الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية ولولو اللبنانية

محمد جمول

2014 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



مدرسة الأخوين رحباني لا تقل قيمة فيما قدمته لنا عما تركه شعراء كبار مثل المتنبي والمعري. فما من موقف صعب يعترضك في الحياة إلا وتجد فيه بيتا من شعر هؤلاء يسعفك في فهم ما أنت فيه، ويشعرك أنك لست أول من يتعرض لمثل ذلك. وهكذا الرحابنة العظام. ففي أعمالهم المسرحية والغنائية تجد معظم التجارب الحياتية والمواقف العاطفية والإنسانية في واحد من أعمالهم الكثيرة والجميلة التي لم تفقد قيمتها ومغزاها مع مرور الزمن وتغير الأجيال.
من هذه الأعمال الجميلة مسرحية " لولو". ولولو هي فتاة لبنانية تمضي خمسة عشر سنة في السجن بتهمة قتل ليطلق سراحها بعدما تبينت براءتها من هذه التهمة. تخرج لولو من السجن وليس في ذهنها شيء سوى هاجس الانتقام وقتل من ساهموا في وصولها إلى السجن. قد يكون هذا مفهوما ومقبولا من فتاة دفعت هذه السنوات ظلما من حياتها. وقد يكون الثأر مبررا على المستوى الفردي إذا لم يكن المظلوم على درجة من الوعي تمكنه من فهم قيمة الصفح والمسامحة.
بعض كبار رموز المعارضة السورية تصرفوا على طريقة لولو. فلم يكن لديهم هاجس أكبر من هاجس الثأر والانتقام في حين أن على من يتنطح لمهمة قيادة الدولة ويتحلى بصفات رجل الدولة أن يتجاوز ثأره الشخصي ويتطلع إلى إعادة تكوين المجتمع على أسس المواطنة والنظر إلى المستقبل متعاليا على جراحه. ولهذا لم نكن لم نسمع منهم على مدى ثلاث سنوات وأكثر سوى المطالبة بإسقاط النظام بغض النظر عن الدمار الذي يلحق بالدولة والمجتمع كل يوم.
هذه النظرة الانتقامية جعلت هؤلاء المعارضين، الذين لا ينكر أحد أن بعضهم ظلم وأن بعضهم دفع ثمن جريمة لم يقترفها تماما كما حصل مع لولو في المسرحية الشهيرة، يفقدون عقولهم وتوازنهم ويرضون أن يكونوا أداة لتدمير المجتمع والدولة في سورية. ولكن لولو فتاة بسيطة لم تر في حياة ما بعد السجن سوى الانتقام ممن سجنوها. ما هو مقبول من هذه الفتاة البسيطة لا يمكن أن يكون مقبولا من مثقفين وسياسيين كنا نراهم كبارا وقادرين أن يكونوا بديلا لنظام لا ينكر أحد ما لديه من الفساد والاستبداد. وكان من الممكن أن يقودوا المجتمع السوري للخروج إلى عالم أكثر حرية وديمقراطية.
لكنهم لم يستطيعوا التحرر من أسر نزعة الانتقام والثأر التي رأوا أنها تبرر لهم أي موقف يتخذونه ضد الدولة السورية وضد المجتمع الذي ادعوا انهم يعملون على إنقاذه. وبالتالي كان مبررا، بنظرهم، التحالف مع كل شياطين الأرض، وتدمير كل ما في سوريا،ودعوة الوحش الأمريكي للفتك بسوريا كما فعل في العراق وليبيا وغيرهما. وفي ذلك كله كان من السهل إلصاق كل التهم بالنظام وتحميله مسؤولية كل ما يجري في سورية، وكأن القلم مرفوع عنهم، وكأنهم غير موجودين.
لذلك لم يكن بإمكانهم أن يكونوا بمستوى نلسون مانديلا الذي خرج من سجنه بعد أكثر من عشرين سنة ليطرح المصالحة لأنه أدرك أن الثأر والانتقام والحقد لا يمكن أن تشكل أساسا لبناء الأوطان. لم يدركوا أن مهمتهم يجب ان تكون قتل الظلم وليس قتل الظالم. وهذا ما فهمه مانديلا وأمثاله ممن يستحقون أن يكونوا رجال دولة فعلا .
بدلا عن ذلك تحالف هؤلاء مع كل شياطيين الأرض فدافعوا عن جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام ما دامت مستعدة لاستخدامهم كواجهة علمانية يقبلها الغرب وتؤدي خدمة للإرهاب العالمي. وحين يرفضهم هذا الإرهاب ويستغني عن خدماتهم يصبح من السهل عليهم اتهام النظام بأنه هو الذي أوجده. وهذا مارأيناه في حالة الدولة الإسلامية حين كانت جزءا من جبهة النصرة. وكانت، حسب أقوالهم تمثل القوة الضاربة لثورتهم، وهذا ما بدأنا نرى مقدماته مع جبهة النصرة التي بدأت تضربهم. وبالتالي سيعودون كما في الماضي إلى القول إنها صنيعة النظام.
ولا يختلف الأمر في العلاقة مع إسرائيل التي لا يتوقفون عن ترديد القول بأنها حامية النظام بينما تتولى دعمهم بكل الوسائل ومعالجة جرحاهم وتدريبهم بشكل علني ومكشوف.هل يخاطبون جمهورا يفترضون أنه بلا عقل، أم أنهم هم الذين فقدوا عقولهم فعلا، ولم يعد يهمهم سوى سجن من سجنهم على طريقة لولو؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أيام اللولو
ماجدة منصور ( 2014 / 6 / 2 - 03:36 )
يبدو أنك لا تدرك حجم الظلم المتوارث الذي تعرض له كل أحرار سوريا!!!0
عندما تدرك جيدا...ما حصل ل الأحرار...خاطبنا...كي نستطيع الكلام...فالمسكوت عنه أكثر مما تعرفه بكثير جدا.0
فالمسكوت عنه...يتجاوز اللولو..يا لولو

اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي