الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية الثائرة والبعد التراجيدي في رواية - الثائر- للأديب محمد الغربي عمران

محمد يوب

2014 / 6 / 5
الادب والفن


الشخصية الثائرة والبعد التراجيدي
في رواية
" الثائر"
للأديب محمد الغربي عمران

1- في عتبة العنوان
إن العنوان في أي عمل أدبي يمثل في أحد مستوياته استباقا سرديا يكثف محتوى ودلالات النص؛وفي مجال التلقي يوجه القارئ إلى القراءة المحددة التي يتغيؤها الكاتب؛لأنه يتخذ كمنطلق أساسي افتراض القارئ الذي يريد؛و الروائي محمد الغربي عمران يريد قارئا متتبعا لتاريخ اليمن السياسي في فترة زمنية محددة هي فترة الثورة على الإمامة من أجل تغيير النظام من الإمامة إلى الجمهورية.
ففي هذا العنوان "الثائر" استطاع الروائي توجيه القارئ إلى أهمية الفضاء الروائي الذي تدور فيه الأحداث؛وهو سجن الرادع وصنعاء وما تعرضت له من حصار وقدرة الثوار على فكه بمساعدة من ثوار عرب من مصر و العراق وسوريا..
وعلى صفحة الغلاف تبدو للقارئ ملامح بشرية ثنائية التركيب بين ملامح الرجل وملامح المرأة؛ وهما وجهان لشخصية واحدة هي شخصية الثائر؛الملثم؛الذي عرف في آخر الرواية بقمر؛ البطل الذي فقد يده اليمنى من أجل الثورة؛ولعل لليد اليمنى حقلها التداولي العميق الذي يدل على استغناء البطل عن تيار اليمين المحافظ و الاحتفاظ باليسار الثوري.
إضافة إلى ذلك إن العنوان بكراكتيريته العريضة العملاقة التي توحي للقارئ بقوة الثائر وعظمته؛ لهيمنته على جزء كبير من مساحة الغلاف مما زاد من قوة الثائر؛و اللون الأحمر الدموي الدال على فورة البطل وثورته؛كما أن اللون الأسود الداكن الغالب على الغلاف لدليل على انسداد الرؤية وعتمة المستقبل.
2- في صلب الرواية
تشكل البنية السياسية والاجتماعية في اليمن في مرحلة من مراحل تكوين الدولة الثائرة على نظام الولاية؛ المرجع الذي يبني من خلاله محمد الغربي عمران عالم روايته "الثائر" هذا العالم الذي جسد مجموعة من العلاقات و الأحداث التراجيدية؛و الآلام و الآمال في تلك الفترة التاريخية التي شهدت بداية المد الثوري في اليمن وتشكُل المقاومة الشعبية ضد نظام الحكم الملكي المهترئ.
و الروائي محمد الغربي عمران لا يتعامل في هذه الرواية مع التاريخ بصفته مقصودا لذاته؛ بقدر ما يسترجعه كخلفية للأحداث التي يرصد من خلالها نمو وتكون شخصية البطل "قمر"؛ الذي قدم له في مستهل الرواية ب"الملثم" وهو الشخصية الرئيسية الممثلة؛ التي تعتبر مركز التبئير ومحور الاستقطاب في الرواية من أولها إلى آخرها.
وهو الثائر الذي فر من "سجن الرادع" بعدما تمت تصفية جل رفقائه في السجن؛وقد نجح في الهروب عندما انسل من بين السجناء وقطع المقبرة القريبة من السجن متوجها إلى "سمسرة الحاج وردة" وهي فندق قديم؛كان يختبئ فيه البطل/الملثم؛ ومن حين لآخر يخرج متنكرا في زي مزركش لامرأة جميلة؛من أجل قتل أعداء الوطنيين "أقسم أن يقتص منهم واحدا واحدا" ؛حيث انسل في البداية إلى غرفة المستشفى التي يتعالج فيها "المسوري" شاوس سجن الرادع وقطع أنفاسه بخيط حذائه؛ثم بعد ذلك قتل الجلاد؛ وشيخ البلاد؛ و الدويران؛ و الأعمش؛ وكل أعداء الثورة "يعرف خارطة المبنى جيدا؛استعرض محتويات الغرف؛ثم تسلل إلى مكتب حامل السوط...." لتنتهي الرواية بعكس ما ينتظره القارئ ؛حيث إنه أثناء تكريم الثوار و المقاومين من طرف رئيس الجمهورية؛تفاجأ قمر بأن كل هذه الشخصيات التي صفاها وقضى عليها هي التي تجلس على منصة الرئاسة وهي التي تقود البلاد بعد أن استقرت الأوضاع؛في إشارة من السارد إلى أن المنتفع من الثورة دائما هم الخونة الذين يقفزون على السلطة بمجرد ما تنتهي الثورة.
من خلال الشخصة الرئيسية في الرواية "الملثم" بمحيطه الاجتماعي وبحمولته السياسية؛نستطيع التعرف على الشخصيات الأخرى المؤثثة لفضاء الرواية؛على اعتبار أن له علاقات واسعة مع شخصيات وازنة في البلد وخاصة مع القاضي الذي يعتقد أعداء الثورة هو من ساعده على تسلق المناصب؛إلى أن يصبح مديرا عاما في وزارة المعارف؛فكان لابد من التبليغ عنه و الوشاية به؛مما دفعه إلى تحمل كل الاهانات وكل أشكال التعذيب إلى أن فر من السجن؛وتعرف على شخصيات أخرى ساهمت في بناء الرواية؛كشخصية الوجه العظمي و الشاعر والحاج وردة وابنته التي أغرمت بقمر.
مع هذه الشخصيات ومن خلالها استطعنا أن نعيش مع الأحداث ونعيد اكتشاف الأحداث المروية التي يتداخل فيها الواقع بالمتخيل؛و الخاص بالعام؛و الفردي بالنموذجي؛واستطعنا أن نطلع عن قرب عن كيفية صناعة التاريخ الذهبي للمتسلقين المدعين للوطنية؛ناسين أو متناسين الصناع الحقيقيين للتاريخ المأساوي الذي سطره البسطاء الذين تفاعلوا بشكل عفوي مع الحركات الثورية و السياسية.
واستطعنا كذلك التعرف على الزمان و المكان الذي جرت فيه أحداث الرواية؛على اعتبار أنهما يشكلان وحدة مترابطة في العمل الروائي؛تقوم على التأثير المتبادل بين طرفيهما؛فالزمان يتكشف في المكان بوصفه البعد الرابع له؛و المكان يُدرك ويقاس بالزمان كما قال ميخائيل باختين،وتتجلى هذه الوحدة المترابطة في رواية "الثائر" من خلال التركيز على شخصية "الملثم " المحورية في مرحلة زمنية محددة ؛وهي مرحلة الثورة في اليمن على نظام الإمامة؛في إطار تفاعل هذه الشخصية مع فضائها المكاني "السجن - سمسرة الحاج وردة – صنعاء – ميدان التحرير ......" مع محيطها الاجتماعي و السياسي؛ فتقدم لنا كقراء نظرة شاملة عن عالم الرواية.
والزمان و المكان بهذا المعنى ليسا منفصلين وإنما يشكلان وحدة واحدة؛ هي التي يمكن أن نسميها بالخطاب الفضائي الذي تنطلق منه المتواليات السردية وتعود إليه؛وهو الذي يمنح للرواية ترابطها ولحمتها؛بالرغم من طابعها الديناميكي المتحرك؛لأننا ونحن نقرأ الرواية نشعر وكأن الشخصيات تتحرك في فضاء الرواية فاعلة ومنفعلة وكأننا أما مقاطع ومشاهد سينمائية درامية تنفخ روح الحركة بداخل السرد الروائي.
محمد يوب
ناقد أدبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??