الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوصايا العشر

حكيم المصراتي

2014 / 6 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الوصية الأولى/ إلى السيد الزهاوي (زعيم تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا) :

يبدو أنك لم ترتكب مجازرك الارهابية في حق الجيش والشرطة وحسب. بل ارتكتبها في حق اللغة العربية أيضًا، فذبحت (الفاعل) بالسكين وفجّرت (المفعول به) بعبوة لاصقة.

وصيتي لك: في المرة القادمة، وقبل أن تورط نفسك في تهديد الليبيين، وتتوعدهم بأن (معك الملايين)، أن ترتدي أولاً الزي المدرسي وتلتحق بدرس (النحو) في الصف الثالث الابتدائي. ثم تذكر المرور - في طريقك - على درس (التاريخ)، لتتعلم بأن أول شهيد سقط في الثورة الليبية كان اسمه (الخـوف). وإذا لم تستطع استيعاب الدرس، فإن شباب بنغازي قادرين على شرحه لك جيدًا. وبالمناسبة، الدروس مجانية في حيّ (بوهديمة).

****
الوصية الثانية/ إلى السادة الإرهابيين:

لا يمكن لطريق (الجنة) سوى أن يكون مفروشا بالورود والمحبة والسلام. وليس بالرؤوس المقطوعة تحت صرخات التكبير. أي جنة تلك التي ترغبون بالقفز إليها فوق جثث المواطنين؟ وأي شريعة تلك التي وسيلتها الحرق والهدم والتفجير، من سيارات العائلات الآمنة، إلى قبور صحابة رسول الله الكرام؟

أوصيكم بالعودة إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، بعد أن تنزعوا اللثام عن وجوهكم، وتغادروا كهوفكم المظلمة، وتشاركوا في بناء وطنكم تحت ضوء الشمس المنعش، وبين أهلكم وأطفالكم.

وإلا، فانتظروا يومًا ترجعون فيه إلى الله، حاملين فوق ظهوركم جثث ضحاياكم، ويتبعكم خصومكم من اليتامى والثكالى والمشردين. عندها ستوفى كل نفسٍ بما كسبت. ولن يكون بوسعكم - يومها - اخفاء وجوهكم تحت اللثـام.

****

الوصية الثالثة/ إلى السيد أبو سهمين (رئيس البرلمان الليبي) :

علاقة غامضة - ومريبة - تجمعك بالرقم (اثنـان).

فإسمك لا يضم سهمًا واحدًا، بل سهمين. وأنت لا تملك نائبًا واحدًا، بل نائبين. وقضيتك الشهيرة لا تشمل فتاة واحدة، بل فتاتين. وفي عهدك المصون لا توجد حكومة واحدة، بل حكومتين.

لكن الأمر الذي فشلت في تثنيته، هو رهانك (الواحد والوحيد) على الميليشيات من دون الشعب. وهي حماقة تذكرني بحماقة الملك العجوز (لير) وقصر نظره. وإذا كانت نهاية الملك (لير) هي الهرب والجنون إثر خسارته لرهانه الأحمق، حتى تنقذه ابنته، فإنك لن تجد من ينقذك من براثن الشعب الغاضب.

وصيتي لك، أن تحاول - مسرعًا - إعادة (شكسبير) من قبره، ثم تنحني وتتوسل إليه، لعله يضيف إلى مسرحيتك بطلا جديدًا .. اسمه الأمير هيثم. (1)

****

الوصية الرابعة/ إلى السيد اجعودة (عضو البرلمان) :

تقول الحكاية، بأن الجدة خرجت وتركت حفيدتها (ريم) في الكوخ بعد أن حذرتها من فتح الباب للذئب. وقد نبهتها إلى علاماته الواضحة، وهي صوته (المتحشرج)، وارتدائه للخواتم في مخالبه لإيهامها بأنه جدتها. وقد نجحت ريم في صده، حتى قام الذئب الداهية بتناول العسل وترطيب صوته.

وهنا نعترف بأننا كنا أقل ذكاءً من ريم، ففتحنا لك الباب من أول (طرقة) انتخابية رغم وجهك المجعد وصوتك المتحشرج، ومخالبك المزركشة بالخواتم. لكن الحكاية لم تنتهي بعد، فالشعب - مثل ريم - ما يزال حديث السن والتجربة. وهنا أوصيك بألا تحاول طرق بابه مرة ثانية، حتى لو التهمت كل قوارير العسل في الدنيا، أو استعملت كل الحيل لفتح القفل، بما فيها (التـل) أيضًا.

****

الوصية الخامسة/ إلى السيد حفتـر:

مازلنا نسمع جعجعةً، ولا نرى طحينًا.

وقد نبهتُ سابقًا من أن تكون عملية (الكرامة) مجرد ضربات متقطعة وغير محسوبة النتائج، تقصف القصر فتطيح بالمعهد. لكن ما فتيء الجميع يؤكد بأنها ستكسر شوكة الإرهاب - وسكينه - في بضع شهور.

وهنا أوصيك - مجددًا - بالاستعانة بمارد سحري اسمه (القبيلة) وعدم الانجرار خلف حرب الشوارع. فالقبائل الليبية العريقة، وخاصة في (برقة)، هي الوحيدة القادرة على استئصال الإرهاب وتأمين مناطقها، ومدك بدعم لوجيستي غير محدود. والقبائل أيضًا هي العلاج السحري الذي اكتشفه العراق في (مجالس الصحوات) فطهرته من الارهابيين في سنة واحدة فقط، لكنها عادت فانتكست لاحقا بسبب الطائفية والاحتلال. وهو الأمر الذي يخلو منه المشهد الليبي، ويؤكد نجاحها.

وأخيرًا يا سيادة اللواء، قد تسمع جعجعة القبائل حولك، لكنك - بإذن الله - سترى طحينها، وتأكل خبزها ساخنًا.

****

الوصية السادسة/ إلى هيئة صياغة القوانين الانتخابية:

في حال تعرض الطائرة الحربية للسقوط، فإن بوسع قائدها القفز منها بكبسة زر. أما الطائرة المدنية، التي تحمل على متنها مئات المسافرين، فلا يملك قائدها مثل هذا الترف، والسبب في ذلك أن يكون مصيره مشابهًا لمصير ركابه، فيبذل كل ما في وسعه لتأمين طائرته، وعدم قيامه بأية حماقات.

وليبيا طائرة تحمل ستة ملايين راكب.

لكنكم تصرون على تسهيل قفز قادتها منها، بتشريعكم لقانون يتيح (لمزدوجي الجنسية) تولي مفاصل الدولة الحساسة. وقد كان السيد (زيدان) آخر القافزين بمظلته، إلى بلده الثاني ألمانيا، التي تحميه بموجب دستورها الجرماني المرعب، وذلك بعد سلسلة طويلة - ومحزنة - من مشاهد القفز الحر، للمسؤولين عن المال العام.

أوصيكم بالنظر في جدوى هذا القانون، وحصر المناصب في المواطنين أحاديي الجنسية، أو فيمن يتنازل طوعًا عن جنسيته الأخرى. وبهذا لا يكون بوسع هؤلاء سوى القيادة الآمنة، أو تحطيم أعناقهم تحت أرجل الركاب الغاضبين.

****

الوصية السابعة/ إلى ناشطي الفيس بوك الليبيين:

إذا قبضت يدك ورفعت إبهامك، فستحصل على (لايك) ..

أما إذا بسطت يداك – والإبهامان أيضًا - فستحصل على عشرة أصابع قادرة على بناء ليبيا وانتشالها من حالة الضياع التي تعصف بها .. عشرة أصابع قادرة على حمل الكتب والدراسة وتنظيف الشوارع وترميم خرائب الحرب. بدلاً من هدر الساعات تلو الساعات في التسكع بين حيطان الفيس بوك.

نعم. إذا نجحت في بسط أصابعك العشرة، فستحصل على كومة (لايكات) حقيقية. ليس من (الفيس بوك) فقط ..

بل من (الهيستوري بوك) أيضًا.

****

الوصية الثامنة/ إلى الشعب الليبي الكريم:

اقترب رمضان كالعادة. واقتربت حملات (موائد الرحمن) كالعادة. وستمتليء الشوارع بموائد الأرز واللحم كالعادة أيضًا. وهي عادة مباركة، و لا يعيبها شيء، سوى أنها موائد لا علاقة لها بـ (مائدة الرحمن) الحقيقية:

فكلمة (الرحمان) كلمة سريانية طارئة على لسان العرب - على رأي عمّنا ابن منظور - وقد تفرد بها القرآن الكريم وحصٓ-;-رٓ-;- استعمالها في وصف رب العزة، ولا غير سواه. وقد جاءت بعدة معانٍ متعدية لمعنى الرحمة نفسه، من أبرزها (مصدر الوشائج والروابط والأرحام، والممسك بها سويًا) (2).

ولهذه الأسباب تحديدًا، فإن مائدة الرحمن الحقيقية ليست هي [مائدة الطعام] كما يُشاع.

بل هي [مائدة الحوار].

إنها المائدة التي تجمع ذوي الأرحام والوشائج والروابط، من أهل البلد الواحد، على كلمة سواء بينهم، وهي أنّ دمائهم وأموالهم حرام عليهم. وأن مصلحة (ليبيا) فوق كل اعتبارات سياسية، أو جهوية، أو مناطقية.
أما إذا اعتبرتم أن موائد الرحمن هي - فقط - موائد الأكل والشرب، فإن البطون قد تشبع وتمتليء بالأرز واللحم مرة واحدة كل عام، لكنها ستظل - دائمًا - أقل امتلاءً وشراهة من التهام المقابر الليبية للجثث، عدة مرات كل يوم.

****

الوصية التاسعة/ إلى عائلتي الشهيدين .. المسماري وبوزيد:

سيكتب التاريخ أن الشهيدين العزيزين، قد اختارا الرفيق الأعلى، وهما حاِسرَيْ الوجوه، ولم يضعا اللثام قط. وسيكتب التاريخ أيضًا، أن عبدالسلام كان يحمل سجادته، ومفتاح يحمل صحيفته، فيما كان القتلة ملثمي الوجوه، على عادة كل الجبناء, ويحملون الموت مخزونًا في رشاشاتهم الآلية، ككل المجرمين.

لا تقيموا سرادقًا للعزاء، ولا تبكوا .. بل أقيموا الأفراح، وزغردوا.
فمن رحم بنغازي يولد الشهداء ..
ومن رحمها أيضًا، تولد الأوطان ..

****

الوصية العاشرة، والأخيرة/

لك أنت يا صديقي:

رغم كل الحزن .. ورغم كل الغيوم ..

لا تفقد الأمل ..
ولا تصاحب اليأس ..

فوراء الحزن ابتسامة .. ووراء الغيوم شمسٌ ..

وإذا عصفت بك رياح الأسى والفقد من كل جانب .. فانظر إلى وجه الصغيرة (هاجر)، التي رسمت على مُحيّاها الفاتن الصغير، أروع ابتسامة في الوجود، رغم كل جراحها، وفقدها لأبيها المحب ..

وهكذا هي بنغازي ..

قد تثخنها جراحها ..
وتفقد أحباءها ..
لكنها قادمة دون شك ..

وهكذا هي بنغازي ..

مدينة لملمت ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها ..
ولم تضعه في كتب التاريخ وحسب ..
..

بل لخصته في ابتسامة طفل !

****
د. حكيم المصراتي
يونيو 2014
****
هوامش:
(1) نسبة إلى السيد (هيثم التاجوري)، الذي ركع رئيس دولة ليبيا عند أعتاب قدميه، متوسلاً عطفه وسعة صدره، في مشهد يليق بمن يضع عنقه تحت رحمة الميليشيات.
(2) من ذلك قوله - تعالى - في سورة الملك (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما "يمسكهن" إلا الرحمن). صدق الله العظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني