الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هباء

ناصر ثابت

2014 / 6 / 4
الادب والفن


هباء
شعر ناصر ثابت

دخل الهباءُ إلى دمي
والشمسُ فرَّتْ من مكانٍ مبهمٍ،
وبحثتُ عنها، غير أني لم أجدْها، صرتُ أحلمُ بالهباء
هل كان ينقص أن أحسَّ به على دربي القصير؟
ماذا يذكِّرني بهذي الذكرياتِ الآن؟
- لا أدري!
كان الهباءُ مدينةً مفتوحةَ البابين،
يدخلُها صباحاً باعةٌ متجولون.
يتكبرون على الشوارعِ يدخلونَ، ويخرجونَ،
ويتقنونَ تجارةَ الموز المعتقِ، والفراولةَ الرديئة.
يرمونَنا بقصائدِ الأوهامِ واللغةِ القميئة
ويلونون شوارع التاريخِ دوماً بالصخب.
يأتون في فجرٍ غريب ذائبٍ في النارِ
في وادٍ عديمِ الموجِ
يملأه الهدوءُ، ولا قرارَ له
يستهزئون بنا، وبالصور الحديثة، والكتبْ
هل كان وادُ النارِ يفتحُ لي من الأفخاذِ ما يكفي لأعبر ذكرياتي في الكذب؟
من بيت لحمٍ في الصباحِ إلى الخليلِ إلى مدينةِ طولكرمْ
هل هذه مدنٌ مجهزةٌ لتبتلع الهزائمَ مثل حبات الدواء؟
هي في هباءٍ واضحٍ جداً
تداخلَ في دمي
واخترتُ حيَّ الياسمينِ
لكي أسمي إبنتي الصغرى عليه
ولكي أحاورَ ربَّ هذا الكونِ فيه
حتى وجدتُ الحيَّ مدفوناً
وكلَّ منازل الليمون تُظهِرُ نفسَها رأساً على عقبٍ.
وفوق ترابه
أرضٌ يراها الناسُ ملكاً للإرادة،
أهناكَ أفكارٌ نجرِّبُها
أمِ الدنيا فراغٌ دامسٌ؟
فجراً سنقرأُ كل أنواعِ الجرائد
صامتين، على الموائدِ
فوقَ شرفتنا القديمةِ
في انحناءاتِ المكانْ
جئنا هنا، حتى نرى في أرضنا سبباً لنقتلَ ذاتَنا بالعنفوان
قتلاً على خلفية الشرف المرتَّقِ مثل حدسِ الانسياب.
"أهناك أسبابٌ لهذا الموتِ؟"
تسألنا السنونو في شوارعِ طولكرم.
لكننا، بالطبعُ نجهلُ ما تقول لنا السنونو!
والآن ندخلُ في سُعار الشعرِ
حتى لا نرى وجهَ الإله الرحب
يُشرقُ من ديارِ الكفرِ في خجلٍ
ونشتمَ في المساءِ الحزنَ، والرؤيا، وتكسيرَ العظام.
هل نشتهي من لحمِ أطفالِ الشوارعِ ما تيسر
أم نعدُّ لسرنا العربي أصنافَ الكلام؟
هذا هباءٌ عابثٌ، لزجٌ، طفوليُّ القداسة، ممعنٌ في الإنتقام.
هل كان دوماً في طريقِ اللُّد ما يكفي لنهربَ
من إشاعاتِ ترددها المروءةُ؟
عندما كنا صغاراً، كان أجدادُ الحديقةِ يهربون إلى صدور النسوةِ البيضاءِ
لكن الهباءَ اليومَ يخذلُنا
نفتِّشُ في رغيفِ الخبز عن معنى لهذا العمرِ، في ماضٍ سيأتي لاحقاً
كان الزؤامُ صدى لفكرتنا
ويأخذنا الشجارُ إلى جنان الخلدِ
لكن الهتافات التي سكنت حناجرَنا
استعادت كل أحلامِ الطريقِ المستحيلْ
عدنا لنسألَ هل هنالك فكرة أخرى لهذا اليومِ
تُطلقُ ما تيسر من رصاص الحقدِ؟
هل نهوي على أرض الرسالات التي جاءت لتقتلنا بدمعٍ باردٍ؟
كنا سنسألُ "كيف ترضى الإنتفاضة أن تكون أداةَ تنفيذِ الجريمة؟"
لكنْ، صمتْنا دونما سببٍ،
تعاطينا انتحاراً راقياً سهلاً خفيَّا
ومقابرُ اللطرونِ تسمعنا بشكل واضحٍ جداً
لماذا لم يعلمنا الوضوحُ قصيدة أخرى
لنقرأها هناك على إذاعات المدارس
في الرجاءِ
وفي دروبِ الأغنياءْ؟
أهناك ما يكفي لنشعلَ بالإطاراتِ الشوارعَ
أم لنشعلَ في الشوارعِ كلَّ أنواع الإطارات البطيئة والسريعة؟
كنا نخبيءُ في مكانٍ مبهمٍ نفطاً وكبريتاً
ونهربُ في اتجاهات الغروبِ
ولا نعودُ سوى لأن الجيشَ يأمرنا لندخلَ في البيوتِ وفي رفوف الريح، والأرض البعيدة
وقبائل الأخبار تقتلُ ذاتها قتلاً رحيماً
والآن يدخلنا الذبولُ، ونرتدي قصصَ البطولةِ
كي نرى ذاتَ الفراغِ
وتهمسَ الأحزانُ فينا أن هلموا كي أدرِّبَكم على لغةِ الهوى والإنتقامْ
والآن لا ندري، أنلعقُ بطنَ ماضينا المشرف كي يبادلنا التحيةَ
أم نقبِّلُ وجهَ أحزابٍ تشتتُ شملَنا
وندسُّ غيمةَ سورِنا الواقي قليلاً في كهوف الإنسجام؟
أم هل سنشربُ نخبَ قتل الأهل إن خانوا مدينتنا الوثيرة؟
أوَكلما قيلَ استعدوا للبقاءِ هنا، انتحرنا
واحترقنا في سُعارٍ باذخٍ جداً
يعلمنا الرحيل إلى مشارفِ كوكبٍ
كنا نكرر رسمَه عند السفاراتِ البعيدة؟
هي أرضنا الفرضية الملقاةُ في كهفِ المساءْ
أما الجدارُ، فإنه مثل الجدارِ، وإنه مثل الهواء، وإنه مثل الهواءْ
أوكلما اخترنا جداراً
صار مثل اللوحة البيضاءِ
نرسم فوقها رمزاً ليقضمَ لحيةَ الشيخِ الجليل؟
كنّا نبددُ كل هذا البرتقالِ، ولا نرى سبباً لنمنحَه إلى أطفالنا
وكأن كلَّ هبائنا يأتي مع الجيشِ العليلْ
مذ كان يوشعٌ بن نونَ يرتكبُ المجازرَ في أريحا
هي آيةٌ وردتْ على سطرٍ غريب واضح الأبعادِ في النص المقدس
هي آيةٌ وُجدتْ لتمنحَ أرضَنا لليلِ
هل جئنا إلى هذا الزمانِ المرتبك
لنموت في علم الفَلَك
أو في الفراغِ اللولبي؟
هل سوفَ تخذلُنا الحقيقة؟
إنما بعنا حقيقتَنا البسيطةَ في محلات البقالة
حينَها انتهتِ الروايةُ بالغوايةِ والغموض
كنا نعودُ إلى منازلنا سكارى
كقصيدة مكسورة الظهرِ استطاعت أن تعيش على مشارف أورشاليم
بعنا غُبار السور
هل نبكي إذن دمعاً من "الكولا"
وفي هذي الموائدِ ما تيسرَ من فتات الخبزِ؟
فلنأكلْ قليلا. إنها دربُ الهزيمة.
أنا لن تكونَ قصيدتي وهميةً، حتى وإن دخلتْ متاهات الهباءْ
وإذا تعرت في الجرائدِ والفضائيات والصمتِ الطويل.
هذا الغيابُ له قوانينٌ تنظمه قليلاً
هو كالمؤامرة العظيمة عندما يأتي النشور.
والسر في جسر على ماءٍ خفيفٍ
لم يكن سبباً لتهزمنا بنادقنا الرديئة.
هل هذه لغة مناسبةٌ لذبحِ الوقتِ
تهطلُ من سماءٍ صعبةٍ بيضاءَ
تأخذنا إلى رقصٍ على ثلجٍ سخينٍ
واضحٍ جداً، يبدده الرثاء؟
واليومَ لا ندري أنبكي أم نردُّ على هواء الشر بالجنس الخفي وبالبغاء
وهناك في أفراحنا دوماً مكان للغرابةِ والبغاء
إن السباحة في ظروفِ اللوزِ
تشبهنا، ولكنا سندخلُ أرضَ إسرائيل كي تختارَ منا ما يناسبُها
ليعملَ في الزراعةِ والدباغةِ والنكاح.
كان الهواءُ الرطبُ يقتلني
ولكنْ كان يمنحني من الحرية الحمراءِ ما يكفي لأختار المسدسَ والمسافةَ والرصاص.
أنا فكرتي كالحِصرِمِ العبثي
مثل الإنسيابِ الصعبِ في ذاتي العميقة
أنا فكرتي عكسُ الخلاص
هي لا تناسبني
وكنتُ شربتُ ذاتَ الريحِ، أحضرتُ المكانَ إلى هنا
وفتحتُ فيه نوافذَ الرؤيا
وبادلتُ الخرافاتِ الغريبةَ والملائكةَ التحية
ثمَّ انتسبتُ إلى الرجاءِ المستفيض
غلَّفتُ في ورقيةٍ كجريدةِ القدس العريقةِ
منطقي العاديَّ: "تنحرني ابتساماتُ النساء"
والليلُ يسقطُ فوقنا كالخيمةِ السوداءِ
إن قصيدتي لا تعرفُ الإيقاعَ
حضَّرتُ المسدَّسَ كي أرى في الإنتحارِ مدى يرد على مداي.
ولكي أبددَ رهبتي الأولى
وأسأل: كيف تأتيني المدينةُ في قراءاتي وأشعاري
وأرضي ليس فيها مسرحٌ أو شُعبةٌ للعشقِ أو رفٌّ لأسرابِ اليمام؟
لكنَّ فيها لَقْلَقاً يأتي ليحملَ طفلةَ العيد الجديدة
وطنٌ بلا ساعي بريدٍ ليس ينفعني
لأني قد أراسلُ كل أهل الأرض دون تردد
قد أستشير القادمين من الجنوبِ
إذا تبادلنا الرواية
واحترفنا مبدأ صعباً، وحددنا حدوداً صلبةً للريحِ
تعبرُها الطفولةُ والجراد
والقتلُ يأخذنا إلى فن التخاذُل
فاسمعوا أفكارنا
إن المدينة تبتدي من دمعنا
فخذوا منازلكم ولا تتشاءموا
والشمسُ تعرفنا كلينا، إنها أمُّ الجميعِ العادلة
هي من ستمنحنا سلاماً ساذجاً
كدروبنا المتقاطعة
ووجوهنا المتبادلة

20-5-2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح