الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراعات جمة لمرحلة ما بعد الإنتخابات الفائتة؛ هل من رؤية للخروج من مخاطر محدقة بمصير العراق؟

كامل كاظم العضاض

2014 / 6 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


صراعات جمّة لمرحلة ما بعد الإنتخابات العامة الفاثتة؛ هل من رؤية للخروج من مخاطر محدقة بمصير العراق؟
د. كامل كاظم العضاض
موجز: جرت الإنتخابات العامة في 30 نيسان الماضي، وكانت النتائج، وإن لم تفرز تغييّرا مهما على التركيبة العامة للقوى السياسية التي كانت مهيمنة على العملية السياسية، إلا بشكل هامشي؛ فاللاعبون الأساسيون هم أنفسهم تقريبا الذين عادوا، ولكن بتفتيت بسيط لبعضهم، وبزيادة بسيطة في مقاعد الكتلة المالكية التي كانت تقود الحكومة بشخص السيد المالكي، رئيس الوزراء، خلال الدورتين الإنتخابيتين الماضيتين، منذ حاولي ثمان سنوات. ومعلوم أن كتلة المالكي، دولة القانون، قد أحرزت أعلى الأصوات بما يساوي 95 مقعد في مجلس النواب، تليها كتلة الأحرار ب35 مقعد، ثم المواطن ب 30 مقعد، ثم كتلة متحدون ب 23 مقعد، ثم كتلة الوطنية ب 20 مقعد، بينما نالت كتل أخرى دون ذلك، اي بضعة مقاعد، وبنسب مختلفة، منها كتلة العربية ب 9 مقاعد والفضيلة ب 6 مقاعد، والتحالف المدني الديمقراطي ب 4 مقاعد. والى جانب ذلك، نالت الأحزاب الكردية مجتمعة ما يقرب من 60 مقعد.(1)
تفصح هذه النتائج عن أن التركيبة الطائفية والعرقية لم تتغير بدرجة مهمة، إنما إنفتح مجال طفيف، غير مؤثر عمليا، على طبيعة العملية السياسية، وهو حصول التحالف المدني الديمقراطي على أربعة مقاعد، وهو الداعي الى إقامة حكم مدني ديمقراطي، بعيدا عن الطائفية والمحاصصة، وللإستناد الى مبدأ المواطنة العراقية والمساواة الكاملة أمام القانون، حيث يكون العراقيون، بغض النظر عن إنتماءآتهم الفرعية، الدينية والطائفية والعرقية والمناطقية، هم مصدر السلطة واصحاب السيادة الكاملة على ثروات بلادهم وكيفية التصرف بها. نقول، ان هذا المنهج المتقدم، لا يشكل الآن سوى بصيص أمل، حيث سيبقى تأثيره بحدود حجم وزنه الإنتخابي الضئيل، آخذين بالإعتبار، مقومات الهيمنة والإمكانيات المالية والتمترس الإعلامي لإصحاب الكتل الكبيرة المشاركة بشكل او بآخر بالسلطة، من جهة، والإنسياق العاطفي والطائفي، وربما بوعي متدني لإغلبية الناخبين في العراق ضمن علبهم المذهبية والعرقية والعشائرية، القائمة اليوم، من جهة أخرى. وعليه، فإن مسألة تقويم مسار العملية السياسية، لنقلها من منهجها المكوّناتي؛ (الطائفي، العرقي، المناطقي)؛ الى المنهج المدني الديمقراطي العلماني سيستغرق زمنا قد يطول الى عقد، أوحتى، ربما، عقدين آخرين من الزمن، ولكن ذلك سيعتمد على مقدار قدرة القوى الديمقراطية المدنية على النفوذ الى وعي الناس، لتحريرهم من قيودهم المكوّناتية الضيقة والتفتيتية والضارة بمستقلهم ومستقبل أبنائهم، إذ لا تنمية حقيقية مستقلة ومستدامة ممكنة لشعب مجزأ ونظام حكم يقوم على التشرذم والمحاصصة، وعلى إستبعاد الكفاءات التكنوقراطية المستقلة والتي يشكل وجودها، عادة، سبيلا لتحقيق كفاءة الأداء الحكومي والخدمي التنموي. كما أن نوع القيادة الفاعلة المرتجاة من التحالف المدني الديمقراطي بنوابه الأربعة ستكون في المحك الحقيقي من حيث قدرتها القيادية ومقدار مقبولية شخوصها لدى الجماهير، فضلا عن مقدار رصانتهم العلمية والثقافية، وسيكون الزمن الآتي مسبارا تجريبيا لقدراتهم، ولكن على القوى المدنية والديمقراطية أن تضع زخم قدراتها على الجماهير الواسعة، لا الإرتهان الى ممثلين قلائل في مجلس النواب، ممن لهم اغراضهم السياسية والشخصية، وهناك من يضع علامات إستفهام عليها؟
والآن، نطرح للنقاش والتأمل محاولات للإجابة على السؤالين الآتيين: أولا، كيف سيكون مخاض تشكيل الحكومة القادمة والتي يستلزم حصولها على 165 مقعد أو أكثر؟
ثانيا، ولو تشكلت الحكومة بإحدى الصياغات، ما رؤاها وبرامجها وأولوياتها بالنسبة ليس فقط للنهوض بالإقتصاد الوطني، إنما أيضا لمجابهة جملة من المخاطر المحدقة بمصير العراق؟
أولا؛ يمكن تلخيص صراعات المخاض لتشكيل الحكومة القادمة بثلاث سينوريهات أساسية؛
1. هو أن يتمكن المالكي المرشح الوحيد لكتلة دولة القانون والذي حصلت قائمته على أعلى الأصوات وليس أغلبها، من إجتذاب وإقناع وإغراء أعدادا كافية ممن فازوا بمقاعد نيابية في كتل متعددة صغيرة ومتبعثرة، ومن كتل غريمة منافسة، ككتلة متحدون وكتلة الوطنية، وربما أحدى او بعض الكتل الكردية، مثل الحزب الوطني الكردستاني، (ولو بإحتمال صئيل)، للإنضواء تحت قائمته لتشكيل حكومة أغلبية، بدون الحاجة الى دعم التحالف الوطني الذي تنضم إليه كتلة دولة القانون. ويبدو لنا أن هذا هو السيناريو الأرجح، في ضؤ تشديد الإئتلاف الوطني الشيعي، الذي يضم كتلة المواطن وكتلة الأحرار الشيعيتين اساسا، على المطالبة العلنية بإستبعاد المالكي من الترشيح للولاية الثالثة، وذلك بهدف، أما ترشيح غيره من نفس كتلة دولة القانون، بإعتباره سيكون عندئذٍ مرشح التحالف الوطني، أو ترشيح شخص آخر من ضمن كتلتي التحالف نفسه، مما يصعب على المالكي قبوله ابدا، لاسيما وهو يملك خيارات أخرى، يتقدمها هذا السيناريو الأول الذي يبدو هو الأرجح، للإعتبارات التالية:
أ- ربما هناك عدد كاف من الفائزين في كتل سنية وشيعية صغيرة ومتوسطة يفضلون الإنضواء تحت خيمة المالكي، نظرا لقوة الإغراءات في الحصول على مناصب وإمتيازات وجاه تفوق ما قد يحصلون عليه في حالة بقائهم في كتلهم الهامشية. نعم، يبدو أن هذا السيناريو هو الأكثر إحتمالا، إذ قد يوفر للمالكي أكثر من 175 مقعدا، وهو أكثر من كاف للحصول على الأغلبية في مجلس النواب.
ب- للتمسك بتلابيب السلطة، بينت مسيرة المالكي، كرئيس وزراء، أنه يملك المرونة والإستعداد لتقديم تنازلات، كما سبق أن قدم للكرد، للحصول على الأغلبية، فخطف المنصب الأول في الحكومة من علاوي، رئيس كتلة العراقية التي كانت قد حصلت على مقاعد تفوق بمقعدين أو ثلاته ما حصلت عليه كتلة المالكي، دولة القانون، في نتائج الإنتخابات الماضية في عام 2010.
ج- يبدو واضحا أن كل من طهران وواشنطن لا تعترض على منح المالكي ولاية ثالثة، طالما أن الأمر سوف لا يكسر معادلة التركيبة السياسية المعروفة لكليهما منذ دورتين إنتخابيتين، ذلك لإنها تبدو تركيبة مناسبة لإستبقاء النفوذين الإيراني والإمريكي، مع توفر إمكانية للعب فيما بينهما لتعزيز البقاء والتسلط، وربما للمساعدة في تجنب التدخل السعودي والسلفي والقطري وربما التركي أيضا.
د- أن هذا الخيار سيخلص المالكي من الإرتهان الى سطوة الإئتلاف الوطني الشيعي، إذ سيكسب من خلاله القدرة على المناورة، فضلا عن تجنب إعتباره ممثلا للشيعة فقط، بل سيبدو به متخطيا لحاجز الطائفية التي كان يوصم بها خلال الدورتين الإنتخابيتين الماضيتين، وبذلك سيكسب من خلال هذا المنحى التأييد من قبل بعض الكتل الطائفية والعرقية غير الشيعية؛ أي أنه سيبدو ممثلا وطنيا أكثر منه شيعيا. ثم، بحسابات الزمن سيكون هذا السيناريو هو الأقصر، ربما سيتطلب تحقيقه شهرا من الزمن أو حتى أقل من ذلك، بعدما تتم المصادقة على النتائج النهائية، وذلك، إن صحت هذه الإفتراضات. وبالمقارنه لغيره من السنيوريهات، يبدو لنا أن هذا السيناريو هو الأفضل، بل، ربما، سيشكل مفتاحا لقيام حكومة وطنية لكل العراقيين، بعيدا عن المحاصصة والطائفية والتشرذم الكتلوي.
2. السيناريو الثاني، وهو اقل إحتمالا، ولكنه قد يستغرق وقتا أطول من السيناريو الأول، وذاك حينما يحزم التحالف أمره في آخر الأمر لقبول الولاية الثالثة للمالكي، إذ قد يرى فيه التحالف الوطني الشيعي، في الأقل، بمثابة ظهور له بمظهر الفاعل ليس في تشكيل الحكومة، بل وفي المحافظة على ما يحرص عليه في إبقاء ما يسمى بالبيت الشيعي مهيمنا ولو، في الأقل، من الناحية الشكلية. فاللاعبون السياسيون في هذه الكتلة الشيعية يحاولون الحفاظ على كونهم مصدرا فاعلا للسلطة في العراق، وما قد يترتب على ذلك من إمتيازات.
3. السيناريو الثالث، قد يأتي بعد إستعصاء تحقق السيناريوهين السابقين، حيث يضطر المالكي الى تقديم تنازلات كبيرة لحكومة إقليم كردستان، بما فيها حق تصدير النفط، ربما بمراقبة شكلية من قبل وزارة النفط الإتحادية وشركة سومو لتصدير النفط الخام. فالكتل الكردية تملك ما يزيد على خمسين مقعد بجميع مكوناتها، فلابد من صفقة كبيرة وباهظة الثمن على حساب الحقوق الدستورية للشعب العراقي بأجمعه، أي كونه صاحب السيادة الكاملة على ثرواته الوطنية، والنفط ياتي في مقدمتها. نعتقد أن الثمن المدفوع هنا سيكون باهظا، وسيخسر المالكي الكثير من التأييد الذي حصل علية. ولهذا نعتقد بعدم أرجحية ذهاب المالكي لهذا الخيار المرّ، ولكن متى كان العمل السياسي متطابق مع المباديء؟ إلا نادرا!
ثانيا، وفي حال تشكلت الحكومة بواحدة من الصياغات الثلاثة السالفة، يبرز السؤال الأهم الذي يمثل بيت القصيد، ما هي رؤى وإستراتيجية عمل وأولويات برامج الحكومة الجديدة، ليس فقط في إدارة الإقتصاد والمجتمع العراقيين، إنما أيضا واساسا لمعالجة ولدرء الأخطار الضخمة المحيقة بمصير العراق اليوم. ولا يتسع المجال لإستباق الزمن للحديث عن مقدار جدوى برنامج الحكومة الإنتخابي، نظر لعموميته غير النافعة، ولكن يجدر بنا عرض ما تميد به الأحداث المحلية والعالمية من مخاطر تحدق بمصير العراق ومستقبله الإقتصادي ووحدته ونموه المستدام.
تترشح أمامنا ثلاثة أخطار أساسية، الأول، هو هل ستحافظ الحكومة القادمة على وحدة العراق، أم ستقف عاجزة أمام مخاطر محتملة لتقسيمه؟ وهنا يقفزأمامنا التهديد المستمر من قبل سلطة إقليم كردستان بالإنفصال، على الرغم من تمتعها، من ناحية عملية، بأستقلال كبير عن الحكومة الإتحادية. كما تتصاعد دعوات متواصلة لإقامة كيانات فدرالية شبه مستقلة في بعض المحافظات، كالموصل والأنبار والبصرة وغيرها. والخطرالثاني، يكمن في إحتمال قطع أو تجفيف مياه نهري دجلة والفرات على مراحل.
أما الخطر الثالث فيتجسد بإبقاء الإقتصاد العراقي على حالته الريعية الخطيرة، مقابل تدني في تنويعه. (2) ويكمن خطر الإعتماد الكلي على تصدير النفط الخام في أنه يستند الى الإطمئنان الى كونه مطلوب دوما عالميا. ولكن ماذا سنفعل إن حلّ بديل فعال للنفط في السوق العالمية؟ سيكسد الطلب على النفط؟ وها ان هذا الخطر قد أصبح داهما الآن، بل هو يتسارع، وذلك يتمثّل بإقتراب الولايات المتحدة، حاليا، والتي ستحاكيها لاحقا دول أخرى، من تطوير بديل رخيص ودائم ونظيف، كمصدر للطاقة، بديلا عن النفط الخام، وهو ما يسمى اليوم في تقارير بيوت المال الأمريكية بالسن غاز، مما سيؤدي ليس فقط الى إنخفاضات هائلة في سعر برميل النفط في السوق العالمية، بل ربما سيؤدي خلال أقل من عقد من الزمن الى إحلال هذا الوقود الجديد والنظيف محل النفط الخام في العالم، فماذا، عتدئذٍ سنفعل بنفطنا!!. هل لأحد علم و/أو متابعة لمثل هذا التطور الخطير المحتمل؟ (3)
بالنسبة للخطرالأول، تقسيم العراق، فسنهتم بمسألة إنفصال إقليم كردستان بإعتباره الأكثر جدية. وبدءا، لابد من القول بأن حق تقرير المصير للشعب الكردي في الإقليم ينبغي أن يكون مكفولا، إذا كان تعبيرا عن خيار الشعب الكردي ذاته. ولكن، ترك المسألة للمناكدة والصراع، بخصوص حق التصرف بالموارد النفطية الموجودة داخل الإقليم او حواليه، وبما يناقض المادة 111 الواردة بالدستور، (4)، والتي تنص على أن النفط والغاز هما ملكية عامة للشعب العراقي في جميع مناطق العراق، هو بالتأكيد مبعث لتغذية التنازع والإصطراع، خصوصا وأن هناك طرف ثالث يلعب على تاجيج هذا الإصطراع، بل ربما يضمر هدفا لمحاولة إشعال حرب بين الإقليم والحكومة الإتحادية. والطرف الثالث هو تركيا التي ليس من بين أهدافها رعاية قيام دولة كردية عند حدودها الجنوبية، وهي التي تضم اكثرية الأكراد في العالم؛ اكثر من عشرين مليون كردي. وتزاول تركيا لعبتها بتشجيع سلطة الإقليم لتصدير النفط من الحقول التي تقع تحت سيطرتها، بإسلوب التهريب في بداية الأمر، ثم علنا عبر الأنابيب، بل واضحت تسهّل الهيمنة على عائدات هذا النفط التي تعود دستوريا للحكومة الإتحادية، ثم تدعي أنها مع تسوية دستورية للموضوع! إن الهدف الخفي من هذه اللعبة هو لتأجيج النزاع ومن ثم لتحويله الى حرب بين الحكومة الإتحادية وسلطة الإقليم، وبهذا تحقق إحتمال إنهيار أو في الأقل إضعاف الحكومة الكردية الى جانب إضعاف الحكومة الإتحادية. إن حربا تُشن على الأكراد في شمال العراق، هي بمثابة حرب تُشن بالنيابة عتها لإنها تستبطن رغبتها بإزالة حكومة كردية على حدودها الجنوبية. فهل تعي الحكومة القادمة هذا الكمين؟ أليس بالإمكان توظيف الحوار السياسي العميق مع الأشقاء الكرد في الإقليم لتجنب هكذا حرب، بل ومناقشة إمكانية الإنفصال سلميا على وفق قواعد وقوانين دولية؟ ألخطر يكمن هنا حينما يُستغفل الطرفان الإقليمي والإتحادي ثم يُزّجا في حرب عبثية ومكلفة، وبنتائج كارثية لمستقبل كل من الشعبين العربي والكردي، وهما يشكلان الشعب العراقي على مر العصور. فلا للحرب، إنما للسعي لإيجاد الحلول السياسية، بما فيها حلّ الإنفصال، إذا كانت تلك هي رغبة الشعب الكردي الشقيق.
وبخصوص الخطر الثاني المتمثل بإحتمال قطع أو تجفيف مياه نهري دجلة والفرات. كتب كثيرون في هذا الخصوص، لاسيما الدكتور حسن الجنابي، وكذلك الدكتور منذر الفضل، (5 و6)، حيث أبان واثبت الدكتور حسن الجنابي، في سلسلة من مقالاته الموثقة، الخطر الداهم على مقدار المياه العابرة من تركية ومن ثم سورية الى الأراضي العراقية، إذ هي بأنخفاض مستمر، حتى أن مستوى المياه في دجلة اضحى نصف ما كان عليه قبل بناء سد أليسو في تركيا الذي سيكتمل في عام 2015، وكذلك بعد إنجاز مشروع، "غاب"، في 2010، كما أن مصادر المياه في نهر الفرات قد تدنت الى حد الضحالة في مستوى النهر بعد وصوله الى جنوب العراق. وذلك فضلا عن تحوّل مياه الفرات الى مياه غير صالحة للشرب، نتيجة التلويث المستمر. كما اشار الدكتور الفضل الى سلسلة مشاريع السدود التي أقامتها وتقيمها تركيا، وذلك بالإضافة الى بناء سد الأسد الضخم الذي أقامته سورية. كل هذه البينات تؤكد على خطر داهم بالنسبة ليس لإرواء الزراعة في العراق أساسا، إنما حتى بالنسبة الى مياه الشرب. وللروافد الآتية من إيران والتي تصب في دجلة وشط العرب قصة مماثلة، حيث تحولت الى مبازال لتصريف المياه المالحة وليس العذبة، فضلا عن تشحيحها، بما يناسب السلطات المعنية في إيران، وهذا الأمر يجعل مشكلة شحة المياه المتوقعة أقرب الى كارثة وطنية، ويجب أن توظّف السياسات والإجراءآت لمعالجتها كأولوية الأولويات. كتب الدكتور حسن أن الأمر يستدعي سياسات وإجراءات حكومية فعالة وعاجلة؛ ونقتطف من مقاله في موقع مجلة تللسقف؛ "العراق وتركيا وملف المياه المشتركة"؛.. "أن العراق بحاجة الى موقف تفاوضي ذكي وصارم وقابل للتحقيق، بعيدا عن التلويح بالحرب بقدر ابتعاده عن العواطف والشعارات، بل بالانخراط الواعي اقليميا ودوليا وثنائيا في عمل دبلوماسي مكثف، وبرامج ومشاريع وطنية واقليمية عابرة للحدود من اجل خلق شروط تشجع على التفاوض المباشر من موقع الشريك القوي، وليس الضعيف المستجدي الذي لا يملك غير الشكوى من دول الجوار في حالتي الفيضان والجفاف"! (7)
أما بالنسبة للخطر الداهم الثالث الذي أشرنا إليه، كخطر إستراتيجي، فينبغي أن تتاسس لمواجهته إستراتيجية طويلة ومتوسطة الاجل، مشفوعة بخطط وسياسات وإجراءات ومتابعات علمية، بدون ضياع وقت وإنتظار الرزق من الله! وحيث من المعلوم بأن الإقتصاد العراقي يقف على "قرن ثور"، أي يعتمد كليا تقريبا على صادرات نفطه الخام والتي تشكل اكثر من 95% من موارد موازنة الحكومة، واكثر من 55% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012، كما تشير البيانات الرسمية. (8) وعليه، وبغض النظر عن مدى جاهزية وجود بدائل للنفط في السوق العالمية، ينبغي التوجة بحزم لبناء الإستراتيجيات والخطط والسياسات لتنويع الإقتصاد العراقي والعمل، بمسابقة الزمن، لتصنيع النفط الخام لا تصديره. فكما اشرنا آنفا وبدون تفصيل الى قرب إكتمال التقنيات لصناعة بديل لطاقة النفط الخام، وسيكون بديلا فعالا، لإنه يعتمد الطاقة الشمسية والماء الذي يُستخدم لفصل الأوكسجين عن الهايدرجين، ثم إدخال معاملات اخرى لإنتاج ما يسمى بالسن غاز، وهذا المشروع الطاغي الآن في الولايات المتحدة، يخطط له أن يجعل الإقتصاد الأمريكي ليس فقط مستغنيا عن إستيراد النفط الخام من دول الشرق الأوسط، بل وربما سيكون مصدرا لهذه الطاقة البديلة، السن غاز. وسيكسد الطلب على النفط الخام الذي ينتجه العراق ودول أخرى، ربما خلال المدى المنظور بل والقريب جدا، لاسيما وإن الشركات الأمريكية العاملة على إنتاج هذا البديل السن غاز، نراها الآن تطرح أسهمها للتداول في الأسواق. أليس هذا خطر داهم؟ كان لزاما أن نتحسب له منذ عقود، بغض النظر عن توقع بروز او عدم بروز بديل للنفط الخام في الأسواق العالمية!
فضلا عن كل ما تقدم من شرح لإهم الأخطار المحدقة بمصير الإقتصاد العراقي، فأن تحديات التنمية ومعضلاتها في العراق ضخمة ومتصاعدة. فالفقر في العراق يطال أكثر من 45% من السكان، والبطالة تشكل ما يقارب ال18% من قوة العمل، وأن البنى الإرتكازية متهرأة، بل أن العراق يُصنّف دوليا اليوم في اسفل جداول المقارنات، سواء بالنسبة لمستوى العيش، او من ناحية إستشراء الهدر والفساد والإرهاب، او من ناحية لياقة ونظافة المدن، وخصوصا العاصمة بغداد، أومن ناحية الأمن والإستقرار، او من ناحية تدهور نوعية الحياة عموما، أومن ناحية زيادة الفجوة بين الاغنياء القلة والفقراء الكثرة. كل هذه التحديات الإقتصادية والإجتماعية وحتى المالية تستدعي اليوم أفرقة عمل متخصصة وكفؤه تقودها حكومة ذات نظرة إستراتيجية ثاقبة ومعززة بأجهزة مقتدرة، يقودها علماء وتكنوقراطيون لا تستنزفهم الصراعات والمناكفات السياسية ولا يطردهم عدم الإستقرار وغياب الأمن. والبرامج التي تدعيها أية حكومة لا تكون ذات قيمة إن لم تستند الى دراسات وتشخيصات علمية، يضعها خبراء متمرسون ومختصون، فالتخطيط بدون تنمية لا قيمة له، وخصوصا إذا ما إقترح مشاريع تنموية لا يتجاوز معدل تنفيذها ال10% في احسن الأحوال، فضلا عن ضخامة المصاريف التشغلية الجارية لموازنة الحكومة والتي تشير البيانات الرسمية، انها تتعدى ال80% من الإيرادات في السنوات الأخيرة، (9)، بما يعني بأننا سنكون بحاجة الى دهور الى إعادة بناء الإقتصاد العراقي ولتنويعه، أي لوضعه على طريق النجاة من التخلف والتقسيم، وربما، لا سامح الله، من التلاشي، كوطن عزيز وموّحد. (10)

د. كامل العضاض
مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة،
مطلع حزيران، 2014.
بعض المراجع:
1. نتائج الإنتخابات الرئيسة في العراق؛ https://www.google.com.lb/search?q=
2. د. كامل العضاض؛ "الهيكلية الإقتصادية والمسألة الريعية؛ عوائق أما تحقيق تنمية مستدامة"، شبكة الإقتصاديين العراقيين، 2014
3. file:///C:/Users/Ghost/Desktop/Uncommon%20Wisdom%20Daily-James%20DeGeorgia.htm
4. الدستور العراقي، 2006
5.دكتور حسن الجنابي؛ "العراق وتركيا وملف المياه المشتركة"؛ http://www.tellskuf.com/index.php/mq/33856-4.html د. حسن الجنابي
6. د. منذر المظفر؛ http://alakhbaar.org/home/2014/6/169632.html د. منذر الفضل
7. المصدر رقم 5.
8. المصدر رقم 2.
9.المصدر السابق. .1. المصدر السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موظفة في -أمازون- تعثر على قطة في أحد الطرود وتعيدها إلى أصح


.. الشرطة الأميركية تعتقل طالبة خلال فض اعتصام المحتجين داخل حر




.. إصابة 13 شخصاً جراء هجوم صاروخي على أوديسا


.. أوستن يطالب بخطة ذات مصداقية لإجلاء المدنيين من رفح




.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال