الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجلاد والقاضي في بؤرة الفساد .. من يحاسب من

بدر الدين شنن

2005 / 7 / 24
حقوق الانسان


ا ستنكرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بيان لها يوم الأربعاء الماضي ، اعتقال الأمن السياسي لرئيس محكمة النقض ونائبه في سوريا والتحقيق معهما في ملفات فساد ورشاوي ، واعتقال قاض لدى محكمة القضاء الإداري ، واستدعاء الأمن السياسي لقضاة آخرين والتحقيق معهم أيضاً على خلفية تهم فساد ورشاوي قد تفضي إلى اعتقالات أخرى وسط السلطة القضائية ، بالاستناد ، حسب المنظمة ، إلى عدم قانونية هذه الوسيلة بمحاسبة القضاة ، إذ أن المحاسبة والتحقيق مع القضاة هو من اختصاص هيئة التفتيش القضائي ، وتقول جهة حقوقية أخرى أنه من اختصاص مجلس القضاء الأعلى

وإذ تستنكر المنظمة العربية لحقوق الإنسان وجهات أخرى تدخل الأمن السياسي في الشأن القضائي ، فإن المواطن العادي لم يجد في ذلك أية غرابة ، وإنما في غاية التعبير عن واقع النظام الشمولي في سوريا ، الذي ألغى الحدود بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ووحدها ووضها مجتمعة في قبضة رئيس الدولة ، الذي يملك " دستورياً " وواقعياً كل السلطات .. وتتحرك بأمره كل السلطات ، كما لم يجد المواطن أية غرابة في تفشي الفساد في أوساط القضاة ، فهو منذ أن تم تسييس وتبعيث القضاء قد أسقط الثقة بالمحاكم ، واستعاض عن عدالة القضاء في سعيه للوصول إلى حقوقه بالواسطة ذات المصادر المتعددة .. شخصياً وأمنياً وحزبياً وسلطوياً .. وفي كل الأحوال - قد لايخلو الأمر من استثناءات نادرة - الرشوة مباشرة أو عبر الواسطة أو الإثنين معاً هي ميزان العدالة وجالبة الحق . وبات الإنسان الفقير الضعيف الذي لايملك المال أو الواسطة مهضوم الحق مهيض الجناح . ولذلك فإن الأخبار المتواترة عن اعتقال هذا القاضي أو ذاك لاتعبر فقط عن تفشي الفساد في السلطة القضائية فحسب وإنما هو إنذار خطير جدأً بأن مصير ووجود الوطن بات قاب قوسين أو أنى من التدمير الذاتي ، إذ أن القضاء بمقاييس الأمم المتحضرة يعتبر ضمير الأمة ، فإذا فسد ضمير الأمة فماذا يتبقى للأمة من مقومات الكرامة والإحترام والوجود ؟

واللافت في هذا السياق هو إلتباس تسلسل السلطات الفعلية وعلاقتها فيما بينها في البلاد ، من هو القادر على محاسبة من ؟ من هي الجهة التي تملك نظافة اليد والضمير التي تؤهلها لمحاسبة الآخر ؟ وفي أي محور ترتكز ومنه تنطلق وفيه تستقر السلطة الحقيقية التي تحكم والتي تحاسب دون أن تكون جدرانها من زجاج ؟ . المعروف سابقاً أن الأمن السياسي يهيمن على جهاز الشرطة والأمن الجنائي باعتبارهما تابعين لوزارة الداخلية ، وقد كلف سابقاً في مناسبات عدة ، حين ساور الشك قيادة النظام أحياناً ، بضعف أو بإخلاص جهاز أمن الدولة أو الجمارك بقضية ما ، كلف استثناء بمهام هي من اختصاص هذا الجهاز أو ذاك ، أما في مسألة القضاة ، وهم تابعون لمجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه رئيس الدولة ، فهذا مؤشر على أن الأمن السياسي بعد توحيد الأجهزة الأمنية _ عدا العسكرية - تحت قبضة وزير الداخلية قد توسعت صلاحياته إلى مجالات أخرى لم تعد تعرف حدودها . وهنا تفرض نفسها تساؤلات عدة ، إذا ضعف أو فشل الأمن السياسي أو ظهر أن الفساد مزمن فيه فمن يحاسبه ؟ ربما يقال المخابرات العسكرية باعتبارها مستقلة عن وزارة الداخلية . وإذا احتاج الأمر لمن يحاسب المخابرات العسكرية ؟ قد يقال الحرس الجمهوري .. ومن يحاسب الحرس الجمهوري ؟

قد تولد أجهزة .. وأخرى .. إلاّ أنها طالما تولد من رحم النظام الشمولي الفاسد فسوف تكون غير جديرة بمحاسبة أحد ، لأن مصادرها ومكوناتها انبنت على الفساد .. انبنت على أسس غير شرعية .. على فقدان القانون .. وسيادة القانون .

إن القضاة الفاسدين غير مأسوف عليهم لاعتقالهم ، سواء اعتقلهم الأمن السياسي بأمر من وزارة الداخلية أو اعتقلهم الأمن الجنائي بأمر من مجلس القضاء الأعلى أو هيئة التفتيش القضائي . لأن فساد الموكل إليه إحقاق الحق هو أبشع أنواع الفساد، ولأنه يشير بمرارة كم من بلغ الفساد الشامل في البلاد من الإرتفاع حتى طفح به الوعاء القضائي .. وانفضح بهذه الصورة المخجلة

لو أن اعتقال القضاة ومحاسبتهم قد تم في سياقه القانوني وبآلياته القضائية ، في ظروف سيادة دستور ديمقراطي وقانون صادر عن سلطة تشريعية تشكلت ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع ، لكانت مؤشراً على أن البلاد تتجه نحو العافية ، لكن ، بما أن الاعتقال قد تم بالوسائل القمعية التعسفية إياها وبآليات ليست طاهرة الذيل أكثر من المعتقلين ، فإن الأمر قد لايعدو أن يكون تصفية حسابات أو إعادة توزيع في المكاسب والمناصب

إن فضيحة القضاة على مستوى محكمة النقض وما دونها في الوسط القضائي يضيف دلالة بليغة أخرى أن الأزمة السورية لاتنفع معها تدابير ترقيعية ، وإنما الإقدام بجرأة حاسمة وعاجلة ، لتصفية الاستبداد الشمولي ، وتصفية كل موروثاته ومؤسساته وآلياته . وهذه مسؤولية قوى التغيير الديمقراطي المندمجة بأعماق ومصالح القوى الشعبية .. أولاً .. وثانياً .. وثالثاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الخسائر بلبنان غير مقبولة-.. المتحدث باسم الأمم المتحدة: أو


.. موفدة العربية ترصد تطورات التصعيد على الضاحية ومأساة النازحي




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - ‏الأمم المتحدة تدين العدوان الإسر


.. بتوقيت مصر يناقش رفض مصر للتصعيد في المنطقة أمام الأمم المتح




.. تفاقم معاناة النازحين في لبنان