الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساعدوه بالتنوير لا بالوصاية

محمد السعدنى

2014 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


إنه لأمر خرج عن دائرة الاحتمال، فأينما وليت وجهك ثمة من يتطوع بالنصح والتوصية للمشير السيسى، كيف يحكم وكيف يدير وأهم الملفات وتشكيل الفريق الرئاسى، ومن ينبغى استوزاره واستوظافه، وكأنهم مجلس أوصياء على الدولة ورئيسها، وكأنهم بنصائحهم المدرسية الكلاسيكية المبتدئة يقدمون "التايهة"، وكأن الرجل لم يأت من خلفية استراتيجية أكسبته على مدار سنوات مسئولياته القيادية رؤي وخبرات ومعلومات ودراية بملفات لم تتوافر إلا لعدد محدود من قيادات الدولة ومسئوليها، وكان هو فى الطليعة منهم.
يستفزنى أكثر أن يأتى هذا من كبار، يقدمون للرئيس وصايا القيادة العشر، ومنهم من جعلها أكثر وأشمل وربما نسوا أن يوصوه بغسل يديه قبل الأكل وبعده، وكأنهم جميعاً نسوا أنهم يخاطبون قائداً متمرساً يعرف كيف يتصدر لمسئولياته وإلا ماتقدم لها ولا أعطاه الشعب هذا التأييد الجارف، ومن أسف ربما أنساهم الحماس شيئين مهمين، أولهما : أنهم يكتبون لرئيس انتخب بأغلبية ساحقة غير مسبوقة، وهذا لم يفت كاتب صحفى نابه بحجم وثقافة ياسر رزق الذى كتب بالأمس فى الأخبار نصاً: "الأمة لاتجتمع على غير حق، والناس لاتجتمع على غير مستحق"، فى إشارة لهذا الإجماع الجارف الذى حازه السيسى فى الإنتخابات الرئاسية، ، ثانيهما: هو إنشغال الجميع بلزوم مالايلزم على حساب الأهم والأخطر فى هذه المرحلة والواقع على عاتق الكتاب والمثقفين والمفكرين، وهو "التنوير" الذى من صميم واجبنا كطليعة متقدمة للفكر والمعرفة، وأهم معاركنا المجتمعية هى مقاومة إنحراف الفكر والتطرف والتأويل المتشدد والخاطئ للدين الذى وصل حد إرهاب الناس وقتلهم وتخريب منشآت الدولة وممتلكات الأبرياء وحرق الجامعات بدعاوى وفتاوى ماأنزل الله بها من سلطان، وبما يهدد الأمن والسلم المجتمعى وبالقطع يضرب مخططات التنمية وطموحات الإستثمار والسياحة والإنتاج والإقتصاد فى مقتل.
ياسادة إطمئنوا أن الرجل يعرف طريقه جيداً وهو مستعد لمسئولياته وعلينا ألانشغله إلا بما يتوجب علينا مساعدته فيه حين يطلبه. ياسادة دور المفكرين والمثقفين والكتاب فى هذه المرحلة المأزومة من عمر الوطن ينبغى أن ينصب على التنوير ومحاوره وآلياته ومناهجه وبرامجه وسياساته، فنحن أمام هجمة من تطرف الفكر وصلت حد التركيز على إيهام الناس والشباب بأن عليهم الجهاد فى سبيل اللله بقتل المرتدين والخوارج، الذين هم كل من عملوا على إزاحة حكم الإخوان ودولتهم الظلامية الفاشية المتخلفة، لقد صور لهم منظروهم من الفسقة وأصحاب المصالح ، الصراع على السلطة باعتباره صراع على الدين يستلزم الجهاد فى سبيله، ولاحقوهم بفكر الخوارج والزنج والقرامطة والحشاشين من مدارس التاريخ الإسلامى المأزوم، ودرسوا لهم بتخريج يخدم أفكارهم كيف كانت الفتنة الكبرى ومقتل عثمان بن عفان، وكيف تحارب الصحابة بحد السيف، وكيف أن معاوية حارب على بن أبى طالب، ذلك بعد أن شغلوا عقولهم بغرائب الأمور ومستهجنها عن رضاع الكبير ونكاح الوداع ومفاخذة الصغيرة وكثير غيره، هو زاد يومى يقدم للناس فى الزوايا والمصلات فى الريف والحوارى والنجوع، فى غيبة الأوقاف والأزهر والتربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدنى واللجان الحزبية والثقافة الجماهيرية والإعلام المستنير وكلها مؤسسات ينبغى على قادة الفكر والرأى والفقهاء والكتاب توظيفها لصالح التنوير.
التنوير ياسادة ليس مسئولية الدولة وحدها، ولم تنشأ حركة التنوير والنهضة "الرينيسانس" بمرسوم إمبراطورى أو ملكى أو خديدوى، كما يقول د. محمد العزازى، إنما عمل عليه وأسس له فى الغرب، كوبرنيكوس والكشوف الجغرافية، ونيوتن، وإيمانويل كانط، وفولتير وجان جاك روسو، وديفيد هيوم، ومونتسيكيو، وفرانسيس بيكون، وغذى روافده فى الشرق رفاعة الطهطاوى، سلامة موسى، شبلى جميل، فرح أنطون، على عبد الرازق، طه حسين، أحمد لطفى السيد، فرح أنطون، محمد أركون، مالك بن نبى، محمد عبده، صادق جلال العظم، توفيق الحكيم، عباس العقاد وغيرهم. أين نحن من هؤلاء، وما أحوجنا اليوم أن يتوجه خطابنا الفكرى والعلمى لكل شارع وحارة وعطفة وحوش ونجع وقرية ومدينة.
أتركوا السيسى يعمل ثم حاسبوه، ولا يشغلكم حسابه عن القيام بواجب الوقت وهو التنوير والإستنارة والعقلانية، وارحمونا من الوصاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة