الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توقيت الانتخابات الرئاسية و التشريعية في تونس :اللعبة و الرهان.

بيرم ناجي

2014 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كررت كل الأحزاب المتوسطة و الصغيرة منذ سنتين تقريبا فكرة ضرورة تجنب "الاستقطاب الثنائي" في الساحة السياسية التونسية بين "الفيلين" حزب النهضة و حزب نداء تونس لما له من عواقب سلبية على الحياة السياسية التونسية. و كان من الضروري العمل على تجنب ذلك جذريا عبر القانون الانتخابي- مثلا عبر احداث مبدأ التمثيل النسبي و الانتخاب على دورتين انتخابيتين في كل من الانتخابت الرئاسية و التشريعية على السواء- و لكن ذلك لم يتم. بل الأنكى أن يتواصل المسار الاستقطابي من خلال تحديد تواريخ الانتخابات الرئاسية و التشريعية: هل تتمان في نفس الوقت أم تفصلان وأيهما تقدم على الثانية؟
في اعتقادي الشخصي لا بد من الدفاع عن مبدأ تقديم الانتخابات التشريعية عن الرئاسية و الا فستكون آخر ضربة للحياة السياسية و تأكيدا نهائيا لآنتصار الأحزاب الكبيرة و الاستقطاب الثنائي و تلك هي المهزلة.
من الأجدر تقديم الانتخابات التشريعية لاعطاء الأحزاب الصغيرة الفرصة لعرض برامجها و اثبات وجودها في مجلس النواب كل حسب حجمه و ذلك تشجيعا للفسيفساء السياسي الذي يعكس تنوع التيارات. ولكن تقديم الانتخابات الرئاسية سيقضي على كل ذلك للأسباب التالية.
ان الانتخابات الرئاسية في كل بلدان العالم هي انتخابات الأحزاب الكبيرة أو الجبهات الكبيرة. الصغار لا مكان لهم في الانتخابات الرئاسية لأن المنصب المترشح اليه واحد و الرهان عليه يتطلب طاقات مالية و بشرية رهيبة لا تتوفر في الغالب الا لحزبين أو ثلاث في البلاد.
تسبيق الانتخابات الرئاسية في تونس يعني فتح المجال للنهضة و نداء تونس في المرتبة الأولى و حولهما سوف تتمحور التحالفات الانتخابية الرئاسية و من ثم التشريعية. لن يفوز في الانتخابات الرئاسية الا مرشح أحد الحزبين -أو المرشح المسنود من أحدهما في تحالف عريض يبدأ رئاسيا و يتواصل تشريعيا. هذا سيجعل المترشحين يدورون في فلك القطبين ان لم يكونوا منهما. أما المترشحون من الأحزاب و الجبهات الصغيرة فلن يكونوا أكثر من كومبارس يزين المشهد الانتخابي الرئاسي و في أحسن الأحوال لن يفعلوا سوى التمرن استعدادا للانتخابات التشريعية اللاحقة. و لكن التمرين سيكون غير ملائم لأن منطق الرئاسيات سيختلف كثيرا وسلبيا عن منطق التشريعيات.
ان تسبيق الانتخابات الرئاسية سوف يفقد الانتخابات التشريعية نفسها أي معنى بالنسبة للأحزاب الصغيرة و المتوسطة.فاذا فاز مرشح الرئاسيات النهضاوي أو الندائي فان ذلك سيتحول الى كرة ثلج تأخذ معها الانتخابات التشريعية.
ستكون الصورة كما يلي على الأرجح:
اذا فاز مرشح النهضة مثلا فسوف يحاول الناس – هذا ان حاولوا- التعديل في الكفة في الانتخابات التشريعية مما سيدفع الناس الى التصويت بكثافة الى نداء تونس في التشريعية خوفا من ضياع الأصوات المعطاة الى الأحزاب الصغيرة التي لن تنفع في التصدي الى النهضة و رئيسها المنتخب. هذا سيدفع كل الأحزاب القريبة من النهضة أيضا الى احكام التحالف معها والتصويت اليها محاولة لكسب التشريعيات بعد الرئاسيات. والنتيجة ان تسبيق الرئاسيات سيجعل القطبين أكبر من يستفيد في العملية السياسية.
نفس الشيء سيحدث لو فاز مرشح الرئاسيات القريب من نداء تونس. سيدفع ذلك كل الخائفين من نداء تونس الى الاستسلام و الاصطفاف وراء النهضة عساها تنقذهم منه. في المقابل سيحاول النداء تعزيز فوزه الرئاسي بانتصار تشريعي و سيلتحق الآلاف بحزب الرئيس الجديد من أجل "انهاء المهمة" تشريعيا بالفوز التشريعي الساحق على النهضة بعد هزمها رئاسيا.
في الحالتين و مهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية فان التصويت سيصبح اصطفافيا اما من أجل تعديل الكفة أو من أجل اكمال مهمة الحاق الهزيمة بالخصم الكبير. و سيجد الصغار أنفسهم في وضعية سيئة جدا لأن اللعبة ابتدأت كبيرة و لا بد أن تنتهي كذلك و الا اتهم كل من يتردد في التشريعيات انه مخرب للانتصار التاريخي الذي تم في الرئاسيات التي سبقته أو معرقل للتعديل التاريخي الذي يجب أن يحدث عبرها بالنسبة لمن سينهزم فيها.
ان تسبيق الانتخابات الرئاسية على التشريعية سيجعل الثانية تتويجا للأولى في ذهن الناخب و لن يبقى سوى المتحزبون المنظمون أشد التنظيم و المنضبطون أشد الانضباط كي يصوتوا لأحزابهم. و هذا نفسه لن يخدم الا الأحزاب الكبيرة اما الايديولوجية - مثل النهضة- أو المتمتعة بامكانيات مالية كبيرة منها أي النهضة و نداء تونس. هذا ان لم يفعل "الاختلاف التكتيكي" فعله و يقسم الأحزاب و الجبهات الصغيرة و المتوسطة و تظهر النزعات الشخصية الوصولية و ينخر الخوف البعض من الانتصار الساحق للمعسكر المنافس فيكون التصويت اما اضطفافيا- انتقاميا أواصطفافيا- اتقائيا.
هل ستختلف الوضعية كثيرا لو تزامنت الانتخابات الرئاسية و التشريعية أو لو تمت الانتخابات الرئاسية على جولتين تكون الثانية منهما مقترنة بالانتخابات التشريعية كما اقترح "نداء تونس "اليوم؟
نعم و لكن لا أعتقد ان الاختلاف سيكون كبيرا . سيكون الضغط أقل نسبيا لأن الأحزاب الصغيرة ستتجرأ –ربما- على الترشح باستقلالية و لكن عينها ستظل ثابتة باتجاه ربط تحالفات أو تقاطعات انتخابية مع الكبار . و سيحدث ذلك حالة من التردد الكبير بل و ازدواج في الشخصية الانتخابية اذ من المرجح أن يصوت الناخب في التشريعية لحزبه و لكنه سيصوت في الرئاسية للحزب الكبير الذي يكون قريبا منه. ان هذه الوضعية سوف تجعل كل المترددين أو أغلبهم يميلون الى حسم ترددهم باتجاه الأحزاب الكبيرة خوفا من المفاجئات غير السارة مما سيفقد الأحزاب الصغيرة قيمتها.
ستستفيد الأحزاب الكبيرة اذن – ربما بدرجة أقل من فرضية تسبيق الرئاسية عن التشريعية- و ذلك لأنه سيكون محتما اجراء تحالفات عريضة دفعة واحدة لحسم المعركة السياسية في جولة واحدة. هذه الوضعية تساعد الأحزاب الكبيرة أيضا لأن الاصطفاف وراءها سيصبح سهلا لعدم وجود فرص تدارك و سيادة عقلية "عدم المقامرة" و " المخاطرة" . الكل سيعيش تحت سطوة فكرة الفرصة الوحيدة للانتصار التي سوف تعني المزيد من التجميع وراء أحد الحزبين الكبيرين.
ان اقتراح "نداء تونس" اليوم قد يكون أسوأ حتى من الاحتمال السابق.اذا تمت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ثم – اذا مررنا الى ثانية- تكون معها الانتخابات التشريعية ستكون الوضعية كالآتي:
-أولا :هنالك احتمال حسم الرئاسية من الجولة الأولى و عندها لن يكون للمقترح أي معنى لأننا سنعود الى السيناريو الأول الذي يسبق الرئاسية عن التشريعية.
-ثانيا: اذا لم تحسم الرئاسيات من الجولة الأولى و مررنا الى الثانية و تزامنت معها التشريعيات فان الضغط عندها سيكون أكثر شدة على الأحزاب الصغيرة و على الناخب لأنه سيكون عليهم القطع النهائي لتقرير مسار الحياة السياسية في يوم واحد. في هذه الحالة ستستفيد الأحزاب الكبيرة حسب الفارق الذي سيلاحظ بين المترشحين الباقيين للجولة الثانية من الرئاسيات.
اذا كان الفارق الملاحظ في الجولة الأولى كبيرا فان كل النوايا التصويتية ستتأثر به اما من أجل قلب الطاولة أو دعم نصف الانتصارالذي كاد يتحقق. في هذه الحالة ستتركز كل الأنظار على الحزبين أو التحالفين الكبيرين الذين مر مرشحاهما الى الدورة الثانية من الرئاسيات.
ستكون لهذه الوضعية آثار كبرى على السلوك الانتخابي للناخبين و الأحزاب الصغيرة في التشريعية نفسها بالطريقة التالية : سيكون هنالك حزبان كبيران على مرمى حجر من السلطة الرئاسية و سيصبح على الناخب و على الأحزاب الصغيرة تأكيد نصف الانتصار و تحويله ليس فقط الى انتصار رئاسي بل و تأمينه بانتصاركامل أو -على الأقل- بنصف انتصار تشريعي.
ستصبح اللعبة الانتخابية لعبة "انقاذ" نصف المهزوم و توطيد انتصار نصف النتصر ليس فقط رئاسيا بل كذلك تشريعيا. في هذه الحالات تذوب "الحسابات" و النقاط الصغيرة و تتركز الأنظار على "المعركة الفاصلة" بالضربة القاضية التي لا مكان فيها للصغارالذين سيذوبون.
و عندها فان ما لا يدركه البعض و يعرفه البعض الآخر ، لكن لن يكون بامكانه فعل شيء ازاءه ،هو احتمال تحالف الحزبين الكبيرين في حالة عدم فوز أي منهما بأغلبية مريحة . و قد يكون التحالف "تعاضدا" يتسلم فيه الحزب المنهزم في الرئاسيات زمام الحكومة أو حقائب هامة فيها لترضيته بحيث تتوافق الرئاسة مع الحكومة و يسيطر الحزبان القويان على المشهد السياسي طويلا بالتراضي بالقسمة و التداول أو التناوب.
في كل الحالات : الخاسر الأكبر هو الأحزاب و الجبهات المتوسطة و الصغيرة.
لو أن الانتخابات التشريعية هي التي تمت الأولى سيكون المشهد مختلفا:
من ناحية أولى ستكون الأحزاب الصغيرة – ومعها الناخب المتردد و خاصة غير المتحزب – دون ضغوط مسبقة . و ستقوم بحملاتها و تعرف حجمها الحقيقي و يمكنها – بعد ظهور النتائج- أن تضغط بكتلها البرلمانية ليس فقط على تشكيل الحكومة المقبلة بل و كذلك على التحالفات الرئاسية المقبلة.هذا الأمر ستكون له أهمية كبرى لأنه سيضطر الأحزاب الكبرى الى تقديم تنازلات للصغرى في تشكيل الحكومة و سياستها أولا و من ثمة في السلوك الانتخابي الرئاسي اللاحق ثانيا.
و- سيرا على المنوال الفرنسي نسبيا- سيكون للأحزاب الصغيرة دور في تعديل الكفة الرئاسية اللاحقة حسب نتائج الانتخابات التشريعية الأولى ،على الأقل قدر الامكان بحيث ستتحالف مع أو تصوت الى مرشح منافس للحزب الذي فاز – هو أو تحالفه- في الانتخابات التشريعية.
هذه الوضعية مهمة جدا للسياسة ليس فقط لأنها ستساعد الأحزاب الصغيرة و المتوسطة على البقاء و الصمود ككتل برلمانية بل ستعطيها دورا تعديليا على الحزب الأغلبي في التشريعيات – داخل التحالف الحكومي- و خاصة اذا كان يرغب في الفوز اللاحق في الرئاسيات أيضا.
ولكن تسبيق الانتخابات الرئاسية عن التشريعية أو تزامنهما سيفسد كل شيء. ستكون الساحة للكبار و سيضطر الصغار الى الاصطفاف أو الانعزال و ربما الانقراض.
و المصيبة الحالية هي ان بعض الأحزاب و الجبهات الصغيرة و المتوسطة طالبت هي نفسها بذلك و سلمت حبل مشنقتها لخصومها الكبار و من خلال خطاب غريب لا يكاد يعرف علاقة بفن السياسة مع الأسف.
ان المثال الأوضح على ذلك هو "الجبهة الشعبية" التي تطالب بتقديم الرئاسية عن التشريعية بحجج منها "اخراج الرئاسية عن منطق الحسابات" و " النجاعة التنظيمية" و " أهمية الرئاسة في ضمان السير العادي للسلط الأخرى" و غيرها.
ان هذه الحجج اما هي شكلية- دستوية أو تقنية- تنظيمية أو مثالية في حسن نواياها. ولكن السياسة أمر آخر.
يبدو لي ان موقف الجبهة نابع من تصورها التكتيكي السياسي. انها ترغب في تقديم الرئاسية – التي تعرقف أن لا أمل لها فيها- لتجنيب مرشحها أي اقدام على المناورة و لاستغلال الرئاسيات فقط للدعاية و الاستعداد للانتخابات التشريعية اللاحقة. هذا مريح مبدئيا وتكتيكيا و تنظيميا و لكنه خطير على الجبهة و على الأحزاب الصغيرة و المتوسطة و على مستقبل الحياة السياسية في تونس بالنظر الى ما سبق و قلناه.
أكثر من ذلك : أعتقد انه على الجبهة الاسراع في الاتصال بكل الأحزاب الصغرى و المتوسطة الأخرى بما في ذلك "التكتل" و " المؤتمر" و " الجمهوري" و غيرها – رغم الاختلافات الجذرية- من أجل تنبيههما أن ما يحضر هو ضد كل تلك الأحزاب و ضد مصلحة الديمقراطية مصلحة الفئات المختلفة التي تمثلها مختلف الأحزاب. و عليها جميعا – في الحوار الوطني – أن تضغط من أجل تسبيق التشريعية عن الرئاسية حتى تتمكن من الحفاظ على موقعها تحت الشمس لأن انقراضها لن يخدم الا الحزبين الكبيرين و ليس أي طرف آخر.
أعتقد ان تأجيل النظر في المسألة حتى نهاية الأسبوع يجب أن يسمح للأحزاب و الجبهات الصغيرة و المتوسطة بتدارك موقفها و تنسيقها – رغما عن كل الاختلافات- من أجل فرض تسبيق التشريعية عن الرئاسية و الا فانها "الطامة الكبرى" .
على الجميع حسن ادارة اللعبة لأن الرهان ليس انتخابيا و لا حزبيا فقط بل هو رهان تاريخي بأتم معنى الكلمة.
ان الأحزاب الكبرى ستجد في كل الحالات – بمباركة دولية" الحلول المناسبة لتقاسم السلطة –رئاسية مقابل حكومية- أو الأدوار – من خلال الحقائب- أو على الأقل التناوب اللاحق. هذا طبعا ان لم تدخل في صراعات حادة – قد تريدها قوى دولية و تغذيها نزعات انتقامية.
أما الأحزاب الصغرى التي تضيع مرحلة " الانتقال الديمقراطي" المناسبة –عادة- للبدء في اعادة تشكيل الخارطة السياسية الوطنية فانها قد تضيع ...الى الأبد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص