي لموقف تأملي اولا وقبل كل شي لذلك فهو على قطيعة سواء في الشعر او في سلوكياته مع المواقف الجاهزة التي تصادر التفكير والتأمل , يعلن ذلك بصراحه في نصه ( تدوين ) فيقول :
امضي الى قلق العبارة داخلا ايقاعها الكونيّ او اتداخلُ
روحي اشف من الهواء لمن يرى واشدُّ من حجر لمن يتغافلُ
انا لذعة المنفي وتاريخ الهدى يطأ الخريف حدائقي واواصلُ
بي غربة الشهداء حين يصيبهم نسياننا ورثاؤنا المتكاسلُ
من اول التكوين احمل جثتي لتــدور بي وتدور ام ثاكلُ
برك سطور طفولتي سطرتهـــــا وعبرتها وكأنني اتجاهل
في هذا المشهد الذاتي يضعنا الشاعر وجها لوجه امام حقيقة الارتماء في حيوية الانا ، وتفجر قواها اللا منطقية كالرغبة والاشتهاء في عبور ايقونات الجسد نحو السفر مع حالات الانبهار الوجودي الذي طالما شكل عند الشاعر علاوي منبعا خصباً للإيحاء الايجابي او النفور الوجودي ، فهو ليس بصدد الاشخاص او المواقف الجزئية بقدر ما تشغله المظاهر او السلوكيات المضادة لتيار المنطق الروحي .
وفي نصه ( طريق كربلاء ) قد نجد ما يعيننا على فهم رؤى الشاعر عبر مجساته وهي يتحسس الزمان ، فيقول :
زمن يتكسر على خطواتنا ولنا بريد لا يصل وموتى يسألون عن نخلة صبرهم ، اين حطت ؟ واين تمرها ؟ نحن الظاعنين في الهداية والبداية ننفض الازهار عن قبورنا لنضحك ونرسم دربنا وشما على الذاكرة ، اعراسنا سوداء وبيضاء مآتمنا ، حكمتنا ينقرها الحمام ويطير ليغسلها في نهر الغياب ، نحن الظاعنين ابداً والطاعنين في الاساطير اتعبنا الوجد في الطريق الى كربلاء يا ارض بددتنا ........
هذا التعامل الصوتي مع الزمن الذي ظل يلازم نتاج الشاعر علاوي كاظم كشيش الى هذه اللحظة ربما يشي دون ريب بأن شاعرنا لا ينظر الى اللغة بوصفها حقائق كتابية صوتية متلبسة بسياقات متعارف عليها ، بل بوصفها اداة كشف ميتافيزيقي ، اما الشاعر على وفق هذه (( النظرة الشعرية الجديدة لا يكتب كما يتكلم ، بل يتكلم كما يكتب ، لغة الكلمات بحسب الكتابة هذا يعني افراغ الكلمات من محتواها المألوف واستئصالها من سياقها المعروف وبهذا المعنى نقول : الاساس هو الشاعر لا الشعر ، وهكذا تصبح اللغة مجلى الشعر لا مجسه : لا يلبسها وانما يتجلى فيها ، وهكذا يؤسسها )) كما يقول ادونيس في الثابت والمتحول 30/ 282.
وثمة اساس ينطلق منه شاعرنا لا يجعلنا نشك في كلام ادونيس السابق يتمثل في محاولة الافلات من ظاهرية اللغة بالاتجاه الى خلخلة ما ثبت على انها حقائق مسلمة ، فالسؤال في الشعر مثلا يحمل دائما في طياته الرغبة في المجاوزة ويعبر عن ماهية الذات ويكشف عن طاقاتها وكوامنها كما يقول الدكتور فارس الرحاوي في كتابه الحداثة في الخطاب النقدي عند ادونيس لكننا نجد السؤال عند شاعرنا يتجاوز تلك الدلالات الى الحد الذي يبدو فيه وكأنه المعادل الموضوعي لهيامات الذات ، فتكرار السؤال و الالحاح ، والاحتفاء به خير دليل على ما ذكرناه ، يتساءل الشاعر علاوي كاظم كشيش في نصه السابق :
سنعود الى مصارعنا في ظهيرة كربلاء نساؤنا بليل عبائتهن يطلقن حزننا وخطانا وسرب اسئلة يئز فوق رؤوسنا .... هل وصلنا ؟ قال اطفالنا متى بدأنا ؟
- من يدون الصمت ؟
- من يصد الريح عن غوايتها ؟
- وموتى يسألون عن نخلة صبرهم : اين حطت ؟ واين تمرها ؟
- هل طالت رحلتنا ؟ ام نحن على شرنقة البداية ؟
- من سيأخذنا من سؤالنا بلا اسئلة ؟

- هل الارض نحن ؟ هل الارضُ فاكهة ليزيدها دمنا عسلاً ؟ لماذا تغلق الاساطير ابوابها ؟
- كم مر علينا من الحزن ؟ كم بقي لنا من الرحيل ؟ كم طفولة سنكور كي ترانا ونرى عظام موتانا تخضّر في بساتين كربلاء
- كم بقي علينا من اكاذيب وابناؤنا يكبرون على الدرب ؟
ان السؤال هنا يكتسب شرعيته من خلال جدلية :الحضور / الغياب بوصفه شاهدا وغائبا في الوقت عينه ... دالا ومدلولاً ، بل ربما يكون السؤال عند شاعرنا دالا عائما لايقر له قرار ، هائما على وجهه للبحث على مدلول منفلت من قيد الوضع وقد يكون خير معبر عن الحيرة الوجودية , يقول الشاعر علاوي في نصه ( تدوين ) :
لك حيرتي وانا الصعود النازل كثرت فتوحاتي وموتي ماثلُ
داست حوافر جهلهم اسطورتي يا ايها المطر الذي يتخاذلُ
صوَّب غيابي كله في وقتهم صوِّب وليتك مرةً تتهاطلُ
افضح كتاب الظل وافضحني معاً لتهب ما بين السطور زلازلُ
ماذا عليَّ اذا نسيتُ حكايتي حتى تطيب مشارب ومأكلُ ؟
لكنني وانا الوحيد الباذلُ امضي شهيدا شاهداً واقاتلُ
سأرد خوفي حيث تشمخ فكرتي ويبارك الكلمات برقٌ صاهلُ
فالسؤال هنا ضرورة تحتمها الاثارة الوجودية ، وبالتالي قد لا يستبطن السؤال جوابا ، فيكون ــ والحالة هذه ــ اشبه بعملية البحث عن مجهول ، لذلك يكتسب السؤال ديمومته عند شاعرنا , فالأجوبة تفتك بالسؤال وتنحيه جانبا ، انها تنهي شرعيته .
وقد تتشظى دلالات السؤال عند الشاعر في الممارسة الشعرية الى الحنين لنقاء الاشياء وصفائها وبالتالي الحنين لغربة زمانية تضاد التواجد المكاني ، وخير ما يستدل به التوق الى وطن مشكل بصورة مثالية ، فالخطاب الموجه الى الوطن في هذه الحال شاهد على حضور الوطن وغيابه في ان واحد حضوره بوصفه نايا يفيض مواجعا ويناضل وغيابه بوصفه صباحا طالعا من نخلةٍ .... حضور بوصفه دمعة كربلاء وغياب حينما يشي بجمال اثر النساء على المرايا , وولدٌ يروض جارةً ويغازلُ ــ بحسب تعبير الشاعر ــ ، يقول الشاعر علاوي :
يا امّ ، يا ام الصدى ، يا امنا كثرت مقاتلنا وصوتك خاملُ
لا ترحلي في غربة الاشياء لا تقفي امامي غيمةً تتنازلُ
عما قليلٍ ترحل الصحراء عن اسفارها وتحيد عنكِ قبائلُ
فامضي بعيدا في الهداية وادخلي افق العذابات التي تتواصلُ
****************
وطني صباح طالعٌ من نخلةٍ ناي يفيض مواجعاً و يناضلُ
يشماغه في الريح ينثر انجما وعلى يديه كم استراح اوائلَ
وطني .........
صيف على هولير دمعة كربلا رزٌ من المشخاب حقل باسلٌ
وطني ..........
برحية كل القرون تهزها عند المخاض الصعب مهرٌ صائلٌ
مما تقدم يعني ان الحنين الى الوطن شعرا يمثل فعلا تجاوزيا يسمو على واقعية الاشياء ، ليتعشق تلك الصور التي تحاول التفلت من معجمية تلك الاشياء ، وتحاول ايضا ان تكون مثابات يصبو اليها الشاعر بوصفه كائنا خارج الزمن المعيش ، فهو وان اخذت سيرة بلده العراق ، لاسيما كربلاء بلبه فإن طريق للوصول لمثابة روحه لابد ان تفسره الاساطير لكي ينغرس ذاتاً وسط الغياب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا